اللجنة المعنية بحقوق الإنسان
الدورة الثمانون (2004)

التعليق العام رقم 31: طبيعة الالتزام القانوني العام المفروض على الدول الأطراف في العهد


1- يحل هذا التعليق العام محل التعليق العام رقم 3، وهو يعكس المبادئ الواردة في ذلك التعليق ويفصِّلها. وقد تم تناول الأحكام العامة المتعلقة بعدم التمييز والواردة في الفقرة 1 من المادة 2 وذلك في التعليق العام رقم 18 والتعليق العام رقم 28، وينبغي قراءة هذا التعليق العام مقترناً بتلك الأحكام.
2- وفي حين أن المادة 2 قد صيغت على أساس التزامات الدول الأطراف تجاه الأفراد باعتبارهم أصحاب حقوق بموجب العهد، فإن لكل دولة من الدول الأطراف مصلحة قانونية في أداء كل دولة طرف أخرى لالتزاماتها. وهذا ناشئ عن كون ‘القواعد المتعلقة بالحقوق الأساسية للإنسان‘ تمثل التزامات تجاه الكافة وعن أن هناك، كما هو مبين في الفقرة الرابعة من ديباجة العهد، التزاماً بتعزيز الاحترام والمراعاة العالميين لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية. وعلاوة على ذلك، فإن البعد التعاقدي لأي معاهدة ينطوي على التزام كل دولة من الدول الأطراف في المعاهدة، تجاه كل دولة طرف أخرى، بالامتثال لما قطعته على نفسها من تعهدات بموجب المعاهدة. وفي هذا الصدد، تذكِّر اللجنة الدول الأطراف باستصواب إصدار الإعلان المتوخى في المادة 41. كما أنها تذكِّر تلك الدول الأطراف التي أصدرت الإعلان بالفعل بما تنطوي عليه استفادتها من الإجراء المنصوص عليه في تلك المادة من قيمة محتملة. إلا أن مجرد وجود آلية رسمية مشتركة بين الدول في ما يتعلق بتقديم الشكاوى إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بصدد الدول الأطراف التي أصدرت الإعلان المطلوب بموجب المادة 41 لا يعني أن هذا الإجراء يمثل الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها للدول الأطراف أن تؤكد اهتمامها بأداء الدول الأطراف الأخرى. بل على العكس من ذلك، فإن الإجراء المنصوص عليه في المادة 41 ينبغي أن يُعتبَر إجراء مكملاً، لا مقلصاً، لاهتمام الدول الأطراف بأداء كل منها لالتزاماتها. وتبعاً لذلك، فإن اللجنة تنصح الدول الأطراف باعتماد الرأي الذي يعتبر أن انتهاكات الحقوق المشمولة بالعهد من قِبل أية دولة من الدول الأطراف يستحق اهتمامها. ولا ينبغي اعتبار توجيه النظر إلى الخروقات المحتملة للالتزامات المنصوص عليها بموجب العهد من قِبل الدول الأطراف الأخرى ودعوتها إلى الامتثال لالتزاماتها بموجب العهد تصرفاً غير ودي، بل إنه ينبغي أن يُعتبر تعبيراً عن مصلحة جماعية مشروعة.
3- وتُعرِّف المادة 2 نطاق الالتزامات القانونية المعقودة من قبل الدول الأطراف في العهد. ويُفرض التزام عام على الدول الأطراف بأن تحترم الحقوق المشمولة بالعهد وأن تكفل هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والخاضعين لولايتها (انظر الفقرتين 9 و10 أدناه). وعملاً بالمبدأ المبين في المادة 26 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، يجب على الدول الأطراف أن تنفذ، بحسن نية، الالتزامات المنصوص عليها بموجب العهد.
4- والالتزامات المنصوص عليها في العهد بصورة عامة، وفي المادة 2 بصورة خاصة، ملزِمة لكل دولة من الدول الأطراف. ذلك أن جميع فروع الحكومة (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، وغيرها من السلطات العامة أو الحكومية، على أي مستوى من المستويات – الوطنية أو الإقليمية أو المحلية – هي ذات وضع يستتبع مسؤولية الدولة الطرف. والفرع التنفيذي الذي يقوم عادة بتمثيل الدولة الطرف على المستوى الدولي، بما في ذلك أمام اللجنة، قد لا يشير إلى قيام فرع آخر من فروع الحكومة بفعل يتناقض مع أحكام العهد، وذلك كوسيلة يراد بها إعفاء الدولة الطرف من المسؤولية عن ذلك الفعل وما ترتب عليه من تعارض مع أحكام العهد. وهذا الفهم ينشأ مباشرة عن المبدأ الوارد في المادة 27 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات والذي لا يجوز بموجبه للدولة الطرف ‘أن تحتج بأحكام قانونها الداخلي لتبرير عدم تنفيذ معاهدة ما‘. وبالرغم من أن الفقرة 2 من المادة 2 تسمح للدول الأطراف بأن تُعمِل الحقوق المشمولة بالعهد وفقاً للعمليات الدستورية المحلية، فإن هذا المبدأ نفسه ينطبق بحيث يمنع الدول الأطراف من الاحتجاج بأحكام القانون الدستوري أو غير ذلك من جوانب القانون المحلي لتبرير عدم أداء أو تنفيذ التزاماتها بموجب المعاهدة. وفي هذا الصدد، تذكِّر اللجنة الدول الأطراف ذات الهيكل الاتحادي بأحكام المادة 50 التي تقتضي أن تنطبق أحكام العهد، دون أي قيد أو استثناء، على جميع الوحدات التي تتشكل منها الدول الاتحادية.
5- وللالتزام المنصوص عليه في الفقرة 1 من المادة 2 باحترام وضمان الحقوق المعترف بها في العهد مفعول فوري بالنسبة لجميع الأطراف. فالفقرة 2 من المادة 2 ترسي الإطار الشامل الذي يجب أن يتم ضمنه تعزيز وحماية الحقوق المحدَّدة في العهد. وقد سبق للجنة أن أوضحت، كنتيجة لذلك، في تعليقها العام رقم 24، بأن التحفظات على المادة 2 تُعتبر متناقضة مع العهد عندما يُنظر إليها على ضوء أغراض العهد ومقاصده.
6- ويتسم الالتزام القانوني بموجب الفقرة 1 من المادة 2 بطابع سلبي وإيجابي على السواء. إذ يجب على الدول الأطراف أن تمتنع عن انتهاك الحقوق المعترف بها في العهد، وأي تقييد لأي من تلك الحقوق يجب أن يكون جائزاً بموجب الأحكام ذات الصلة المنصوص عليها في العهد. وعند فرض مثل هذه القيود، يجب على الدول أن تثبت ضرورتها وألا تتخذ من التدابير إلا ما كان متناسباً مع السعي إلى تحقيق أهداف مشروعة وذلك من أجل ضمان الحماية المستمرة والفعالة للحقوق المشمولة بالعهد. ولا يجوز بأي حال من الأحوال فرض القيود أو الاحتجاج بها بطريقة تمسّ جوهر أي حق من الحقوق المشمولة بالعهد.
7- وتقتضي المادة 2 أن تعتمد الدول الأطراف تدابير تشريعية وقضائية وإدارية وتثقيفية وغير ذلك من التدابير المناسبة من أجل الوفاء بالتزاماتها القانونية. وتعتقد اللجنة أن من المهم رفع مستوى الوعي بالعهد لا في صفوف الموظفين العموميين ووكلاء الدولة فحسب وإنما أيضاً في صفوف السكان ككل.
8- وتُعتبر الالتزامات المنصوص عليها في الفقرة 1 من المادة 2 ملزِمة للدول الأطراف ومن ثم فإنه ليس لها، بصفتها هذه، أثر أفقي مباشر كمسألة من مسائل القانون الدولي. ولا يمكن النظر إلى العهد باعتباره بديلاً عن القانون الجنائي أو المدني المحلي. إلا أن الالتزامات الإيجابية الملقاة على عاتق الدول الأطراف بأن تضمن الحقوق المشمولة بالعهد لا يمكن أن تؤدى بالكامل إلا إذا وفرت الدولة الحماية للأفراد لا مما يرتكبه وكلاؤها من انتهاكات للحقوق المشمولة بالعهد فحسب، وإنما أيضاً من الأفعال التي يقوم بها أفراد عاديون أو كيانات خاصة والتي يمكن أن تعوق التمتع بالحقوق المشمولة بالعهد بقدر ما تكون هذه قابلة للتطبيق بين الخواص من الأفراد أو الكيانات. وقد تكون هناك ظروف يمكن فيها للتخلف عن ضمان الحقوق المشمولة بالعهد، حسب ما تقتضيه المادة 2، أن يؤدي إلى انتهاك تلك الحقوق من قِبل الدول الأطراف نتيجة لسماحها بارتكاب مثل هذه الأفعال من قِبل الخواص من الأفراد أو الكيانات أو تخلفها عن اتخاذ التدابير المناسبة أو عن ممارسة اليقظة الواجبة لمنع حدوث هذه الأفعال ومعاقبة مرتكبيها والتحقيق فيها أو جبر الضرر الناجم عنها. وتُذكَّر اللجنة الدول بالترابط بين الالتزامات الإيجابية التي تفرضها المادة 2 والحاجة إلى توفير سبل انتصاف فعالة في حالة حدوث خرق، حسـب ما تنص عليه الفقرة 3 من المادة 2. والعهد نفسه يتصور، في بعض مواده، بعض المجالات التي تُفرَض فيها التزامات إيجابية على الدول الأطراف من أجل معالجة أفعال الخواص من الأفراد أو الكيانات. ومن الأمثلة على ذلك أن الضمانات التي تنص عليها المادة 17 في ما يتصل بحرمة الحياة الخاصة يجب أن تكون محمية بموجب القانون. كما أن المادة 7 تعني ضمناً أنه يتعين على الدول الأطراف أن تتخذ تدابير إيجابية من أجل ضمان ألا يقوم الخواص من الأفراد أو الكيانات بممارسة التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة على غيرهم ممن يخضعون لسلطتهم. وفي المجالات التي تؤثر في الجوانب الأساسية للحياة العادية مثل العمل أو السكن، يجب حماية الأفراد من التمييز وذلك ضمن معنى المادة 26.
9- والمستفيدون من الحقوق المعترف بها في العهد هم الأفراد. وعلى الرغم من أن العهد لا يشير، باستثناء ما ورد في المادة 1، إلى حقوق الأشخاص الاعتباريين أو ما يماثلهم من الكيانات أو الجمعيات التضامنية، فإن العديد من الحقوق المعترف بها في العهد، مثل الحق في حرية المجاهرة بالدين أو المعتقد (المادة 18)، وحرية تكوين الجمعيات (المادة 22) أو حقوق أفراد الأقليات (المادة 27)، هي حقوق يمكن للمرء أن يتمتع بها بالاشتراك مع غيره. أما كون اختصاص اللجنة في تلقي البلاغات والنظر فيها يقتصر على تلك البلاغات التي يقدمها الأفراد أو التي تُقدَّم بالنيابة عنهم (المادة 1 من البروتوكول الاختياري (الأول)) فلا يمنع هؤلاء الأفراد من الادعاء بأن الأفعال أو الإغفالات التي تمس الأشخاص الاعتباريين وما يماثلهم من الكيانات تشكل انتهاكاً لحقوقهم هم.
10- ويجب على الدول الأطراف، بموجب الفقرة 1 من المادة 2، أن تحترم وتكفل الحقوق المشمولة بالعهد لجميع الأشخاص الذين قد يوجَدون في إقليمها وكذلك لجميع الأشخاص الخاضعين لولايتها. وهذا يعني أنه يجب على الدولة الطرف أن تحترم وتكفل الحقوق المنصوص عليها في العهد لأي شخص يخضع لسلطتها أو سيطرتها الفعلية حتى ولو لم يكن موجوداً داخل إقليمها. وكما هو مبين في التعليق العام رقم 15 الذي اعتُمد في الدورة السابعة والعشرين (1986)، فإن التمتع بالحقوق المشمولة بالعهد لا يقتصر على مواطني الدول الأطراف بل يجب أن يكون متاحاً أيضاً لجميع الأفراد، بصرف النظر عن جنسيتهم أو عن كونهم عديمي الجنسية، مثل ملتمسي اللجوء واللاجئين والعمال المهاجرين وغيرهم من الأشخاص الذين قد يجدون أنفسهم في إقليم الدولة الطرف أو خاضعين لولايتها. وينطبق هذا المبدأ أيضاً على أولئك الأشخاص الذين يوجَدون تحت السلطة أو السيطرة الفعلية لقوات دولة طرف تتصرف خارج إقليم تلك الدولة، بصرف النظر عن الظروف التي تم فيها الحصول على هذه السلطة أو السيطرة الفعلية، ومن الأمثلة على ذلك القوات التي تشكل فرقة عسكرية وطنية تابعة لدولة طرف ومكلَّفة بالمشاركة في عمليات حفظ السلم أو إحلال السلم على المستوى الدولي.
11- وكما يدل عليه ضمناً التعليق العام رقم 29، فإن العهد ينطبق أيضاً في حالات النـزاعات المسلحة التي تنطبق عليها قواعد القانون الإنساني الدولي. وفي حين أنه قد تكون هناك، في ما يتعلق ببعض الحقوق المشمولة بالعهد، قواعد أكثر تحديداً في القانون الإنساني الدولي تُعتبَر وثيقة الصلة بصفة خاصة لأغراض تفسير الحقوق المشمولة بالعهد، فإن مجالي القانون كليهما هما مجالان يكمل الواحد منهما الآخر ولا يستبعده.
12- وعلاوة على ذلك، فإن الالتزام الذي تفرضه المادة 2 والذي يقتضي أن تحترم الدول الأطراف وتكفل الحقوق المشمولة بالعهد لجميع الأشخاص الموجودين في إقليمها وجميع الأشخاص الخاضعين لسيطرتها يستتبع التزاماً بعدم تسليم أي شخص أو إبعاده أو طرده بأية طريقة أخرى من إقليمها وذلك حيثما تكون هناك أسس وافية تبرر الاعتقاد بأن ثمة خطراً حقيقياً في أن يتعرض هذا الشخص لأذى لا يمكن جبره، مثل ذلك المتصوَّر في المادتين 6 و7 من العهد، سواء في البلد الذي سيُبعَد إليه أو في أي بلد آخر قد يُبعد إليه هذا الشخص في وقت لاحق. وينبغي تنبيه السلطات القضائية والإدارية المختصة إلى ضرورة ضمان الامتثال للالتزامات التي يفرضها العهد فيما يتصل بهذه المسائل.
13- وتقتضي الفقرة 2 من المادة 2 أن تتخذ الدول الأطراف الخطوات الضرورية لإعمال الحقوق المشمولة بالعهد في إطار النظام المحلي. وهذا يستتبع وجوب أن تقوم الدول لدى تصديقها على العهد، ما لم تكن الحقوق المشمولة بالعهد محمية بالفعل بموجب قوانينها أو ممارساتها المحلية، بإدخال ما يلزم من التغييرات على قوانينها وممارساتها المحلية من أجل ضمان توافقها مع أحكام العهد. وحيثما تكون هناك اختلافات بين القانون المحلي وأحكام العهد، تقتضي المادة 2 أن يتم تغيير القانون المحلي أو الممارسة المحلية من أجل الوفاء بالمعايير التي تفرضها الضمانات الأساسية التي ينص عليها العهد. وتسمح المادة 2 للدولة الطرف بأن تعمل على تحقيق ذلك وفقاً لهيكلها الدستوري المحلي، وبالتالي فإنها لا تقتضي انطباق العهد مباشرة في المحاكم من خلال إدماج أحكامه في القانون الوطني. إلا أن اللجنة ترى أن الضمانات التي يشملها العهد قد تحصل على حماية معززة في تلك الدول التي يشكل فيها العهد تلقائياً، أو من خلال إدماجه المحدد، جزءاً من النظام القانوني المحلي. وتدعو اللجنة تلك الدول الأطراف التي لا يشكل فيها العهد جزءاً من النظام القانوني المحلي إلى النظر في إدماج العهد من أجل جعله جزءاً من القانون المحلي بغية تيسير الإعمال الكامل للحقوق المشمولة بالعهد حسبما تقتضيه المادة 2.
14- ثم إن الاشتراط المنصوص عليه في الفقرة 2 من المادة 2 بأن يتم اتخاذ خطوات لإعمال الحقوق المشمولة بالعهد هو اشتراط غير مقيَّد وذو مفعول فوري. فعدم الامتثال لهذا الالتزام لا يمكن أن يبرَّر بالاستناد إلى اعتبارات سياسية أو اجتماعية أو ثقافية أو اقتصادية ضمن الدولة.
15- وتقتضي الفقرة 3 من المادة 2 أن تكفل الدول الأطراف، بالإضافة إلى الحماية الفعالة للحقوق المشمولة بالعهد، أن تتوفر للأفراد أيضاً سبل انتصاف ميسَّرة وفعالة من أجل إعمال تلك الحقوق. وينبغي تكييف سبل الانتصاف هذه على النحو المناسب بحيث تراعى حالات الضعف الذي تتسم به بعض فئات الأشخاص، وبخاصة الأطفال. وتعلق اللجنة أهمية على قيام الدول الأطراف بإنشاء آليات قضائية وإدارية مناسبة لمعالجة الدعاوى المتصلة بانتهاكات الحقوق في إطار القانون المحلي. وتلاحظ اللجنة أن التمتع بالحقوق المعترف بها بموجب العهد يمكن أن يُكفَل على نحو فعال من قِبل السلطة القضائية بطرق عديدة مختلفة، بما في ذلك التطبيق المباشر للعهد، أو تطبيق الأحكام الدستورية أو غير ذلك من الأحكام القانونية المماثلة، أو الأثر التفسيري للعهد في تطبيق القانون الوطني. وثمة حاجة خاصة لوجود آليات إدارية من أجل إعمال الالتزام العام المتمثل في التحقيق في المزاعم المتعلقة بالانتهاكات تحقيقاً سريعاً وشاملاً وفعالاً من خلال هيئات مستقلة ونزيهة. ويمكن للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان التي تتمتع بصلاحيات مناسبة أن تسهم في تحقيق هذه الغاية. أما تخلف الدولة الطرف عن التحقيق في المزاعم المتعلقة بالانتهاكات فيمكن أن يؤدي، في حد ذاته، إلى خرق مستقل للعهد. ويشكل وقف الانتهاك المستمر عنصراً أساسياً من عناصر الحق في الاستفادة من سبيل انتصاف فعال.
16- وتقتضي الفقرة 3 من المادة 2 أن تقوم الدول الأطراف بتوفير سبل الجبر للأفراد الذين انتُهكت حقوقهم المشمولة بالعهد. ودون توفير هذا الجبر لهؤلاء الأفراد، لا تكون قد تمت تأدية الالتزام بتوفير سبيل انتصاف فعال، وهو أمر أساسي بالنسبة لفعالية الفقرة 3 من المادة 2. وبالإضافة إلى اشتراط الجبر الصريح المنصوص عليه في الفقرة 5 من المادة 9، والفقرة 6 من المادة 14، تعتبر اللجنة أن العهد يتطلب عموماً دفع تعويض مناسب. وتلاحظ اللجنة أن الجبر يمكن أن يشمل، حيثما كان ذلك مناسباً، الردّ، وإعادة الاعتبار، وأشكال الترضية، مثل الاعتذارات العلنية، والاحتفالات التذكارية العلنية، وضمانات عدم التكرار، وإدخال تغييرات على القوانين والممارسات ذات الصلة، فضلاً عن إحالة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان إلى القضاء.
17- وعلى العموم، فإن غايات العهد سوف تُقوَّض بدون وجود الالتزام الذي يشكل جزءاً لا يتجزأ من المادة 2 والمتمثل في اتخاذ تدابير لمنع تكرر انتهاك العهد. وتبعاً لذلك، فإن من الممارسات المتكررة للجنة في الحالات التي تُعرَض عليها بموجب البروتوكول الاختياري أن تُضمِّن آراءها الحاجة إلى اتخاذ تدابير تتجاوز تلك المتصلة تحديداً بإتاحة سبل الانتصاف للضحايا، وذلك من أجل تجنب تكرر نوع الانتهاك الذي حدث. وهذه التدابير قد تتطلب إدخال تغييرات على قوانين الدولة الطرف أو ممارساتها.
18- وحيثما تكشف التحقيقات المشار إليها في الفقرة 15 عن حدوث انتهاكات لبعض الحقوق المشمولة بالعهد، يجب على الدول الأطراف أن تكفل إحالة أولئك المسؤولين عن تلك الانتهاكات إلى القضاء. وكما في حالات التخلف عن إجراء التحقيقات، فإن عدم إحالة مرتكبي الانتهاكات إلى القضاء يمكن أن يؤدي، في حد ذاته، إلى خرق مستقل للعهد. وهذه الالتزامات تنشأ بصفة خاصة في ما يتعلق بتلك الانتهاكات المعترف بأنها تشكل أفعالاً جنائية إما بموجب القانون المحلي أو القانون الدولي، مثل التعذيب وما يماثله من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (المادة 7)، والإعدام بإجراءات موجزة أو تعسفاً (المادة 6)، وحالات الاختفاء القسري (المادتان 7 و9، والمادة 6 في أحيان كثيرة). والواقع أن مشكلة إفلات مرتكبي هذه الانتهاكات من العقاب، وهي مسألة تثير قلقاً مستمراً لدى اللجنة، قد تشكل عنصراً هاماً يسهم في تكرر حدوث هذه الانتهاكات. وعندما ترُتكَب هذه الانتهاكات كجزء من اعتداء واسع النطاق أو منهجي على السكان المدنيين، فإنها تشكل جرائم ضد الإنسانية (انظر نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، المادة 7).
وتبعاً لذلك، وحيثما يرتكب الموظفون العموميون أو وكلاء الدولة انتهاكات للحقوق المشمولة بالعهد والمشار إليها في هذه الفقرة، لا يجوز للدول الأطراف أن تعفي مرتكبي هذه الانتهاكات من المسؤولية الشخصية مثلما حدث في بعض حالات العفو (انظر التعليق العام رقم 20(44)) والحصانات القانونية المسبقة. وعلاوة على ذلك، ليس هناك أي وضع رسمي يبرر اعتبار الأشخاص الذين قد يكونون متهمين بارتكاب مثل هذه الانتهاكات متمتعين بالحصانة من المسؤولية القانونية. كما ينبغي إزالة المعوقات الأخرى أمام تحديد المسؤولية القانونية، ومن هذه المعوقات الاحتجاج بإطاعة أوامر الرؤساء أو قِصَر مُدد التقادم في الحالات التي ينطبق فيها مبدأ التقادم. كما ينبغي للدول الأطراف أن تساعد بعضها البعض لكي يحال إلى القضاء أولئك الأشخاص الذين يُشتبَه بارتكابهم أفعالاً تشكل انتهاكاً للعهد وتستوجب العقوبة بمقتضى القانون المحلي أو الدولي.
19- وترى اللجنة كذلك بأن الحق في الاستفادة من سبيل انتصاف فعال قد يقتضي في بعض الظروف أن تتخذ الدول الأطراف وتنفذ تدابير مؤقتة لكي تتجنب استمرار الانتهاكات وتسعى لأن تجبر، في أقرب فرصة ممكنة، أي ضرر يمكن أن يكون قد نجم عن هذه الانتهاكات.
20- وحتى في الحالات التي تكون فيها النظم القانونية للدول الأطراف مزودة رسمياً بسبل انتصاف فعالة، فإن انتهاكات للعهد تحدث رغم ذلك. ومن المفترض أن يعزى هذا إلى عدم تطبيق سبل الانتصاف تطبيقاً فعالاً في الممارسة العملية. وتبعاً لذلك، يُطلَب إلى الدول الأطراف أن تقدم في تقاريرها الدورية معلومات عن العقبات التي تعترض استخدام سبل الانتصاف القائمة استخداماً فعالاً.
_______________________
- وثيقة الأمم المتحدة HRI/GEN/1/Rev.8، وقد اعتمد هذا التعليق في جلسة اللجنة رقم 2187 المعقودة في 29 آذار/مارس 2004.

العودة للصفحة الرئيسية