اللجنة المعنية بحقوق الإنسان
الدورة الحادية والعشرون (1984)
التعليق العام رقم 13
المادة 14

1- تلاحظ اللجنة أن المادة 14 من العهد ذات طبيعة معقدة، وان الجوانب المختلفة لأحكامها تحتاج إلى ملاحظات محددة. وجميع هذه الأحكام تهدف إلى تأمين إقامة العدالة على وجه صحيح وتنص، لهذه الغاية، على سلسلة من الحقوق الفردية كالمساواة أمام القضاء، وحق كل فرد في أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة وحيادية منشأة بحكم القانون. ولم تقدم كل التقارير تفاصيل عن الإجراءات التشريعية أو غيرها المعتمدة خصيصا لتنفيذ كل من أحكام المادة 14.
2- وعلى العموم، تغفل تقارير الدول الأطراف الإقرار بأن المادة 14 تنطبق لا على الإجراءات للفصل في التهم الجنائية الموجهة إلى الأفراد وحسب، وإنما أيضا على الإجراءات للفصل في حقوقهم والتزاماتهم في أية دعوى مدنية. وتتباين إلى حد كبير القوانين والممارسات التي تعالج هذه الأمور بتباين الدول. ونظرا لهذا التباين، تزداد الحاجة إلى أن تقدم الدول الأطراف جميع المعلومات ذات الصلة، وأن تشرح بمزيد من التفصيل كيف يتم تفسير مفهومي "التهمة الجنائية" و"الحقوق والالتزامات في أية دعوى مدنية" فيما يتصل بالنظم القانونية الخاصة بكل منها.
3- وترى اللجنة أن من المفيد أن تقدم الدول الأطراف، في تقاريرها المقبلة، معلومات أكثر تفصيلا عن الخطوات المتخذة للتأكد من أن المساواة أمام القضاء، بما فيها المساواة في الوصول إلى المحاكم، والنظر المنصف والعلني في القضية والاختصاص والحياد والاستقلال للمحاكم تنشأ بموجب القانون وتضمن عمليا. وعلى الخصوص، ينبغي للدول أن تحدد النصوص الدستورية والتشريعية ذات الصلة بالموضوع والتي تنص على إنشاء المحاكم وتؤمن استقلالها وحيادها واختصاصها، ولا سيما فيما يتعلق بالطريقة التي يتم بها تعيين القضاة، والمؤهلات المطلوبة لتعيينهم، ومدة ولايتهم، والشروط التي تنظم ترقيتهم ونقلهم وتوقف وظائفهم، والاستقلال الفعلي للسلطة القضائية عن السلطتين التنفيذية والتشريعية.
4- وتنطبق أحكام المادة 14 على جميع المحاكم في نطاق هذه المادة عادية كانت أو متخصصة. وتلاحظ اللجنة أنه توجد، في بلدان عديدة، محاكم عسكرية أو خاصة تحاكم المدنيين. وقد يثير ذلك مشاكل خطيرة فيما يتعلق بإقامة العدالة على نحو منصف وحيادي ومستقل. وغالبا ما يكون السبب في إنشاء مثل هذه المحاكم هو التمكن من تطبيق إجراءات استثنائية لا تتفق مع المعايير العادية للعدل. ومع أن العهد لا يحظر هذه الفئات من المحاكم، إلا أن الشروط التي ينص عليها تشير صراحة إلى أن محاكمة المدنيين من جانب مثل هذه المحاكم ينبغي أن تكون استثنائية جدا، وأن تجرى بشروط تسمح أساسا بتوافر جميع الضمانات المنصوص عليها في المادة 14. ولاحظت اللجنة النقص الخطير في المعلومات بهذا الشأن في تقارير بعض الدول الأطراف التي تتضمن مؤسساتها القضائية مثل هذه المحاكم لمحاكمة المدنيين. وفي بعض البلدان، لا توفر مثل هذه المحاكم العسكرية والخاصة الضمانات الصارمة لإقامة العدالة على وجه صحيح وفقا لمتطلبات المادة 14 التي هي متطلبات أساسية لتوفير حماية فعلية لحقوق الإنسان. وإذا قررت الدول الأطراف في حالات الطوارئ الاستثنائية المشار إليها في المادة 4 عدم التقيد بالإجراءات الاعتيادية المنصوص عليها في المادة 14، ينبغي أن تتأكد من أن حالات عدم التقيد هذه لا تتجاوز أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع الفعلي، وأن تتقيد بسائر الشروط الواردة في الفقرة 1 من المادة 14.
5- وتنص الجملة الثانية من الفقرة 1 من المادة 14 على أن "من حق كل فرد ... أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني". وتتوسع الفقرة 3 من المادة في بيان مقتضيات "النظر المنصف" فيما يتعلق بالفصل في التهم الجنائية. غير أن متطلبات الفقرة 3 هي ضمانات دنيا لا يكفي دائما التقيد بها لتأمين نظر منصف في القضية وفقا لما تنص عليه الفقرة 1.
6- إن علنية المحاكمات هي وسيلة وقائية هامة لمصلحة الفرد والمجتمع بأسره. وفي الوقت ذاته، تعترف الفقرة 1 من المادة 14 بأن للمحاكم سلطة منع الجمهور كليا أو جزئيا من حضور المحاكمة لأسباب واردة في الفقرة ذاتها، وتجدر الإشارة إلى أن اللجنة تعتبر أن المحاكمة، بخلاف مثل تلك الظروف الاستثنائية، يجب أن تكون مفتوحة للجمهور عامة، بمن فيه الأفراد التابعون للصحافة، ويجب ألا تكون، مثلا، محصورة فقط بفئة معينة من الأشخاص. وتجدر الإشارة إلى أنه حتى بالنسبة للقضايا التي يمنع فيها الجمهور من حضور المحاكمة يجب أن يكون الحكم علنيا، مع بعض الاستثناءات المحددة حصرا.
7- ولاحظت اللجنة نقصا في المعلومات المتعلقة بالفقرة 2 من المادة 14، بل لاحظت في بعض الحالات، أن قرينة البراءة، التي هي أساسية لحماية حقوق الإنسان، مصاغة بعبارات بالغة الغموض، أو أنها تنطوي على شروط تجعلها غير فعالة. فبسبب قرينة البراءة، يقع عبء إثبات التهمة على عاتق الادعاء ويجعل الشك لصالح المتهم. ولا يمكن افتراض الذنب إلا بعد إثبات التهمة بما لا يدع للشك المعقول مجالا. فضلا عن أن قرينة البراءة تنطوي على حق المعاملة وفقا لهذا المبدأ. لذلك، فان من واجب جميع السلطات العامة أن تمتنع عن الحكم بصورة مسبقة على نتيجة المحاكمة.
8- ومن بين الضمانات الدنيا في الإجراءات الجنائية المنصوص عليها في الفقرة 3، الضمانة الأولى التي تتعلق بحق كل متهم بجريمة في أن يتم إعلامه، في لغة يفهمها، بطبيعة التهمة الموجهة إليه (الفقرة الفرعية (أ)). وتلاحظ اللجنة أن تقارير الدول لا تشرح في الغالب كيف يتم مراعاة هذا الحق وتأمينه، وتنطبق المادة 14(3)(أ) على جميع حالات التهم الجنائية، بما فيها تلك الموجهة إلى أشخاص غير معتقلين. وتلاحظ اللجنة كذلك أن حق المتهم بجريمة في أن يتم إعلامه بالتهمة "سريعا" يتطلب أن تعطي المعلومات بالطريقة الموصوفة فور توجيه التهمة من جانب سلطة ذات صلاحية. وفي رأي اللجنة أن هذا الحق يجب أن ينشأ عندما تقرر إحدى المحاكم أو إحدى سلطات الادعاء العام، أثناء التحقيق، أن تتخذ إجراءات ضد شخص مشتبه به بأنه ارتكب جريمة أو تسميه علنا بأنه مشتبه به. ويمكن الإيفاء بالمتطلبات المحددة في الفقرة الفرعية (3)(أ) عن طريق إعلان التهمة شفهيا أو خطيا، على أن تشير المعلومات إلى القانون وإلى الأفعال المدعى بها التي ترتكز عليها التهمة.
9- وتنص الفقرة الفرعية 3(ب) على أن يعطى المتهم من الوقت ومن التسهيلات ما يكفيه لإعداد دفاعه وللاتصال بمحام يختاره بنفسه. إن "الوقت الكافي" يتوقف على ظروف كل قضية، لكن التسهيلات يجب أن تشمل الوصول إلى الوثائق وغيرها من الإثباتات التي يطلبها المتهم لإعداد دفاعه، وكذلك فرصة تعيين محام والاتصال به. وعندما لا يريد المتهم أن يدافع عن نفسه شخصيا أو يطلب شخصا أو جمعية يختارهما هو، يجب أن يتمكن من اللجوء إلى محام. وبالإضافة إلى ذلك، تنص هذه الفقرة الفرعية على أن يتصل المحامي بالمتهم في شروط تضمن التقيد الكامل بسرية اتصالاتهما. وينبغي أن يكون بإمكان المحامين أن يقدموا المشورة إلى موكليهم وأن يمثلوهم وفقا لمعاييرهم وأفكارهم المهنية الثابتة دون أية قيود أو تأثيرات أو ضغوط أو تدخلات لا مبرر لها من أي جهة.
10- وتنص الفقرة الفرعية 3(ج) على أن يحاكم المتهم دون تأخير لا مبرر له. وتتعلق هذه الضمانة لا بالتاريخ الذي ينبغي أن تبدأ فيه المحاكمة وحسب، وإنما أيضا بالتاريخ الذي ينبغي أن تنتهي فيه هذه المحاكمة وأن يصدر فيه الحكم. فيجب أن تتم جميع المراحل "دون تأخير لا مبرر له". وبغية جعل هذا الحق فعليا، يجب أن تتوافر إجراءات لضمان أن المحاكمة سوف تسير "دون تأخير لا مبرر له"، في الدرجة الأولى والاستئناف على حد سواء.
11- لم تعالج جميع التقارير كافة جوانب حق الدفاع، كما حددته الفقرة الفرعية 3 (د). فاللجنة لم تتلق دائما معلومات كافية تتعلق بحماية حق المتهم في أن يكون حاضرا أثناء الفصل في أية تهمة موجهة إليه، أو بكيفية ضمان النظام القانوني لحقه سواء في الدفاع عن نفسه شخصيا أو بواسطة محام من اختياره، أو بماهية الترتيبات التي تتخذ إذا كان الشخص لا يملك الوسائل الكافية لدفع أجر المعونة القضائية. ويجب أن يكون للمتهم أو لمحاميه حق العمل بعناية ودون خوف على استخدام جميع وسائل الدفاع المتاحة، وحق الاعتراض على سير القضية إذا كانا يعتقدان بأنه غير منصف. وعندما تجرى المحاكمات غيابيا، بصورة استثنائية ولأسباب مبررة، يصبح التقيد الدقيق بحقوق الدفاع أكثر ضرورة.
12- وتنص الفقرة الفرعية 3(ه‍) على انه يحق للمتهم أن يناقش شهود الاتهام بنفسه أو من قبل غيره، وأن يحصل على الموافقة على استدعاء شهود النفي واستجوابهم بذات الشروط المطبقة في حالة شهود الاتهام. وهذا الحكم وضع لكي يضمن للمتهم ذات السلطات القانونية لإلزام الشهود على الحضور ولإجراء الاستجواب أو الاستجواب المضاد لأي شهود كما هي الحال بالنسبة للسلطات المتاحة للادعاء العام.
13- وتنص الفقرة الفرعية 3(و) على أنه في حالة عدم تمكن المتهم من التكلم أو فهم اللغة المستخدمة في المحكمة فان له الحق في مساعدة مجانية من مترجم. وهذا الحق مستقل عن نتيجة المحاكمة وينطبق على الأجانب وكذلك على رعايا البلد. وإنه ذو أهمية أساسية في القضايا التي يكون فيها جهل اللغة التي تستخدمها المحكمة أو الصعوبة في فهمها عائقا رئيسيا في وجه حق الدفاع.
14- وتنص الفقرة الفرعية 3(ز) على ألا يكره المتهم على الشهادة ضد نفسه أو على الاعتراف بذنب. ولدى النظر في هذا التدبير الوقائي، ينبغي عدم إغفال أحكام المادة 7 والفقرة 1 من المادة 10. فبغية إكراه المتهم على الاعتراف أو على الشهادة ضد نفسه، غالبا ما تستخدم طرق تنتهك هذه الأحكام. وينبغي أن ينص القانون على أن الإثباتات الموفرة بواسطة مثل هذه الطرق أو بأي شكل آخر من أشكال الإكراه غير المقبولة البتة.
15- وبغية الحفاظ على حقوق المتهم بموجب الفقرتين 1 و3 من المادة 14، ينبغي أن يكون للقضاة سلطة النظر في أي ادعاءات بانتهاكات حقوق المتهم أثناء أية مرحلة من مراحل المحاكمة.
16- وتنص الفقرة 4 من المادة 14 على أن الإجراءات المطبقة على الأحداث تأخذ في الاعتبار أعمارهم وضرورة العمل على إعادة تأهيلهم. ولم تقدم تقارير عديدة معلومات كافية تتعلق بمسائل ذات صلة كالسن الدنيا التي يمكن فيها اتهام حدث بجريمة، والسن القصوى التي لا يزال الشخص يعتبر فيها حدثا، ووجود محاكم وإجراءات خاصة، والقوانين الناظمة للإجراءات ضد الأحداث، وكيف تراعي جميع هذه الترتيبات الخاصة للأحداث، "ضرورة العمل على إعادة تأهيلهم". وينبغي أن يتمتع الأحداث، على الأقل، بذات الضمانات والحماية الممنوحة للراشدين بموجب المادة 14.
17- وتنص الفقرة 5 من المادة 14 على أن لكل شخص أدين بجريمة حق اللجوء، وفقا للقانون، إلى محكمة أعلى كيما تعيد النظر في قرار إدانته وفي العقاب الذي حكم به عليه. ويلفت الانتباه بنوع خاص إلى ترجمة كلمة "جريمة" (Crime) الواردة في اللغات الأخرى ("infraction", "delito", "prestuplenie")، مما يدل على أن الضمانة لا تنحصر فقط بالجرائم الأكثر جسامة. وفي هذا السياق، لم تقدم معلومات كافية بشأن إجراءات الاستئناف، وخاصة الوصول إلى محاكم المراجعة وسلطات هذه المحاكم، وما هي الشروط الواجب توافرها للاستئناف ضد حكم صادر، والطريقة التي تراعي بها إجراءات محاكم المراجعة متطلبات النظر المنصف والعلني الواردة في الفقرة 1 من المادة 14.
18- وتنص الفقرة 6 من المادة 14 على التعويض، وفقا للقانون، في بعض حالات وقوع خطأ قضائي موصوفة في المادة المذكورة، ويتبين من تقارير دول عديدة أن هذا الحق غالبا ما لا يراعى أو لا يضمن بشكل كاف في التشريع المحلي. وينبغي للدول، عند الاقتضاء، أن تكمل تشريعاتها في هذا المجال بغية جعلها متسقة مع أحكام العهد.
19- ولدى النظر في تقارير الدول، غالبا ما تم الإعراب عن آراء متباينة فيما يتعلق بمدى الفقرة 7 من المادة 14. وقد رأت بعض الدول الأطراف ضرورة إبداء تحفظات فيما يتصل بإجراءات استئناف سير القضايا الجنائية. ويبدو للجنة أن معظم الدول الأطراف تفرق تفريقا واضحا بين استئناف سير المحاكمة المبرر بظروف استثنائية، وإعادة المحاكمة المحظورة عملا بمبدأ عدم جواز المحاكمة على ذات الجرم مرتين (non bis in idem) الوارد في الفقرة 7. وفهم معنى مبدأ non bis in idem على هذا النحو قد يشجع الدول الأطراف على إعادة النظر في تحفظاتها على الفقرة 7 من المادة 14.

ـــــــــــــــــــ
* وثيقة الأمم المتحدة HRI\GEN\1\Rev.1.

العودة للصفحة الرئيسية