الأوراق الفيدرالية

ورقة رقم: 82
الكسندر هاملتون
Alexander Hamilton
28 مايو، 1788


إلى أهالي ولاية نيويورك:
إن إنشاء حكومة جديدة، مهما كان قدر الحرص والحكمة اللذين يميزان ذلك العمل، لن يعدم إثارة أسئلة تتسم بالدقة واللطف؛ يُنتظر منها أن تنشأ بصورة خاصة، من وضع دستور يقوم على أساس الدمج الكلي أو الجزئي لعدد من السيادات المتميزة. إن الوقت وحده هو الذي ينضج مثل هذا النظام المركب، ويوصله إلى درجة الكمال، بمقدوره أن يحدد معنى كل من أجزائه، وأن يعدل فيها وما بينها فيجعلها "كلاً واحداً متجانساً ومنسجماً".
لقد برزت مثل هذه الأسئلة تبعاً لذلك، حول الخطة التي اقترحها المؤتمر، وبخاصة ما يتعلق منها بالدائرة القضائية. وتحترم الأسئلة الرئيسة منها وضع محاكم الولايات فيما يتعلق بالخلافات التي سيتم رفعها إلى القضاء الفدرالي. هل سيكون ذلك شاملاً، أو سيكون لتلك المحاكم قضاء يتفق مع القضاء الفدرالي؟ إذا كان الوضع هو الاتفاق فما هي العلاقة التي ستقوم بين محاكم الولايات والمحاكم الوطنية؟ هذه تساؤلات نلقاها في أفواه العقلاء، وهي تساؤلات جديرة بالانتباه إليها والاهتمام بها على التأكيد.
تعلّمنا المبادئ التي تم ترسيخها في الورقة السابقة أن الولايات سوف تحتفظ بجميع سلطاتها القائمة حالياً والتي لا يجوز تفويضها بصورة كاملة إلى رأس الاتحاد الفدرالي؛ كما تعلّمنا أن التفويض الشامل إنما يحصل فقط في إحدى حالات ثلاث: حيث تكون الصلاحية الشاملة واردةً بنص صريح على أنها ممنوحة للاتحاد؛ أو حيث يتم منح صلاحية معينة إلى الاتحاد ومنع الولاية من أن تمارس صلاحية مثيلة لها؛ أو حيث تمنح صلاحية ما إلى الاتحاد بحيث يغدو وجود صلاحية مماثلة لها لدى الولايات شيئاً غير مقبول على الإطلاق. ومع أن هذه المبادئ قد لا تنطبق بالقدر نفسه على السلطة القضائية كما تنطبق على السلطة التشريعية، فإنني أميل إلى الاعتقاد بأنها، في الأغلب، مبادئ عادلة بالنسبة إلى السلطة القضائية كما هي بالنسبة إلى السلطة التشريعية. وخضوعاً لهذا الانطباع سوف أضع من عندي قاعدة مفادها أن تحتفظ محاكم الولايات بالقضاء الذي تتمتع به الآن، ما لم يظهر أنه تم تجريدها منه في إحدى الفئات التي سبق تعدادها.
إن الشيء الوحيد في الدستور المقترح الذي يأخذ مظهر حصر الخلافات التي تتطلب الإطلاع الفدرالي على أمور المحاكم، تشتمله الفقرة التالية: "تستقر السلطة القضائية في الولايات المتحدة في محكمة عليا واحدة وفي محاكم أدنى يأمر بتشكيلها الكونغرس من وقت لآخر ويقوم بتأسيسها". ويجوز أن تفهم العبارة على أنها تبين أن المحكمة العليا والمحاكم الفرعية في الولايات المتحدة لها وحدها سلطة فض الخلافات التي تشملها صلاحياتها؛ أو على أنها تشير، بكل بساطة، إلى أن جهاز القضاء الوطني يجب أن يكون محكمة عليا واحدة مع عدد من المحاكم الفرعية التي يجد الكونغرس من المناسب تعيينها؛ وبكلمات أخرى، أن على الولايات المتحدة أن تمارس السلطة القضائية المخّولة لها، من خلال محكمة عليا واحدة، وعدد معين من محاكم أدنى تؤسسها تلك الولايات فالتفسير الأول يستبعد، القضاء المنسجم مع محاكم الولايات فيما التفسير الأخير يقبل ذلك. ولما كان التفسير الأول يبلغ حد إلغاء سلطة الولاية ضمناً، فإن التفسير الأخير يظهر لي بصفته الأقرب إلى التركيب الطبيعي الذي يمكن الدفاع عنه أكثر من غيره.
إلا أن قاعدة القضاء "المتوافق لا تنطبق بصورة واضحة إلا على تلك الفئات من الخلافات التي يسبق لمحكم الولايات أن اطلعت عليها وليس الأمر واضحاً بنفس القدر بخصوص القضايا التي قد تنشأ من، وتكون غريبة عن، الدستور الذي سيتم وضعه وإقراره؛ لأن عدم السماح لمحاكم الولايات بحق النظر في قضايا من هذا النوع أمر يُعتبر تضييقا للصلاحيات الموجودة من قبل. ولست أعني بذلك أن أجادل في أن الولايات أثناء تشريعها بخصوص الأهداف الموكول إليها توجيهها لا يجوز أن تعهد بفض الخلافات التي تنشأ من إحدى التعليمات المعينة إلى المحاكم الفدرالية وحدها، إذا ما رؤي أن مثل ذلك الإجراء طارئ تقتضيه الحال؛ كلا، وإنما أعني أن محاكم الولايات لن تجرد من أي قسم من القضاء البدائي لديها أكثر مما يجوز أن يرتبط بالإستئناف. بل أنا من أصحاب الرأي القائل في كل قضية لا يتم استبعاد تلك المحاكم صراحة منها بموجب تشريعات في المستقبل فإنه سيتم إطلاع تلك المحاكم على الخلافات التي قد تتمخض عنها تلك التشريعات. وأنا أستنتج ذلك من طبيعة السلطة القضائية، ومن الإبداع العام لدى ذلك النظام. إن السلطة القضائية في كل نمط من أنماط الحكم تنظر إلي أبعد من قوانينها المحلية، بل إنها في حال القضايا المدنية تتولى جميع موضوعات التقاضي ما بين الأطراف ضمن قضائها، مع أن أسباب الخلاف ربما تعلقت بقوانين أقصى رقعة في الكرة الأرضية. فالسلطة القضائية التي في اليابان لا أقل من نظيرتها في نيويورك، قد توفر موضوعات للبحث القانوني عند محاكمنا نحن. ونحن نعتبر، إضافة إلى ذلك، أن حكومات الولايات وحكومات الدول، كما هي فعلاً، ذات قرابة في الأنظمة، بصفة أنظمتها (أجزاء) من (كل واحد)، فإن الاستنتاج النهائي من ذلك هو أن محاكم الولايات سوف تتوافق قضائياً في جميع القضايا التي تقام ضمن قوانين الاتحاد حيث لا يرد نص صريح على منع ذلك.
هنا أيضاً تبرز مسائل أخرى: فما هي العلاقة التي ستقوم بين محاكم الولايات والمحاكم الوطنية في تلك الأمثلة على القضاء المتوافق؟ أنا أجيب أن حق الاستئناف يجب أن يحصل على التأكيد من محاكم الولايات إلى المحكمة العليا في الولايات المتحدة. فالدستور يورد عبارات مباشرة حين يعطي المحكمة العليا حق قبول الاستئناف في جميع القضايا التي عددنا حق إطّلاع القضاء الفدرالي عليها، والتي لم يتلق دعوى أصيلة فيها، دون أية إشارة صريحة لقصر عمله (القضاء) على المحاكم الفدرالية الدنيا. إن موضوعات الاستئناف، لا المحاكم التي تقوم برفعه، هي وحدها التي يتم النظر فيها. من هذه الملابسة، وبفعل سبب الاستئناف نفسه، يتوجب أن يفهم المرء أن ذلك يمتد إلى محاكم الولايات. فإما أن تكون هذه هي الحال أو تكون المحاكم المحلية مستبعدة من القضاء المتوافق في الأمور التي تهم البلاد ككل، وإلا فإن السلطة القضائية في الاتحاد تغدو متاحة لأن يطلبها كل صاحب دعوى وكل مدّعي عليه – على هواه. إن أياً من هذه المترتبات، دون حاجة ماسة واضحة إلى ذلك، لا يجب أن تمس؛ فالمساس بها سيكون شيئاً لا يجوز السماح به، لأنه يلغي بعض الأهداف المهمة التي تم الحلف عليها من قبل الحكومة المقترحة، كما يُربك قوانينها بصورة أساسية. ولست أتصور أي أساس لافتراض شيء من ذلك. وعطفاً على الملاحظة التي ذكرتها سابقاً، فإن النظم الوطنية والأخرى الخاصة بالولايات يجب أن تعتبر "كلاً واحداً". فمحاكم الولايات بطبيعة الحال، ستكون عوناً طبيعياً لتنفيذ قوانين الاتحاد، والاستئناف من أحكامها سيعود بالطبع إلى تلك المحكمة المقدر لها أن توحّد وتمثل مبادئ العدل في البلاد وقواعد الأحكام الوطنية فيها. إن الهدف الواضح لخطة المؤتمر، هو أن تجد جميع الخلافات، من أية فئة كانت، ولأسباب عامة بالغة الأهمية، حكماً أولياً، أو نهائياً، في محاكم الاتحاد. ومن ثم فإن قصر حدود العبارات التي تتيح حق الاستئناف من المحاكم الفدرالية الدنيا إلى المحكمة العليا، بدلاً من السماح بذلك إلى محاكم الولايات – سيكون تضييقاً لمدلول الألفاظ، بتوسيع شمولها، خلافاً للمقصود منها، وبعكس أي قاعدة سليمة في التفسير.
ولكن، هل سيكون بالمستطاع أن يرفع استئناف من محاكم الولايات إلى القضاء الفدرالي الفرعي؟ هذا أحد الأسئلة التي أثيرت، وهو أصعب من سابقه. والاعتبارات التالية تشير إلى الإيجاب. فخطة المؤتمر، في المقام الأول، تمنح التشريع الوطني سلطة أن "يشكل محاكم أدنى من المحكمة العليا". كما تعلن في المقام الثاني أن "السلطة القضائية في الولايات المتحدة سوف تستقر في محكمة عليا واحدة وفي محاكم أدنى يقرر الكونغرس إنشاءها"؛ ثم تمضي إلى تعداد القضايا التي سوف تمتد إليها تلك السلطة القضائية. وبعد ذلك تقسم القضاء لدى المحكمة العليا إلى قضاء أولي (بداية) وقضاء استئنافي، لكنها لا تقدم تعريفاً يحدّ ذلك في المحاكم الفرعية. إن الخطوط العريضة الوحيدة التي تصف تلك المحاكم هي أنها "ستكون أدنى مرتبة من المحكمة العليا"، وأنه لا يحق لها أن تتجاوز الحدود المخصصة للقضاء الفدرالي، أما إذا كانت سلطة تلك المحاكم أولية أو استئنافية، أو كليهما، فلا يرد عن ذلك شيء. ويبدو أن كل هذا قد ترك إلى حسن تقدير المجلس التشريعي. وما دام الأمر كذلك فأنا أتصور في الوقت الحاضر، أنه لا مانع من قيام استئناف من محاكم الولايات إلى المحاكم الفرعية الوطنية؛ ويمكن تصور حسنات كثيرة تترافق مع إمكان فعل ذلك، فمن شأنه أن يُنقص ما يدعو إلى مضاعفة عدد المحاكم الفدرالية كما يتيح القيام بترتيبات يقصد منها أن تضيّق حق رفع الاستئناف إلى المحكمة العليا. من ثم، يستطاع ترك محاكم الولايات تقوم بقدر أكبر من نظر الخلافات الفدرالية، وطلبات الاستئناف، في معظم القضايا التي يُقدر أنها تناسبها، وبدلاً من رفع تلك القضايا إلى المحكمة العليا يجوز أن ترفع إلى محاكم الولايات أو محاكم المقاطعات في الاتحاد.
بوبليوس

_______________________
- الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 582-586.

العودة للصفحة الرئيسية