الأوراق الفيدرالية

ورقة رقم: 68
الكسندر هاملتون
Alexander Hamilton
12 مارس، 1788


إلى أهالي ولاية نيويورك:
إن طريقة تعيين رئيس الولايات المتحدة هي تقريباً القسم المهم من النظام، والوحيد الذي نجا من النقد اللاذع أو لقي بعض الموافقة عليه لدى الخصوم. فلقد وافق الأشخاص الأعلى صخباً في منشوراتهم، تواضعاً منهم، على أن انتخاب الرئيس أمر حسنت حراسته. ودعني أغامر إلى أبعد من ذلك، فلا أتردد في الجزم بالقول: لو لم تكن طريقة الانتخاب كاملة لكانت ممتازة على الأقل، فهي تجمع وبدرجة فائقة جميع حسنات الاتحاد التي كان مرغوباً فيها.
كان مرغوباً مثلاً أن يفعل حسّ الجماهير فعله في اختيار الفرد الذي يجوز إيلاء هذه العهدة إليه. وهذه غاية يتم الوفاء بها عن طريق إلزام القيام بها، لا إلى مجلس سبق أن تأسس، بل إلى أشخاص يختارهم الشعب خصيصاً لهذا الغرض، وعند بلوغ ذلك التقاطع على الخصوص.
كذلك كان الشعب راغباً بالقدر نفسه في أن يقوم بالانتخاب المباشر أشخاص هم الأقدر على تحليل الصفات المعدلة لخدمة هذا المنصب يعملون في ظروف تيسر لهم المداولة والجمع قضائياً بين جميع الأسباب والاستنتاجات المناسبة لأن تتحكم في اختيارهم. إن نفراً قليلاً من الأشخاص، يتم اختيارهم من قبل زملائهم المواطنين من بين جمهرة الشعب ربما يمتلكون المعلومات والتمييز المطلوب لمثل هذا التحري المعقد.
وكان مرغوباً فيه بدوره أيضاً أن تعطى أقل فرصة ممكنة للضجيج والفوضى.
ولم يكن هذا الشر أقل ما يجب أن يُخشى عند انتخاب موظف يقدّر له أن يتسلم عهدة مثل هذه في إدارة الحكم بصفته رئيساً للولايات المتحدة. ولكن الاحتياطات التي تم تنسيقها بنجاح في النظام المطروح للبحث تعد بضمان فعال ضد هذا الشر. ذلك أن اختيار عدة أفراد لكي يشكلوا مجلساً مباشراً من الناخبين سيكون أقل قابلية لأن يرجّ المجتمع ويخلق أي حركات شاذة أو عنيفة من اختيار رجل واحد يغدو هو نفسه الهدف النهائي لرغبات المواطنين. ولما كان على الناخبين، الذين يتم اختيارهم في كل ولاية أن يجتمعوا ويصوتوا في الولاية التي اختارتهم، فإن ذلك الموقف المنقسم والمنفصل المشار إليه – سوف يعرضهم بدرجة أقل للفورات والخمائر التي يجوز أن يوصلوها إلى الشعب مما لو اجتمعوا في وقت واحد ومكان واحد.
ما كان هنالك شيء مرغوباً فيه أكثر من أن كل عقبة تعترض لا بد أن تواجهها مؤامرة ومكيدة وفساد. هذه هي الأعداء الأشد خصومة للحكم الجمهوري، وكان متوقعاً لها أن تزحف من أكثر من زاوية، وبصورة أساسية من رغبة الدول الأجنبية لأن تكسب سلماً غير مناسب تتخذه في مجالسنا. فهل هناك أفضل لصالحهم من أن يشعروا بابتهاج أعظم من تربية مخلوق يكون عميلاً لهم ورفعه إلى أعلى منصب في الاتحاد؟ غير أن المؤتمر كان قد احترس ضد كل خطر من هذا النوع بأعظم انتباه قضائي واشتراطي ممكن. فلم يجعلوا تعيين الرئيس يعتمد على أية مجالس قائمة تتشكل من رجال يمكن تليينهم لتعهير أصواتهم؛ بل أحالوا أمر الاختيار أول الأمر إلى عمل مباشر يفعله شعب أمريكا، على صورة اختيار أفراد لغرض مؤقت ووحيد هو القيام بذلك التعيين، كذلك استبعد أعضاء المؤتمر من حق الأهلية لتسلّم هذه الأمانة جميع أولئك الذين يمكن الارتياب فيهم، بحكم مواقعهم، لأن يبدوا ولاءً مكرساً للرئيس القائم. لا شيخ، ولا ممثل في أي مجلس ولا أي شخص يمثل منصباً مرموقاً أو منفعة من وظيفة رسمية في الولايات المتحدة يستطيع أن يكون واحداً من أولئك الناخبين. وهكذا وبدون إفساد مجلس الشعب فإن الوكلاء المباشرين في الانتخاب يباشرون مهمة الاختيار أحراراً من أي تحيز شرير. إن وجودهم العرضي ووضعهم المنفصل اللذين نوّهنا إليهما يقدمان توقعاً مقنعاً لاستمرارهم في الأمر حتى نهايته. ذلك أن نشر الفساد حتى يضم عدداً كبيراً من الأشخاص يحتاج وقتاً، كما يتطلب وسيلة لذلك. ولن يكون من السهل إطلاقاً تجميعهم وهم منتشرون في ثلاث عشرة ولاية، في أي تجمعات أساسها دوافع، يعسر على المرء أن يعتبرها دوافع فاسدة، إلا أنها ذات طبيعة قد تضللهم وتحرفهم عن واجبهم.
والمطلوب الآخر الذي لا يقل أهمية عما سبق، هو أن الرئيس يجب أن يظل مستقلاً من حيث استمراره في الوظيفة عن كل شيء ما عدا الموظفين أنفسهم. ولولا ذلك لأمكن إغراؤه كي يضحّي بواجبه مرضاةً لأولئك الذين يجد مراعاتهم ضرورية لدوام بقائه في المنصب. إذ يتم ضمان هذا الامتياز عن طريق جعل إعادة انتخابه تعتمد على هيئة خاصة من الممثلين يفوضهم المجتمع لهذا الغرض الوحيد... ألا وهو القيام بمهمة الاختيار هذه.
كل هذه الامتيازات سوف تتضافر في الخطة التي وضعها المؤتمر، وهي: "أن الشعب في كل ولاية سوف يختار عدداً من الأشخاص كناخبين، عددهم يساوي عدد الشيوخ والممثلين لتلك الولاية في الحكومة الوطنية، فيجتمعون داخل حدود الولاية، ويصوتون لشخص يرونه مناسباً لأن يكون رئيساً للبلاد. وبعد أن يدلوا بأصواتهم تنقل تلك الأصوات إلى مقر الحكومة الوطنية، وهناك يغدو الشخص الذي ينال أكثرية عدد الأصوات الكلي رئيساً. ولكن وحيث إن أكثرية الأصوات قد لا تتركز دائما على شخص واحد، ولما قد يكون غير مأمون السماح بأقل من الأكثرية الحاسمة، فقد اشترطت الخطة أنه في حال مثل هذا الإشكال، يقوم مجلس الممثلين بانتقاء واحد من بين المرشحين الذين نالوا أعلى الأصوات، واحداً يرون أنه الأفضل تأهيلاً لاحتلال المنصب.
إن هذه العملية في الانتخاب توفر تأكيداً أدبياً بأنه يندر أن تقع وظيفة الرئيس من نصيب رجل لا يتمتع إلى درجة فائقة بالمؤهلات المطلوبة. إن مواهب حبك المكائد الرخيصة والحيل التافهة لكسب الشعبية قد لا تكفي وحدها لرفع شخص ما إلى مراتب الشرف العليا في دائرة بمفردها، لكنها سوف تحتاج قدرات أخرى ونوعاً مختلفاً من الأهلية لتجعله في موضع التقدير والثقة لدى الاتحاد كله أو لدى جزء معتبر منه يكفي لأن يجعله مرشحاً ناجحاً للمنصب المتميز، منصب رئيس الولايات المتحدة. ولا أظنني أتجاوز الحقيقة حين أقول: نعم، سيظل هناك احتمال على الدوام لرؤية المركز تشغله شخصيات بارزة ومعروفة بقدرتها ونزاهتها. وسيظن الجميع أن هذا ليس تزكية جليلة القدر للدستور، من جانب من يستطيعون تقدير النصيب الذي يجب أن يتمتع به الرئيس في كل حكومة، سواء كانت ذات إدارة جيدة أو سيئة. ومع أننا لا نستطيع الملاينة مع التجديف السياسي من الشاعر الذي يقول:
"دع الحمقى يختصمون في أمر أشكال الحكم، إن الحكم الذي يدار بصورة أفضل هو الأفضل بالفعل"
ومع هذا فإننا نستطيع بكل اطمئنان أن نصرّح أن المحك الحقيقي للحكم الجيد هو استعداده واتجاهه لأن يُنتج إدارة جيدة.
أما نائب الرئيس فيتم انتخابه بالطريقة نفسها، مع الرئيس أيضاً، لكن مع هذا الفارق: وهو أن على مجلس الشيوخ، في حال نائب الرئيس، أن يفعل ما يجب أن يفعله مجلس الممثلين بخصوص الرئيس. والواقع أن تعيين شخص غير عادي في منصب نائب رئيس أمر تم الاعتراض عليه بصفته نوعاً من الفضول، إن لم يكن مؤذياً. فقد زعم المعترضون على ذلك أنه كان الأفضل لو خوّل مجلس الشيوخ أن يختار واحداً من أعضائه شخصاً يلبي تلك المواصفة المطلوبة. ولكن اعتبارين اثنين يبدو أنهما يبرران أفكار أعضاء المؤتمر في هذا الجانب. الأول هو أنه: كي نضمن في جميع الأوقات إمكان وصول المجلس إلى قرار حاسم حول هذا الأمر يغدو من الضروري ألاّ يتمتع الرئيس بأكثر من صوت واحد في الانتخاب. وأخذ أي عضو من مجلس الشيوخ أي ولاية من مقعده كشيخ فيها، ووضعه كرئيس لمجلس الشيوخ معناه، بالنسبة إلى الولاية التي جاء منها، استبدال صوت انتخابي ثابت بصوت مؤقت. ذاك الاعتبار الأول. والاعتبار الثاني هو أنه: لما كان نائب الرئيس قد يغدو هو الرئيس في ظرف ما ويحتل منصب القاضي التنفيذي الأعلى، فإن جميع الأسباب التي تزكي طريقة الاختيار الموصوفة لواحد منها تصح بقدر كبير، إن لم تصح بقوة مساوية، في حال الطريقة التي يتم بها تعيين الآخر. والملحوظ أننا في هذا، كما في معظم الأمثلة الأخرى، نجد الاعتراض الموجه هنا يصح توجيهه ضد دستور هذه الولاية. فنحن في ولاية نيويورك، لدينا وكيل حاكم يختاره الشعب كله ويقوم برئاسة مجلس الشيوخ، كما أنه البديل الدستوري عن الحاكم، في حالات طارئة شبيهة بتلك التي تخول نائب الرئيس أن يمارس صلاحيات الرئيس ويقوم بمهمات الرئيس أيضاً.
بوبليوس

_______________________
- الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 487-491.

العودة للصفحة الرئيسية