الأوراق الفيدرالية

ورقة رقم: 67
الكسندر هاملتون
Alexander Hamilton
11 مارس، 1788


إلى أهالي ولاية نيويورك:
إن تشكيل الدائرة التنفيذية في الحكومة المقترحة يستدعي اهتمامنا التالي:
لا يكاد المرء يجد جزءاً من النظام جابهته صعوبة عظيمة في الترتيب أكثر من هذا الجزء؛ بل لربما ليس هناك جزء تم التنديد به أو ووجه بالنقد برحمة أقل.
هنا يبدو أن الذين كتبوا ضد الدستور قد جهدوا ولاقوا كل عناء بغية إبراز مواهبهم في تشويه الحقائق. لقد حسبوا حساب نفور الشعب من النظام الملكي، فسعوا لتجميع كل أحقادهم ومخاوفهم ووضعها في وجه الرئيس المرتقب للولايات المتحدة؛ لا بصفته مجرد جنين لم يتم تخليقه، وإنما بصفته نتاجاً تام التكوين من ذلك الأب الملكي الكريه. ومن أجل تثبيت ودّ مزعوم لم يترددوا أن يستقوا أصول كتاباتهم حتى من ممالك الخيال. فنحن نجد صلاحيات قاض تكون أحياناً أوسع من حقوق ملك. لقد تم تزويق الرئيس بصفات أرفع قدراً وأعظم روعةً من نظيراتها لماك بريطانيا العظمى. كما أظهروه لنا ذا تاج يتلألأ على جبينه، وفي حلة من الأرجوان الإمبراطوري يجرجرها خلف عقبيه. لقد أجلسوه فوق عرش يحف به التابعون والمحظيات وهو يصغي إلى مبعوثي الأمراء الأجانب في جميع أبهة الجلال الحقير. إن صور الطغيان الآسيوي والتبذل الشهواني المفرط بالكاد أنها غائبة لتتويج ذلك المشهد المبالغ فيه. وقد بلغ الأمر بهم إلى أن جعلونا نرتجف من المناظر المفزعة للانكشارية القتلة ونخجل من الأسرار غير المحجوبة لطائفة الخنّاقين.
إن محاولات مفرطة في المبالغة مثل هذه لتشويه صورة الشيء بل بالأحرى، لمسخه – تستلزم منا أن نلقي عليه نظرة دقيقة، على طبيعته الحقيقية وشكله الحقيقي أيضاً؛ للتأكد من جانبه الصحيح ومظهره الأصلي، كيما نميط الحجاب عن التزييف ونعرض مغالطة التشبيهات المزورة التي تمت الدعاية لها بكل قوة، وبكل جد دؤوب.
وللقيام بهذه المهمة ليس هناك امرؤ لن يجده جهداً مضنياً، أن ينظر باعتدال أو أن يعامل بجدية، تلك المكائد، التي لا يقل وهنها وخبثها عن تلك التي حيكت لقلب الرأي العام بخصوص هذا الموضوع، إن تلك المكائد والحيل تفوق الرخص العادية، غير المبررة، للتلفيقات الحزبية، تلك التلفيقات التي تدفع مشاعر الحزب حتى حين يكون ميالاً – بقدر كبير من الود والتسامح لأن يؤيد تصرفاً مقبولاً لدى خصومه السياسيين – أن يرتضي عوضاً عنها مذلة تطوعية ومهانة لا تقف عند حد. ومن المستحيل ألاّ نخلع صفة الوضع المقحم المدروس والخداع على الادعاء الفظيع بوجود شبه بين ملك بريطانيا العظمى وبين قاض له شخصية محددة المعالم كرئيس الولايات المتحدة. وأكثر من ذلك استحالةً أن نمسك ذلك الإقحام ونصدّه عن الذرائع الطائشة والسافرة التي تم استخدامها لإنجاح ذلك الإقحام الذي تمت محاولته.
وفي مثال واحد أورده كعينة على الروح العامة، اندفعت الوقاحة قدماً إلى حد أن نسبت لرئيس الولايات المتحدة سلطة يوقن أصحاب المكائد المذكورة أنها مخصصة صراحةً لرؤساء الولايات. وأعني سلطة ملء الشواغر الطارئة في مقاعد مجلس الشيوخ.
إن هذه التجربة المتجرئة على قدرة التمييز لدى الأمريكيين قد خاطر بها كاتب، (مهما كانت كفاءته الحقيقية) ما عهدنا له أي إسهام تافه في صخب حزبه، لكنه اعتماداً على رأيه الخاطئ وعديم الأساس بنى مجموعة من الملاحظات التي تعدله في خطئها، وعدم وجود أرضية لها. دعه الآن تجبهه حجة الواقع الحقيقي، بل دعه إن استطاع، يبرر أو يفثأ هياجه، المخزي الذي بيّنه ويعود إلى ما يمليه الصدق وتفرضه قواعد الإنصاف في المعاملة.
إن العبارة الثانية من الفصل الثاني في البند الثاني تخول رئيس الولايات المتحدة "أن يقوم بتنسيب وموافقة من مجلس الشيوخ، بتسمية وتعيين السفراء والنظار العامين والقناصل وقضاة المحكمة العليا، وجميع موظفي الولايات المتحدة الآخرين الذين لم تحدد وظائفهم في الدستور ولا تم ذلك في مكان آخر، والآخرين (الذين تنشأ وظائفهم طبقاً للقانون". وبعد هذه العبارة مباشرة تعقبها أخرى هذه ألفاظها: "لرئيس الجمهورية سلطة ملء الوظائف الشاغرة التي قد تحدث خلال فترة استراحة مجلس الشيوخ عن طريق إيكال مهمات تنتهي مدتها مع انتهاء فترة انعقاد مجلسهم التالية". ومن هذا الشرط الأخير تم استنتاج السلطة المزعومة لرئيس الجمهورية في ملء الشواغر في مجلس الشيوخ. إن قليلاً من الانتباه إلى ارتباط العبارتين وإلى المعنى الواضح للألفاظ فيهما تقنعنا أن الاستنتاج يرتقي حتى إلى مستوى التلاعب اللفظي.
فواضح من أولى هاتين العبارتين، أنها تورد أسلوباً لا أكثر، لتعيين موظفين من فئة الذين "وظائفهم غير محدّدة في الدستور بصورة أخرى، لكنها تدخل ضمن ما يتم إنشاؤه طبقاً للقانون"؛ ولا يتسع هذا، طبعاً، فيشمل تعيين شيوخ، تعيينهم وارد بشكل آخر في الدستور، ولا تعيين من سيتم إنشاء وظائف لهم في المستقبل. إن هذا الوضع ظاهر بالكاد أن يحصل اختلاف فيه.
والعبارة الأخيرة من الاثنتين السابقتين، واضحة بنفس القدر، فلا يمكن فهمها بحيث تستوعب سلطة ملء الشواغر في مجلس الشيوخ للأسباب التالية: أولاً، العلاقة التي تربط تلك العبارة بالعبارة الأخرى والتي تبيّن الأسلوب العام في تعيين موظفي الولايات المتحدة، وتشير إلى أن العبارة الثانية ليست أكثر من ملحق إلى العبارة الأخرى يرمي إلى إنشاء طريقة مساعدة في التوظيف، في الحالات التي لا ينطبق عليها الأسلوب العام. إن السلطة العادية في التعيين موكولة إلى الرئيس ومجلس الشيوخ بصورة مشتركة، ومن ثم يتعذر ممارستها إلا حين يكون مجلس الشيوخ في فترة الانعقاد، لكنه لما كان من غير اللائق إجبار هذا المجلس أن يظل بصورة موصولة في حالة انعقاد لتعيين موظفين، وحيث أنه قد تحدث شواغر في أثناء عطلة المجلس، وتقتضي ضرورات المصلحة العامة ملء تلك الشواغر، بدون تأخير – فإن المقصود من العبارة اللاحقة، بكل وضوح، أن تخول الرئيس، بمفرده، أن يقوم بتوظيف مؤقت، "في أثناء عطلة مجلس الشيوخ، من خلال إيكال مهمات تنتهي مدتها مع انتهاء الانعقاد التالي" ثانياً: إذا جاز فهم هذه العبارة بصفة ملحق للعبارة التي قبلها، فإن الشواغر التي تتحدث عنها يجب أن تفهم بأنها ترتبط "بالموظفين"، الذين تم وصفهم في العبارة الأولى، وقد رأينا أن هذه تستبعد أعضاء مجلس الشيوخ من ذلك الوصف، ثالثاً: إن الوقت الذي يحق لسلطة الرئيس أن تعمل في نطاقه هو "خلال عطلة مجلس الشيوخ"، أما مدة استمرار التعيين فهي "حتى نهاية الانعقاد التالي" لذلك المجلس. وهذا يتضمن جعل العبارة تلقي نوراً على المعنى المقصود من الشرط، فلو قصد به أن يشمل تعيين الشيوخ لكان قد أرجع السلطة المؤقتة في ملء الشواغر إلى عطلة مجالس تشريع الولايات، فأعضاؤها هم المفروض فيهم أن ينشئوا الوظائف الدائمة ولم يرجعها إلى عطلة مجلس الشيوخ الوطني، الذي لا علاقة له بهذه التعيينات؛ ولكان قد مدّد فترة خدمة الشيوخ المؤقتين حتى الانعقاد القادم لمجلس تشريع الولاية التي حدثت تلك الشواغر في تمثيلها، بدلاً من جعلها تنتهي بانتهاء الانعقاد الآني لمجلس الشيوخ الوطني. إن ظروف المجلس المخول بالقيام بالتعيينات الدائمة كانت بطبيعة الحال ستحدد توصيف السلطة التي ترتبط بالتعيينات المؤقتة، وحيث أن مجلس الشيوخ الوطني هو المجلس الوحيد الذي يتبادر التفكير فيه في العبارة التي بنى عليها الاقتراح موضوع البحث، فإن الشواغر التي تشير إليها العبارة لا يمكن أن تكون بخصوص أولئك الموظفين الذين يتم تعيينهم باتفاق ذلك المجلس في الوكالة مع الرئيس. وأخيراً، فإن العبارة الأولى والثانية من الفصل الثالث من البند الأول لا تنسخ أي إمكان للشك فحسب، بل تزيل الاعتذار بإساءة الفهم. فالأولى تورد أن "مجلس شيوخ الولايات المتحدة سوف يتألف من شيخين عن كل ولاية يتم اختيارهما من قبل المجلس التشريعي فيها لمدة ست سنوات". والأخيرة تحمل معنى "إذا حصلت شواغر في ذلك المجلس بالاستقالة أو غير ذلك في أثناء فترة عطلة المجلس التشريعي لأي ولاية، فإنه يجوز لرئيس الولاية أن يجري تعيينات مؤقتة حتى الانعقاد التالي للمجلس التشريعي الذي يقوم بملء تلك الشواغر عند ذاك". هنا يتم إعطاء سلطة خاصة وبعبارات واضحة لا غموض فيها إلى رؤساء الولايات كي يملأوا الشواغر العرضية في مجالس الشيوخ لديهم بتعيينات مؤقتة، من شأنها ألا توهن فقط افتراض أن العبارة المبحوثة آنفاً قد قصد بها خلع تلك السلطة على رئيس الولايات المتحدة، بل أن تثبت أيضاً أن هذا الافتراض، تعوزه الأهلية، وأنه لا بد أن نشأ من نية لخداع المواطنين، بصراحة سافرة لا تحجبها الحذلقة، وأكثر فظاعة من أن يستسيغها المروق والتجديف.
لقد تجشمت عناء أن أختار هذا المثال عن إساءة العرض، وأن أضعه تحت ضوء واضح وقوي، كبرهان صريح على المكايد والحيل غير المبررة التي يمارسها بعضهم لمنع التوصل حكم منصف وغير متحيز على حسنات الدستور المطروح على الشعب للمناقشة. ولم أتردد على الإطلاق، في قضية صارخة كهذه، أن أسمح لنفسي بالعنف في التهجم الذي قليلاً ما يتمشى مع الروح العامة في هذه الأوراق. إنني لا أتردد في طرح ذلك لأن يحكم فيه أي خصم شريف وصريح للحكومة المقترحة إذا توفر في اللغة صفات أكثر فظاظة لوصف مثل هذه المحاولة العاهرة وعديمة الحياء التي يراد فرضها على المواطنين في أمريكا.
بوبليوس

_______________________
- الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 482-486.

العودة للصفحة الرئيسية