الأوراق الفيدرالية

ورقة رقم: 59
الكسندر هاملتون
Alexander Hamilton
22 فبراير، 1788


إلى أهالي ولاية نيويورك:
يفضى بنا الترتيب الطبيعي للموضوع أن نتناول في هذا الموضع من البحث ذلك الشرط الوارد في الدستور والذي يخول الهيئة التشريعية الفدرالية أن تنظم، في نهاية الأمر انتخاب أعضائها أنفسهم. وهو ما يرد بهذه الكلمات "أن أوقات: وأمكنة وأسلوب إجراء الانتخابات للشيوخ والممثلين شئون يعينها المجلس التشريعي في كل ولاية، لكن للكونغرس الحق، في أي وقت، بموجب القانون، أن يضع تلك التعليمات أو يغيرها، ما عدا ما يتعلق بأمكنة اختيار الشيوخ". لم يتم التشهير بهذا الشرط من قبل من يُدينون الدستور في مجمله وحدهم، وإنما لقي الذم من أولئك الذين سبق أن اعترضوا بشمول أقل واعتدال أكثر. وفي حالة واحدة ظن سيّد محترم أن ذلك الشرط قابل للاستثناء، فنصّب نفسه محامياً عن كل جزء آخر من النظام.
إنني أخطئ كثيراً، حين أغض النظر عن عدم وجود أي بند في خطة الدستور بكاملها يسهل الدفاع عنه أكثر من هذا. ذلك أن كونه مناسباً يرتكز على حُجة هذا الرأي البسيط، وهو أن على حكم أن يحوي في داخله وسيلة تحفظ بقاءه. وكل من يحكّم عقله بعدل سوف يوافق، من النظرة الأولى، على واقع التمسك بهذه القاعدة في عمل المؤتمر؛ وأنه يرفض أي انحراف عنها لا يبدو أن الضرورة أملته كيما يتم دمج بعض العناصر في العمل. وهي عناصر مساعدة يستدعيها الانسجام الصلب في القاعدة، ويجعلها أمراً لا غنى عنه. وحتى في هذه الحالة، من الممكن أن يكون ليّناً بحكم الضرورة، إلا أنه لن يكف عن اعتبار الابتعاد عن مبدأ أساسي كهذا نوعاً من عدم الكمال في نظام ربما أثبت وجود بذرة ضعف فيه، في المستقبل، بل ربما كانت بذرة الفوضى.
لن يزعم أحد أنه كان بالمستطاع وضع قانون انتخابي ثم إدخاله في الدستور بحيث يكون قابلاً للتطبيق رغم أي تغيّر في وضع البلاد؛ ومن ثم لا يجوز لأحد أن ينكر أن سلطة تميزية للإشراف على الانتخابات يجب أن تقوم في موضع ما. وأنا أفترض، أن الجميع يتفق على الفور أن هناك ثلاث طرق فقط كان يمكن التفكير فيها بصورة معقولة، ثم تطرح لهذا الغرض، وهي: أن تلك تلك السلطة يلزم أن تستقر بكاملها في يدي التشريع الفدرالي، أو بكاملها في يدي مجالس تشريع الولايات، أو توضع بصورة أولية في يدي مجالس الولايات وبصورة نهائية في يدي التشريع الفدرالي. والأنموذج الأخير هو الذي فضّله المؤتمر عن حكمة فيه. وقد رفع الأعضاء تعليمات انتخابات الحكومة الفدرالية، أول الأمر إلى الإدارة المحلية، والتي ربما كانت في الأحوال العادية، وحينما لا تسود وجهات نظر غير سليمة، هي الأكثر مناسبة وإقناعاً؛ ولكنهم أبقوا للسلطة الوطنية حق التدخل، في أي وقت تجعل الظروف غير العادية ذاك التدخل ضرورياً لسلامة الانتخاب.
ليس هنالك ما هو أكثر وضوحاً من أن وضع سلطة شاملة لتنظيم انتخابات الحكومة الوطنية في يدي مجالس الولايات – سوف يترك وجود الاتحاد ذاته تحت رحمتها بصورة كلية. فبمقدور المجالس في أية لحظة أن تقتل الاتحاد عن طريق إهمالها توفير اختيار أشخاص أكفاء لأن يديروا شئونه. وما أقل الجدوى في قولنا أن إهمالاً أو حذفا من هذا القبيل من غير المحتمل أن يقع. فالاحتمال الدستوري لوقوع الشئ، دون استعداد يعدل خطر وقوعه – هو اعتراض لا يمكن الرد عليه. ولم يتم تحديد منطق مقنع لجلب تلك المغامرة. إن التقديرات المفرطة لغيرة منفلتة عن نطاقها لا يمكن النظر إليها باحترام أبداً. إذا كنا في مزاج يفترض إساءة استخدام السلطة، فمن الإنصاف افتراض وقوع ذلك من جانب حكومات الولايات قدر افتراضه من جانب حكومة الاتحاد. وحيث أنه أكثر انسجاماً مع القواعد في نظرية متوازنة أن تعهد إلى الاتحاد بالعناية بحياته ووجوده الخاص أكثر من نقل تلك العناية إلى يدي الآخرين، إذا ما كان سوء استعمال السلطة سيمارس من جانب أو الآخر، فالأكثر معقولية أن تتم مواجهة تلك المخاطرة حيث تكون السلطة مستقرة بصورة طبيعية من مواجهتها حين تكون مستقرة بصورة غير طبيعية.
هب أن بنداً أدخل في الدستور يخول اتحاد الولايات أن ينظم انتخابات الولايات، الخاصة، هل كان هناك أي امرئ يتردد في إدانة ذلك البند، سواء بصفته نقلاً للسلطة لا يمكن الدفاع عنه، أو بصفته آلية سبق التخطيط لها لتدمير حكومات الولايات؟ أن الإخلال بالمبدأ في هذه الحال ما كان ليحتاج إلى تعليق؛ فهو في نظر أي ملاحظ غير متحيز، لن يكون قليل الوضوح في كونه محاولة لإخضاع وجود حكومة الاتحاد، بصورة شبيهة بالسابقة، إلى مشيئة حكومات الولايات. إن وجهة نظر الشخص غير المتحيز إلى الأمر لن تفشل في التوصل إلى اعتقاد أن كلا من حكومة الاتحاد وحكومات الولايات، وبقدر استطاعتها، يجب أن تعتمد على نفسها للمحافظة على بقائها.
وكاعتراض على هذا الموقع تجوز الإشارة إلى أن تشكيل مجلس شيوخ الاتحاد سوف يضم أكبر قدر من الخطر الذي يرى بعضهم أنه ينبع من جعل السلطة الشاملة لتنظيم الانتخابات الفدرالية في يدي مجالس تشريع الولايات. وقد يزعم البعض أنه عن طريق إنقاص فترة خدمة الشيوخ بمقدور مجالس شيوخ الولايات في أي وقت أن توجه ضربة مميتة إلى الاتحاد؛ ومن هذا يمكن استنتاج أنه: لما كان وجود الاتحاد قد جُعل على هذه الصورة يعتمد على مجالس الولايات في نقطة أساسية كهذه، فلن يكون هنالك أي اعتراض على العهدة إليها بالقضية الخاصة المطروحة للبحث. ولربما قيل أن مصلحة كل ولاية، في الحفاظ على تمثيلها في المجالس الوطنية، سيكون ضماناً كاملاً ضد إساءة استخدام تلك العهدة.
مع أن هذه المناقشة، معقولة ظاهرياً، فإنها لن تبقى سليمة عند التدقيق. المؤكد صحته أن تغاضي مجالس الولايات، عن تعيين الشيوخ ربما دمر الحكومة الوطنية (حكومة الاتحاد). ولكنه لا يترتب على ذلك، أن مجالس الولايات بحكم قدرتها على أن تفعل ذلك في حالة ما، فإن لها أن تحوز هذه القدرة في جميع الحالات. كلا، هنالك حالات ربما كان الميل الشرير لقدرة كهذه أعظم حسماً بكثير، حال غياب دافع مساو قاطع لذلك الدافع الذي لا بد أن نظم تصرف أعضاء المؤتمر فيما يتعلق بإنشاء مجلس شيوخ يزكي قبول مجالس الولايات في النظام ككل. فبقدر ما يعرض ذلك هيكل الاتحاد لإمكانية تلقي الضرر من جانب مجالس الولايات، يكون ذلك سيئاً؛ ولكنه السوء الذي لم يكن تجنبه ممكناً دون إقصاء الولايات، وقدراتها السياسية، كلية، من موقع لها في تنظيم الحكومة الوطنية. لو تم ذلك لما فسره أحد إلا على أنه تحريف كلي للمبدأ الفدرالي، ولكان بكل تأكيد قد جرد حكومات الولايات من ذلك الأمان المطلق الذي ستتمتع به بموجب هذا الشرط. ولكن، مهما كانت الحكمة التي تبدت في هذه الحالة، إلى درجة جعلها عقبة في طريق بلوغ الحسنة الضرورية أو الخير الأكبر – فإنه لا يمكن الوصول من ذلك إلى استنتاج تأييد زيادة السوء حيث لا تستدعيه ضرورة ولا يدعو إليه خير أكبر.
ويمكن التحقق بكل سهولة أيضاً من أن حكومة الاتحاد سوف تواجه خطراً أكبر من سلطة يكون فيها إشراف مجالس الولايات على انتخابات مجلس ممثلي حكومة الاتحاد أكثر من سلطة تلك المجالس في تعيين الأعضاء في مجلس الشيوخ الاتحادي. فسيتم اختيار الشيوخ لفترة ست سنوات؛ وسيكون هنالك دورة، بموجبها تشغر مقاعد ثلثهم فيتم إعادة ملئها كل سنتين؛ ولن يكون من حق أية ولاية أن يكون لها أكثر من شيخين اثنين. ويكون النصاب في ذلك المجلس ستة عشر عضواً. والحصيلة المشتركة لهذه الظروف هي أن حصول ائتلاف مؤقت من بضع ولايات بغية قطع تعيين الشيوخ سوف يعجز عن إلغاء وجود المجلس وعن عرقلة نشاطه. وليس هنالك ائتلاف عام أو دائم للولايات نخشى أن نلقى منه شيئاً. فقد ينشأ الأول من مكائد شريرة في أذهان الأعضاء المتنفذين في بعض مجالس الولايات؛ أما الأخير فهو يفترض وجود تذمر ثابت ومتجدد في نفوس الجمهرة الكبرى من الشعب، وهذه جمهرة إما أنها لن توجد أصلاً أو أنها لن تنشأ، بأي احتمال، من ممارسة وعدم استعداد حكومة الاتحاد لتحسين أوضاع المواطنين وزيادة سعادتهم. وتلك حال لن يرغب أي مواطن طيب في استمرارها.
أما فيما يخص مجلس الممثلين الفدرالي فالنية متجهة لأن تكون هنالك انتخابات عامة للأعضاء مرة كل سنتين. ولو تم تخويل مجالس الولايات كامل السلطة لتنظيم هذه الانتخابات لخلقت كل فترة لإجرائها أزمة حساسة في وضع الاتحاد، ربما ترتب عليها حله، إذا كان زعماء بضع ولايات مهمة قد انخرطوا في مؤامرة للحيلولة دون إجراء ذلك الانتخاب.
أنا لست أنكر أن هنالك قدراً من الأهمية في الإشارة إلى أن مصالح كل ولاية لأن تتمثل في المجالس الفدرالية، سوف تكون ضماناً ضد سوء استخدام السلطة في إشراف الولاية على انتخاباتها عند جعلها في يدي مجالس تشريع الولايات. لكن هذا الضمان لن يعتبر كاملاً في نظر أولئك الذين ينتبهون لوجود فارق واضح بين مصلحة المواطنين في السعادة العامة ومصلحة حكامهم المحليين في الاستحواذ على السلطة وما يترتب على مناصبهم. ربما يكون الشعب الأمريكي مرتبطاً بحرارة بحكومة الاتحاد، في حين يكون فيه الحكام الخاصون لولايات خاصة، مدفوعين بعين المنافسة الطبيعية على السلطة، وبالآمال الشخصية الجشعة، وبكونهم مسنودين من جانب حزب قوي في كل من تلك لولايات – لأن يكونوا في مزاج معاكس تماماً. إن هذا التباين في المشاعر بين أكثرية الشعب وبين الأفراد الذين يحظون بأعظم تقدير في مجالسهم – يجد مثالاً له في بعض الولايات، في الوقت الحاضر، بخصوص السؤال الذي نبحثه. أما خطة قيام كونفدراليات منفصلة فسوف يضاعف بصورة دائمة، من فرص الطموح، ولن يفشل أبداً في أن يكون طعماً لجميع الأفراد ذوي النفوذ في إدارات الولايات الذين يرفضون تفضيل تعويضاتهم المالية الخاصة، وتحسين أوضاعهم، على المصلحة العامة للآخرين. بمثل هذا السلاح الفعال في أيديهم، سلاح السلطة الكاملة لتنظيم انتخابات حكومة الاتحاد، فإن مجموعة أشخاص مثل هؤلاء، تقوم في عدد صغير من الولايات الأكثر أهمية، حيث يغدو الإغراء دائماً على أشده – قد ينجزون تدمير الاتحاد باقتناصهم فرصة بعض التذمر العرضي بين الشعب (والذي ربما يكونون هم أنفسهم قد أثاروه) من أجل التوقف عن اختيار الأعضاء لمجلس التمثيل الفدرالي. ولا يجوز لنا أن ننسى أن اتحاداً صلباً في هذه البلاد، وفي ظل حكومة فعالة – ربما كان هدفاً للغيرة المتزايدة لدى أكثر من دولة واحدة في أوروبا؛ وأن المشاريع المغامرة لقلبه سوف تنشأ أحيانا من مكائد ودسائس الدول الأجنبية، ونادراً ما تفشل في أن تجد رعاية لها ومراهنة عليها من قبل بعض تلك الدول. إن الحفاظ على الاتحاد إذن، أمر لا يجوز، بأي حال تجنب أن يعهد به إلى حراسة أحد إلا أولئك الذين سيخلق وضعهم بصورة موحدة فائدة مباشرة في الأداء المخلص المتيقظ للعهدة الموكولة إليهم.
بوبليوس

_______________________
- الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 426-431.

العودة للصفحة الرئيسية