الأوراق الفيدرالية

ورقة رقم: 57
جيمس مادسون
James Madison
19 فبراير، 1788


إلى أهالي ولاية نيويورك:
والتهمة الثالثة ضد مجلس الممثلين هي أنه سوف يتكون من تلك الطبقة من المواطنين الأقل تعاطفاً مع جمهور الشعب والأكثر احتمالاً لأن تهدف إلى تضحية طموحة بالكثرة لمصلحة جشع القلّة.
وبين جميع الاعتراضات التي وجهت إلى الدستور الفدرالي، ربما كان هذا هو الأغرب فيها. ففي حين أن الاعتراض مسوّى ليوجّه ضد أولغاركية مزعومة فإن المبدأ الذي ينطلق منه يضرب عميقاً في جذر الحكم الجمهوري كله.
إن الهدف السياسي لأي دستور هو في الواقع، أو ينبغي أن يكون، في المقام الأول، الوصول إلى حكام يحوزون على أكبر قدر من الحكمة للتمييز، وأعظم قدر من الفضيلة للسعي وراء الخير العام للمجتمع؛ وفي المقام الثاني أخذ الاحتياطات الأكثر فعالية لإبقاء هؤلاء الأشخاص فاضلين، طيلة كونهم يتحملون عهدتهم تجاه الشعب وثقته فيهم. والأسلوب الانتخابي للوصول إلى حكام هو خاصية سياسية للحكم الجمهوري. والوسائل التي يعتمد عليها هذا النمط من الحكم لمنع انحلال أولئك الأشخاص كثيرة ومتنوعة. وأعظمها فعّالية وتأثيراً هي تقييد فترة خدمتهم بغية الحفاظ على مسئولية مناسبة عليهم تجاه الشعب.
دعني الآن أتساءل: أي ملابسة هناك في تشكيل مجلس الممثلين تخل بمبادئ الحكم الجمهوري، أو تفضل زيادة مصلحة القلة على حطام الكثرة؟ وأتساءل أيضاً ما إذا كانت حيثية هي على العكس تتفق تماماً مع هذه المبادئ، كما أنها شديدة الحرص على ألاّ تتحيز إلى حقوق ودعاوي أية طبقة أو فئة من المواطنين؟
من هم أولئك الذين سينتخبون الممثلين الفدراليين؟ ليسوا هم الأغنياء، أكثر من الفقراء، ولا المتعلمين أكثر من الجهلاء؛ ولا الوارثين المتعجرفين للأسماء المتميزة أكثر من أبناء البسطاء المغمورين وقليلي الحظ الفقراء. أن الناخبين هم الجمهرة العظمى من شعب الولايات المتحدة. إنهم الأشخاص أنفسهم الذين يمارسون الحق في كل ولاية لانتخاب أعضاء المجلس المناظر لمجلس التشريع في الولاية.
ومن الذين سيكونون هدفاً للاختيار الشعبي؟ هم كل مواطن يزكيه مقامه لأن يحظى بتقدير أهل بلده وثقتهم. لا مؤهل الثروة، ولا النسب، ولا المذهب الديني ولا المهنة المدنية – سوف يتاح لها أن تعيق حكم المواطنين أو تحبط توجههم.
إذا اعتبرنا موقف ووضع الأشخاص الذين عليهم يعتمد نقل أصوات الاقتراع الحر من مواطنيهم إلى عهدة الممثل – فإننا سنجد ذلك الوضع يشمل كل أمان يمكن ابتكاره أو يرغب فيه لضمان إخلاصهم لمواطنيهم.
ففي المقام الأول، وحيث أنهم حظوا بحسنة تفضيل زملائهم المواطنين لهم فإن لنا، على العموم، أن نفرض أنهم سوف يكونون متميزين إلى حد ما بتلك الصفات التي تجعلهم جديرين بذلك التفضيل، والتي تعد بتقدير عظيم لديهم وحرص صادق منهم على طبيعة ما التزموا به.
وفي المقام الثاني، سوف يدخلون في الخدمة العامة في ظل ظروف لن تفشل في خلق مودة مؤقتة على الأقل من جانبهم إلى مواطنيهم. إن في كل فؤاد حساً لعلامات الشرف، ومظاهر الإخلاص، وآيات الاحترام، ودلائل الثقة، التي تفترق عن جميع اعتبارات المصالح، وتظل رهينة للامتنان ورد الجميل. إن الجحود هو عنوان مشترك للتنكر للطبيعة البشرية، وعلينا الاعتراف بأن الأمثلة عليه أكثر من متوفرة، كما أنها أمثلة صارخة، في كل من الحياة العامة والحياة الخاصة. لكن الاحتقار الشامل والبالغ حده الذي تنم عنه تلك الأمثلة هو بذاته برهان على قوة المشاعر المعاكسة وغلبتها.
وفي المقام الثالث، إن الارتباطات التي تشد الممثل إلى الذين انتخبوه تظل تزداد قوة بفضل الدوافع الشخصية لديه. فكبرياؤه وغروره تشده إلى نمط من الحكم يراعي دعاواه، ويمنحه نصياً من شرف ذلك النمط وامتيازاته. فمهما كانت الآمال والمشاريع التي تراود أفكار نفر قليل من ذوي الطموح، فكثيراً ما يحصل أن نسبة كبيرة من الأشخاص الذين يستقون تقدمهم من نفوذهم على المواطنين سيجدون أملاً أكبر في صيانة الود مما يجدونه في ابتكارات في الحكم تأتي معاكسة لسلطة الشعب.
كل هذه الضمانات، على كل حال، سوف تتبين غير كافية من دون قيد تكرار الانتخابات. وبالتالي، وفي المقام الرابع، فإن مجلس الممثلين مؤلف بشكل يؤيد في نفوس أعضائه عادة أن يتذكروا أنهم يعتمدون على الشعب. وقبل أن تحبط المشاعر التي تطبعها في أذهانهم ممارسة السلطة سيكونون مجبرين على استباق لحظة زوال سلطتهم حيث تتم مراجعة ممارستهم لتلك السلطة، وحيث يتوجب عليهم أن يهبطوا إلى المستوى الذي منه ارتفعت مقاماتهم، حيث سيظلون هناك طوال عمرهم ما لم يكن وفاؤهم بما عُهد إليهم قد رسّخ أهليتهم لأن يتم التجديد لهم في المنصب.
وسأضيف، حيثية خامسة في وضع مجلس الممثلين، تكبحهم عن سن قوانين قمعية هي: أنهم لا يستطيعون وضع أي قانون لا يطالهم أنفسهم، ويطال أصدقاءهم كما يطال جمهرة كبيرة من أفراد المجتمع. لقد ظل هذا دائماً يعتبر واحداً من الروابط الأقوى في السياسة التي تربط الحاكمين وأفراد الشعب معاً. فهو يخلق بين الفئتين ذلك التوحد في المصالح والمشاعر الودية التي ضرب عدد ضئيل من الحكومات أمثلة عليها، والتي، بدونها تنحط كل حكومة حتى تغدو طغياناً. ولو سأل بعضهم، ما الذي يكبح مجلس الممثلين عن سن تمييز قانوني لصالحهم ذاتهم وصالح طبقة خاصة في المجتمع؟ فأنا أجيب: إنها عبقرية النظام ككل؛ وطبيعة القوانين العادلة والدستورية؛ وأكثر من ذلك روح اليقظة والرجولة التي تسيّر الشعب في أمريكا – وهي روح تغذي الحرية وتغذيها الحرية بالتالي.
فإذا انحطت هذه الروح بسبب ما بحيث تتقبل قانوناً ليس ملزماً لأفراد الهيئة التشريعية ولا هو إلزامي على الشعب – فإن الشعب سيكون مستعداً لأن يتسامح في كل شئ ما عدا الحرية.
مثل ما شرحنا سوف تكون العلاقة بين مجلس الممثلين ومواطنيهم. إن الشعور بالواجب، والامتنان، والمصلحة، والطموح نفسه، هي الأوتار التي سوف تشدهم إلى الإخلاص والتعاطف مع الجمهرة الكبيرة من أبناء الشعب, ويجوز أن تكون هذه جميعاً غير كافية للحد من الجشع واللؤم في نفوس الناس، لكن، أليست هذه الوسائل هي جميع ما يسمح به الحكم وما يمكن أن تبتكره حكمة البشر. أليست هي الوسيلة الحقيقية والطريق الخاصة التي من خلالها يضمن الحكم الجمهوري الحرية وسعادة الشعب؟ بل أليست هي الوسيلة النموذجية التي تركن إليها حكومة كل ولاية لبلوغ تلك الغايات المهمة؟ إذن، ما الذي علينا أن نفهمه من الاعتراض الذي دفعته هذه الورقة ونافحت ضده؟ ما علينا أن نقول للأشخاص الذين يصرّحون بحماسهم المتوقد للحكم الجمهوري، لكنهم بشجاعة يلومون المبدأ الأصيل فيه؛ والذين يتظاهرون أنهم أبطال حماية حق الشعب وقدرته على اختيار حكامه الخاصين، ومع هذا يرون أنهم يفضلون الأشخاص وحدهم الذين سوف يخونون على الفور، وبصورة محتومة، تلك الأمانة الموكولة إليهم؟
لو كان يقرأ هذه الاعتراضات امرؤ لم يرَ النمط الذي يحدده الدستور لاختيار الممثلين، لكان له أن يفترض أنه لا شيء أقل من بعض المؤهلات غير المعقولة للملكية قد ألحقت بحق الاقتراع؛ أو أن حق السماح بالتمثيل قد قصر على أفراد من عائلات خاصة، أو ذوي الأموال؛ أو على الأقل أن النمط الذي حددته دساتير الولايات قد تم التخلي عنه بفظاظة في جانب منه أو الآخر. ولقد رأينا عظم الخطأ الذي يقترفه مثل ذلك الافتراض فيما يخص النقطتين الأوليتين. ولن يكون ذلك أقل خطأ بالنسبة إلى النقطة الأخيرة. والفارق الوحيد الذي يمكن اكتشافه بين الحالتين هو أن كلاً من ممثلي الولايات المتحدة سيتم انتخابه من قبل خمسة أو ستة آلاف مواطن؛ في حين يترك انتخاب ممثلي الولايات إلى حوالي عدة مئات من الأشخاص فقط. هل سيدعي أحد أن هذا الفارق كاف لتبرير الولاء لحكومات الولايات وكراهية الحكومة الفدرالية؟ إذا كانت هذه هي النقطة التي سيتجه إليها الاعتراض فإنها نقطة جديرة بالبحث.
هل يؤيدها العقل والمنطق؟ لا يمكن قول ذلك دون القبول بأن خمسة أو ستة آلاف مواطن هم أقل قدرة على اختيار ممثل مناسب لهم أو شخص أكثر عرضة لأن يقبل الإفساد على يدي شخص غير صالح، من قدرة خمس أو ست مئة شخص على ذلك. على العكس، إن المنطق يؤكد لنا أنه: حيث أن احتمال العثور على ممثل مناسب في هذا العدد الكبير احتمال قائم، فإن احتمال أن ينحرف الاختيار عن ذلك الشخص المناسب، بفعل دسائس ذوي الطموح أو الرشاوى التي يقدمها الأغنياء احتمال ضئيل؟
هل إن ما يترتب على هذه القاعدة شئ مقبول؟ إذا قلنا أن خمسماية أو ستماية مواطن عدد كاف لأن يمارسوا معاً حق الاقتراع أفليس علينا أن نجرد الناس من اختيارهم المباشر لممثلي الخدمة العامة في كل موقع يكون فيه تسيير الحكم لا يتطلب ممثلاً واحداً لهذا العدد من المواطنين؟
هل هناك حقائق تؤيد هذه القاعدة؟ لقد بيّنا في الورقة الأخيرة أن التمثيل الحقيقي في مجلس العموم البريطاني يزيد قليلاً جداً عن نسبة ممثل واحد لكل ثلاثين ألف نسمة من السكان. وإلى جانب أسباب متنوعة وقوية، لا توجد لدينا في أمريكا، لكنها تخدم دعاوى الطبقة والثروة في بريطانيا – فإنه من غير المسموح أن يمثل البلاد شخص لا يملك عقاراً حقيقياً مردوده يقل عن ستمئة جنيه استرليني في السنة، ولا فرد من أهل مدينة أو ناحية لا يحوز عقاراً مردوده نصف تلك القيمة سنويا أيضاً.
وإلى هذا المؤهل في حال ممثلي النواحي يضاف مؤهل آخر لمنتخبي النواحي، من شأنه أن يقصر الاقتراع على الأشخاص الذين يملكوه عقاراً حراً يعود بما قيمته عشرون جنيه إسترليني، سنوياً، بحساب سعر الصرف الحالي. وبصرف النظر عن هذه الحيثيات غير الودية، وكذلك عن بعض القوانين التي يعوزها الإنصاف، إلى درجة كبيرة، في القانون البريطاني، فإنه ليس بمقدور أحد القول بأن ممثلي الأمة قد حسّنوا مصالح الأقلية على أنقاض مصالح الأكثرية.
والواقع أنه لا حاجة بنا إلى اللجوء إلى الخبرة الأجنبية في شأن هذا الموضوع. فخبرتنا واضحة، صريحة وحاسمة. ففي مقاطعات ولاية نيوهامشير حيث يتم انتخاب الشيوخ مباشرة من قبل المواطنين – يبلغ عدد أفراد المقاطعة القدر الضروري من السكان لانتخاب الممثلين في الكونغرس. والمقاطعات في ولاية مساشوستس توفر أكبر مما هو ضروري لذلك الغرض؛ وتلك التي في نيويورك أكبر من ذلك ايضاً. وفي ولاية نيويورك هذه تم انتخاب أعضاء المجلس عن المدن، وعن نواحي نيويورك، وأولبني من قبل عدد من الناخبين يماثل العدد الذي يحتاجه ممثل في الكونغرس، إذا حسبنا على أساس خمسة وستين ممثلاً فقط. ولا فرق هناك أنه في المقاطعات المشيخية والنواحي يتم التصويت لعدد من الممثلين من كل ناخب في الوقت نفسه. إذا كان الناخبون في نفس الوقت أكفاءً لاختيار أربعة أو خمسة ممثلين فمن غير المعقول أن يكونوا غير أكفاء لانتخاب واحد فقط. وتمثل ولاية بنسلفانيا مثالاً إضافياً آخر، فبعض النواحي فيها، والتي تنتخب ممثليها إلى مجلس الولاية، هي تقريباً في نفس حجم المقاطعات التي يُفترض أن تقوم بانتخاب ممثليها الفدراليين. والمفروض أن تضم مدينة فيلادلفيا ما بين خمسين وستين ألف إنسان، ولهذا فإنها سوف تشكل مقاطعتين لانتخاب الممثلين الفدراليين. لكنها في الواقع تشكل ناحيةً واحدة لا أكثر، يصوت كل ناخب فيها لكل واحد من ممثليها في مجلس تشريع الولاية. والذي يبدو أنه يخدم ما نهدف إليه بصورة مباشرة هو أن المدينة بكاملها تنتخب بالفعل عضواً فرداً للمجلس التنفيذي. هذا هو الحال في جميع النواحي الأخرى في الولاية.
أليست هذه الحقائق برهاناً مقنعاً على المغالطة التي تم استخدامها ضد فرع الحكومة الفدرالية الذي نبحث أمره؟ هل ظهر بعد التجربة أن شيوخ ولاية نيوهامشير، ومساشوستس، ونيويورك أو المجلس التنفيذي لولاية بنسلفانيا أو أعضاء المجلسين في الولايتين الأخيرتين – قد ظهر منهم أي ميل خاص لتضحية الكثرة لصالح القلة، أو أنهم في أي جانب أقل جدارة في مواقعهم من الممثلين وكبار الموظفين الذين انتخبوا في الولايات الأخرى من قبل شرائح صغيرة جداً من المواطنين؟
إن هناك حالات ذات مظهر أقوى من الحالات التي اقتبستها. من ذلك أن فرعاً واحداً من المجلس التشريعي في ولاية كونكتكت يتألف على هيئة يتم فيها انتخاب كل عضو من قبل الولاية ككل. هذه حال حاكم تلك الولاية، وحاكم ولاية مساشوستس وحاكم هذه الولاية التي نحن فيها، ورئيس نيوهامبشير وأنا أترك لكل شخص أن يحكم ما إذا كانت هذه التجارب تبدي شكاً مفاده أن نمطاً انتشارياً لاختيار ممثلين للشعب يميل إلى رفع قدر الخونة ونسف الحرية العامة.
بوبليوس

_______________________
- الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 412-418.

العودة للصفحة الرئيسية