الأوراق الفيدرالية

ورقة رقم: 56
جيمس مادسون
James Madison
19 فبراير، 1788


إلى أهالي ولاية نيويورك:
والتهمة الثانية الموجهة إلى مجلس الممثلين هي أن عدده سيكون ضئيلاً فلن يحوز المعرفة اللازمة بمصالح المواطنين.
ولما كان واضحاً أن هذا الاعتراض ناشئ عن المقارنة بين عدد الممثلين المقترح ورقعة الولايات المتحدة الشاسعة الامتداد، وأن عدد ممثلي سكان تلك الرقعة وتنوع مصالحهم، بصرف النظر عن المصالح التي سوف تميز الكونغرس عن الهيئات التشريعية الأخرى – فإن أفضل إجابة يمكن تقديمها لرد هذا الاعتراض هي تفسير مختصر لمواطن الغرابة هذه.
إنه لمبدأ صحيح ومهم أن على المثل أن يكون عارفاً بمصالح من يمثلهم وظروفهم. بيد أن هذا المبدأ لا ينسحب على أبعد من تلك الظروف والمصالح التي تتصل بسلطة الممثل واهتمامه الشخصي. فجهله بأشياء دقيقة وخاصة لا تقع ضمن مجال التشريع – لا يتعارض مع أي صفة ضرورية لأداء سليم لائتمانه على التشريع. وعند تقدير قدر المعلومات المطلوبة في ممارسة سلطة خاصة، يتوجب الرجوع إلى الأهداف الداخلة ضمن نطاق تلك السلطة.
ماذا ستكون أهداف التشريع الفدرالي؟ أنها الأهداف ذات الأهمية الكبرى والتي تبدو أكثر من غيرها في حاجة إلى معرفة محلية، وهي: التجارة، وفرض الضرائب، والميليشيا.
والتنظيم المناسب للتجارة يتطلب معلومات كثيرة، كما أشرنا في موضع سابق؛ لكن، ما دامت هذه المعلومات على صلة بالقوانين والوضع المحلي لكل ولاية بمفردها، فإن عدداً ضئيلاً جداً من الممثلين سيكون أداة كافية تماماً للمجالس الفدرالية.
سوف تتألف مهمة قسم الضرائب إلى حد كبير من الواجبات المعنيّة بتنظيم التجارة. إلى هذا الحد تكون الملاحظة السابقة صحيحة وقابلة للتطبيق لهذا الغرض. وحيث إن الولاية تتالف من تجمعات داخلية فإن معرفة شاملة بظروف الولاية ربما كانت ضرورية. لكن، ألن يحوز مثل ذلك بدرجة كافية نفر يسير العدد من أشخاص أذكياء انتخبتهم الولاية كلها؟ إقسم أكبر ولاية إلى عشر أو إثنتي عشرة مقاطعة، وستجد أنه ليس هناك مصالح محلية فريدة في أي منها لا يعرفها ممثل المقاطعة. وإلى جانب مصدر المعلومات هذا، فإن قوانين الولاية والتي وضع أطرها ممثلون لكل قسم من تلك الولاية – ستكون دليلاً كافياً تقريباً. لقد تم في كل ولاية، وضع تعليمات بخصوص هذا الموضوع، ويجب الإستمرار في ذلك. وهي تعليمات لم تترك في الغالب غير القليل مما يجب عمله من قبل التشريع الفدرالي، ينحصر في مراجعة القوانين المختلفة ووضعها في لائحة عامة واحدة. وبمقدور شخص واحد لديه الخبرة، وفي غرفته الخاصة، توضع أمامه دفاتر جميع القوانين المحلية – أن يؤلف قانوناً لبعض موضوعات الضرائب للاتحاد بكامله، بدون أية حاجة إلى معلومات شفهية بهذا الخصوص. والمنتظر أنه حيثما تكون الضرائب الداخلية ضرورية، وبخاصة في الحالات التي تستوجب التوحيد بين جميع الولايات – تكون الأهداف البسيطة هي الأهداف المفضلة. ومن أجل أن ندرك مدى التسهيل والعون الذي سوف يناله هذا الفرع في التشريع الفدرالي من قوانين الولايات ما علينا إلا أن نفرض لفترة قصيرة، أنه تم تقسيم هذه الولاية أو تلك إلى عدد من الأقسام، يمارس كل منها ضمن حدوده سلطة تشريع محلية. أليس من الواضح أن توفر كمية من المعلومات المحلية والعمل التحضيري في عدة مجلدات من محاضر الجلسات، سوف يختصر جهود التشريع العام ويجعل عدداً أصغر من الأعضاء يكفي للقيام بالمهمة؟ هذا وسوف تستفيد المجالس الفدرالية فائدة كبيرة من حيثية أخرى. ذلك أن ممثلي كل ولاية لن يجلبوا معهم قدراً معتبراً من المعرفة عن قوانين ولايتهم ومعرفة محلية بمقاطعتها فحسب، بل من المحتمل في جميع الحالات أن يكونوا في تلك اللحظة، أعضاء في مجلس تشريع ولايتهم، حيث تتجمع كل المعلومات المحلية والمصالح في الولاية؛ ومن ثم يسهل نقلها عن طريق نفر يسير إلى مجلس تشريع الولايات المتحدة ذاتها.
وبخصوص تعليمات الميليشيا، فبالكاد توجد أية معلومات محلية يمكن اعتبارها ضرورية. إن المظهر العام لتضاريس البلاد، الجبلية والمستوية، وكونها صالحة لعمليات المشاه أو مناورات الخيالة – هو الاعتبار الوحيد من هذا الصنف الذي يمكن أن يحصل. وفن الحرب يعلمنا مبادئ عامة في التنظيم والحركة والضبط والربط يتم تطبيقها في العالم.
وسوف يجد القارئ النبيه أن إعمال الفكر هنا، اعتاد أن يثبت كفاية عدد معتدل من الممثلين لا يتناقض، في أي جانب، مع ما سبق أن دعونا إليه في موضع آخر بصدد المعلومات الواسعة التي يجب أن يحوزها ممثلو الولايات، والوقت الذي ربما احتاجوه لاكتسابها. وبقدر اتصال هذه المعلومات، بالأهداف المحلية، تغدو ضرورية وصعبة، لا بفعل الاختلاف في القوانين والظروف المحلية في الولاية الواحدة بل بفعل التباين بين الولاية المختلفة. ولو أخذنا كل ولاية لوحدها، لوجدنا القوانين هي نفسها، والمصالح لا تختلف إلا قليلاً. ومن ثم، فإن نفراً معدوداً من الأشخاص سوف يحوزون كل المعرفة المطلوبة لتمثيل مناسب لها. ولو كانت مصالح وشئون كل ولاية بمفردها بسيطة تماماً، وفي انسجام، لكانت معرفة تلك المصالح والشئون لجزء واحد تتضمن معرفة عنها في كل جزء آخر، ولأمكن أن يتم تمثيل الولاية بكاملها بعضو واحد يؤخذ من أي قسم فيها. وحين نعقد مقارنة بين الولايات المختلفة معاً، فإننا نجد تبايناً كبيراً في قوانينها، وفي أحيان كثيرة تبايناً متصلاً بأهداف التشريع الفدرالي، والتي بخصوصها على جميع الممثلين الفدراليين أن يحوزوا بعض المعرفة. ففي حين يجلب بعض ممثلي كل ولاية معهم معلومات لازمة عن ولايتهم الخاصة، فإن على كل ممثل أن يحوز معلومات كثيرة حول جميع الولايات الأخرى عليه أن يكتسبها هو. إن تأثير الزمن، كما ذكرنا سابقاً، على الوضع النسبي للولايات المختلفة سوف يخلق ميلاً إلى المحاكاة. وأما تأثير ذلك على الشئون الداخلية للولاية بمفردها، فسيكون عكس ذلك تماماً. فليست بعض الولايات في الوقت الحاضر أكثر من تجمّع لعائلات صغيرة. إن عدداً قليلاً منها أحرز تقدماً كبيراً في تلك الفروع من الصناعة التي تخلق تنوعاً وتعقيداً في شئون الأمة. وهذه على كل حال، سوف تكون في مجموعها ثمرة لشعب أكثر تطوراً، كما تحتاج تمثيلاً أوفى من جانب كل ولاية، إن بعد نظر المؤتمر قد اعتنى العناية الكافية بهذا الأمر فجعل الزيادة في السكان تصحبها زيادة مناسبة في الفرع التمثيلي من فروع الحكومة.
إن خبرة بريطانيا العظمى، والتي تعرض للبشرية جميعاً عدداً كبيراً من الدروس السياسية، من الناحية المالية وناحية السبق المحتذى، كثيراً ما رجعت إليها مستشيراً في أثناء هذه الأبحاث، فوجدتها تدمج حصيلة التأملات التي قمنا بها وتؤيدها. أن عدد سكان مملكتي إنكلترا واسكتلندا لا يقدر بأقل من 8 ملايين نسمة. ويبلغ ممثلو هؤلاء الملايين الثمانية في مجلس العموم خمسماية وثمانية وخمسين شخصاً. و 9/1 هذا العدد فقط ينتخبه 346 شخصاً، فيما نصفهم ينتخبه 5723 شخصاً. ولا يعقل أن نفترض أن النصف الذي ينتخب على هذه الصورة، والذي لا يقيم أصلاً وسط الشعب ككل – يستطيع أن يضيف أي شئ إلى سلامة المواطنين ضد الحكومة، ولا إلى معرفة الظروف المحلية ومصالح الناس في المجلس التشريعي. على العكس من ذلك فالمعروف أن هؤلاء الممثلين كثيراً ما يغدون آلة في يد الموظف التنفيذي أكثر من كونهم حراساً ومدافعين عن حقوق الشعب. لذا، نجدهم كثيراً، ما يُعتبرون، وبحق، مجرد اختزال في التمثيل الحقيقي للأمة. وعلى كل حال، فنحن ننظر إليهم في هذا الضوء وحده، ولن نزيد اختزال عدد أكبر من الممثلين الآخرين الذين لا يقيمون وسط مواطنيهم، ويكونون متصلين اتصالاً واهياً بهم، ويحوزون معرفة خاصة ضئيلة عن شئونهم. مع جميع هذه الاعتبارات فإن 279 شخصاً فقد سيكونون مستودعاً لسلامة ومصلحة وسعادة 8 ملايين – بمعنى أنه سيكون هناك ممثل واحد ليحافظ على حقوق 28670 مواطناً ويشرح أوضاعهم في مجلس معرض دائماً لتأثير ونفوذ قوة السلطة التنفيذية بكاملها، كما يوسع سلطاته إلى كل هدف من التشريع في حدود أمة شئونها متنوعة أقصى درجات التنوع ومعقدة أيضاً. ومع هذا فالثابت الأكيد، أنه ليس هناك جزء ثمين من الحرية تمت صيانته فحسب، في ظل جميع هذه الظروف، بل أيضاً تمت مهاجمة جميع المساوئ في القانون البريطاني، كما تم إلى حد ما مهاجمة جهل المشرعين في بريطانيا بظروف المواطنين في البلاد. ولو أعطينا لهذه الحالة الأهمية التي تستحقها، وقارنّاها بوضع مجلس الممثلين عندنا كما شرحناه أعلاه، لبدا لنا أننا قد أعطينا أوفى ضمان حين جعلنا ممثلاً واحداً لكل 30 ألف فرد من السكان يجعل الوضع الأخير وضعاً أميناً، ويكون حارساً كفؤاً على المصالح التي سيؤتمن عليها.
بوبليوس

_______________________
- الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 407-411.

العودة للصفحة الرئيسية