الأوراق الفيدرالية

ورقة رقم: 55
جيمس مادسون
James Madison
13 فبراير، 1788


إلى أهالي ولاية نيويورك:
يشكل عدد الممثلين الذين سيتألف منهم المجلس نقطة أخرى ووجهة نظر شديدة الأهمية في ضوئها يمكن التفكير في هذا الفرع من فروع الهيئة التشريعية الفدرالية. وبالكاد يجد المرء أي بند في الدستور كله قد جُعل جديراً بالاهتمام من حيث أهمية طبيعة المناقشة ووضوح القوة التي تمت مهاجمته بها أكثر من هذا البند وإليك التهم التي وُجهت إلى هذا البند وهي، أولاً: أن هذا العدد الصغير من الممثلين سوف يكون مستودعاً غير أمين لمصالح الشعب؛ وثانياً: أنهم لن يمتلكوا معرفة مناسبة بالظروف المحلية لمنتخبيهم العديدين؛ وثالثاً: أنهم سوف يؤخذون من تلك الطبقة من المواطنين التي تتعاطف قليلاً مع مشاعر الجمهور ومن المحتمل كثيراً أن تهدف إلى زيادة مستمرة لصالح الجمهور القلّة مع الهبوط بمصالح الكثرة؛ ورابعاً: أن سيئة قلّة العدد أول الأمر ستغدو سمة غير مناسبة أكثر فأكثر بفعل تزايد السكان وتأثير العقبات التي ستعوق إحداث زيادة مقابلة في عدد الممثلين.
وبصورة عامة أيمكن الإشارة إلى هذا الموضوع بالقول: ليست هناك مشكلة سياسية سريعة التأثر بحل مختصر أقل من تلك المشكلة التي تتصل بأنسب عدد لمجلس تشريعي؛ وليس هنالك أية نقطة تختلف فيها سياسة عدد كبير من الولايات أكثر من اختلافها فيها، سواء قمنا بمقارنة مجالسها التمثيلية الواحد منها بالآخر بصورة مباشرة، أو اعتبرنا فيها النسب التي تحملها تلك المجالس إلى عدد الأفراد الذين تمثلهم. وإذا تجاوزنا الفرق بين الولايات الصغرى والأخرى الكبرى مثل ولاية ديلاوير التي يتشكل أكبر فرع تشريعي فيها من 21 ممثلاً، ومساشوسيتس التي يبلغ عدد الممثلين فيها بين 300 – 400، فإن فرقاً كبيراً جداً يمكن ملاحظته بين الولايات المتساوية في عدد السكان تقريباً. إن عدد ممثلي بنسلفانيا (أفراد المجلس التشريعي) ليس أكثر من خُمس العدد المقابل لهم في ولاية مساشوستس. أما ولاية نيويورك التي يشكل سكانها ما نسبته 6: 5 مقارنة بولاية كارولينا الجنوبية فليس لديها إلا أقل قليلاً من ثُلث العدد من الممثلين. ومثل هذا الفرق قائم بين ولايتي جورجيا وديلاوير أو ولاية رود أيلاند. ففي بنسلفانيا لا يشكل الممثلون إلى من يمثلونهم نسبة تزيد عن ممثل واحد لكل 4 أو 5 آلاف مواطن. وفي رود أيلاند تبلغ نسبة أقلها ممثل واحد لكل ألف مواطن. ووفقاً للدستور في جورجيا فإن النسبة يمكن نقلها حتى تغدو ممثلاً واحداً لكل عشرة ناخبين؛ مما يجعلها تفوق أي نسبة في الولايات الأخرى.
هذه ملاحظة. والملاحظة العامة الأخرى التي يمكن إيرادها هي: أن نسبة الممثلين إلى السكان لا يجوز أن تبقى هي نفسها حيث يكون عدد السكان كبيراً وحيث يكون عددهم قليلاً. فلو تم تنظيم الممثلين في فرجينيا على المقياس الذي ينتظمهم في رود أيلاند لبلغ عددهم في الوقت الحاضر أربعماية إلى خمسماية، ولبلغ بعد عشرين أو ثلاثين سنة ألفاً. هذا من جهة، ومن الجهة الأخرى إذا طبقنا النسبة المعمول بها في بنسلفانيا على ولاية ديلاور فإننا نخفض الممثلين في المجلس التشريعي في ديلاوير إلى سبعة أو ثمانية أشخاص. ليس هناك ما هو أكثر خطأً من أن نبني حساباتنا السياسية على مبادئ المحاسبة. نعم، ربما كان ستون أو سبعون رجلاً يعطون قدراً محدداً من السلطة مؤتمنين إلى حد ما أكثر من ستة أو سبعة رجال؛ لكنه لا يترتب على ذلك أن ستمائة أو سبعمائة رجل هم أفضل بالنسبة هذه نفسها. وإذا تابعنا الفرضية إلى ستة آلاف أو سبعة آلاف فإن التعليل بكامله سينعكس مفعوله. والحقيقة هي: في جميع الحالات هناك عدد معين يبدو ضرورياً على الأقل لضمان منافع التشاور الحر والمناقشة، والاحتراز ضد حصول تآلف سهل لأغراض غير حسنة. هذا من جانب، ومن الجانب الآخر يبدو أنه لا بد أن يكون العدد في أقصاه ضمن حد معين، بغية تجنب الفوضى وعدم الاعتدال في حال الجمهور الكبير. والواقع أنه: في جميع المجالس الكبيرة العدد، من أي شخصيات تشكلت، فإن العاطفة لن تفشل في أن تقبض على الصولجان بعد أن تستولي عليه من العقل. وحتى لو كان كل مواطن أثيني هو في حكمة سقراط لظل المجلس في أثينا حين يجتمع مجرد رعاع وغوغاء.
ومن الضروري أيضاً أن نستذكر هنا الملاحظات التي طبقناها على الانتخابات كل سنتين، فالسبب نفسه الذي جعل سلطات الكونغرس المحدودة، والمراقبة على مجلس الولاية التشريعي – تبرز تكراراً أقل للانتخابات مما قد تتطلبه سلامة الجمهور – يفترض أن يكون أعضاء الكونغرس أقل عدداً مما لو كانوا يملكون كامل السلطة التشريعية، ولا يخضعون لأية مراقبة غير القيود العادية على المجالس التشريعية الأخرى.
وبهذه الأفكار العامة في أذهاننا، دعنا نزن الاعتراضات التي ذكرت ضد عدد الأعضاء المقترح لمجلس الممثلين. يقال، في المقام الأول: إن عدداً قليلاً كهذا لا يمكن ائتمانه بصورة سليمة على سلطة من هذا القدر.
إن العدد الذي سوف يتألف منه هذا الفرع من السلطة التشريعية، عند بدء الحكم سيكون 65 شخصاً. وخلال ثلاث سنوات بعد ذلك يجب أن يجري إحصاء عام على أساسه يمكن رفع العدد إلى ممثل واحد لكل ثلاثين ألف مواطن مما يرفع عدد الممثلين إلى 100 ممثل على الأقل ثم إنه خلال كل فترة عشر سنوات يتم تجديد ذلك الإحصاء، وإحداث الزيادات، المستمرة بحسب التحديد المذكور أعلاه. ولو قدّرنا عدد الزنوج في حدود 5/3، لما كان هنالك شك في أن سكان الولايات المتحدة حينذاك سيبلغون ثلاثة ملايين إذا لم يكونوا كذلك الآن، وعند انتهاء الـ 25 سنة، طبقاً للمعدل المحسوب في الزيادة، فإن عدد الممثلين سوف يرتفع إلى مئتين، ثم إلى أربعمائة بعد خمسين سنة. وهذا عدد، أنا أعتبره، سيضع حداً لجميع المخاوف التي تنشأ من صغر عدد المجلس. وأنا أعتبر مفروغاً منه في هذا الموضع ما سأبينه في إجابتي على الاعتراض الرابع بخصوص أن زيادة عدد الممثلين من وقت لآخر سوف تتم بالطريقة التي يذكرها الدستور. وأخذاً بافتراض معاكس دعني الآن أقبل أن لهذا الاعتراض وزناً وأهمية حقيقية. عند ذاك أقول:
إن السؤال الحقيقي الذي يجب الحسم فيه سيكون إذن، هو: هل إن صغر العدد، كترتيب مؤقت، يشكل خطراً على الحرية العامة؟ هل سيكون 65 عضواً لبضع سنوات ومئة أو مئتي عضو لبضع سنوات لاحقة – مستودعاً أميناً لسلطة محدودة تجيد حراسة التشريع للولايات المتحدة؟ عليّ أن أعترف بأنني لا أستطيع إعطاء جواب بالنفي عن هذا السؤال، بدون، أن أحذف أولاً كل انطباع تلقيته فيما يخص العبقرية الحالية لدى الشعب الأمريكي، والتي يفعل روحها المجالس التشريعية في الولايات، والمبادئ المدمجة مع الطبيعة السياسية لكل طبقة من فئات الشعب. وأراني أعجز عن إدراك أن أفراد الشعب الأمريكي بمزاجهم الحالي، أو تحت أية ظروف يمكن أن تقع خلال فترة قليلة، سوف يختارون، الآن – ثم يعيدون الاختيار سنة بعد سنة، 65 رجلاً أو 100 رجل ميالين لأن يصغوا للخيانة أو الطغيان ويتابعوا السير فيها. كما أراني عاجزاً عن تصور أن مجالس تشريع الولايات التي يتوجب أن تحس بدوافع كثيرة للمراقبة، كما تملك وسائل كثيرة لإحباط التشريع الفدرالي – سوف تخفق في التحري عن مؤامرة يدبرها المجلس الفدرالي على حريات مواطنيهم، أو تنهزم فيها. كذلك وبنفس القدر أجدني عاجزاً عن تصور أن هنالك في الوقت الحاضر، أو سيكون بعد وقت قصير، في الولايات المتحدة 65 رجلاً أو مئة رجل بمقدورهم أن يطلبوا من الشعب اختيارهم بصورة عامة، ويرغبون أو يجرؤون خلال فترة زمنية لا تتعدى سنتين، أن يخونوا تلك العهدة الموكولة إليهم. إن أي تغير في الظروف، والوقت، وزيادة سكان بلادنا ربما تطلب نفساً نبوءياً ليعلنه، وأنا لا أدّعي لنفسي مثل هذا النفس. غير أنني، انطلاقاً من الحكم على أساس الظروف التي نشهدها حالياً، ومن الأوضاع المحتملة لتلك الظروف خلال فترة معقولة من الوقت، أصرّح أن حريات أمريكا لا يمكن أن تغدو في خطر من عدد الممثلين الذين يقترحهم الدستور الفدرالي.
من أي ركن يمكن للخطر أن يبرز؟ هل نخشى الذهب الأجنبي؟ إذا كان الذهب الأجنبي يستطيع أن يفسد حكامنا الفدراليين بسهولة ويجعلهم يتصيدون مواطنيهم ويخونونهم، فكيف تم لنا أننا الآن نشكل أمة مستقلة وحرة؟ إن الكونغرس الذي قادنا طوال عهد الثورة كان هيئة أقل في عددها مما سيكون عليه حال من يخلفونهم؛ ولم يكن المواطنون قد اختاروهم، مسئولين أمامهم بصورة ما؛ وإن تم تعيينهم سنة فسنة، ويتم استدعاؤهم عند الحاجة. وعلى كل حال فقد استمروا لمدة ثلاث سنوات، وقبل إقرار البنود الفدرالية لوقت أطول من ذلك. لقد عقدوا مشاوراتهم في ظل حجاب من السرية؛ وكان لديهم وحدهم حق تصريف شئوننا مع الدول الأجنبية؛ كما ظل مسير الحرب بكامله في يدهم، حتى مصير بلدهم أيضاً، وبقدر أكثر مما يؤمل أن يكون عليه الوضع مع ممثلينا في المستقبل. إن عظم الجائزة المهددة وتشوق الحزب الذي خسرها، سيفرضان استعمال وسائل أخرى غير وسيلة القوة وإن لم يتم إلغاء تلك الوسيلة ومع هذا فإننا نعلم من باب الخبرة الحسنة والحظ والممارسة أن ثقة الجمهور لم تتعرض للخيانة، ولا جُرحت طهارة مجالسها الشعبية في هذا الخصوص، حتى من همسات الشتائم.
هل يبرز الخطر المتخوف منه من جانب الفروع الأخرى في الحكومة الفدرالية؟ أين هي الوسيلة التي سيجدها الرئيس، أو الشيوخ، أو كلاهما؟ إن التعويضات المالية على العمل، كما يُفترض، لن تستطيع، دون فساد سابق في مجلس الممثلين، أن تفعل أكثر من الوفاء بأغراض مختلفة عن ذلك اختلافاً كبيراً؛ أما ممتلكاتهم الشخصية؛ ولأنهم جميعاً مواطنون أمريكيون – فستظل عاجزة عن أن تكون مصدر خطر. إذن فالوسيلة الوحيدة التي بمقدورهم أن يمتلكوها تنحصر في بيع الوظائف. فهل يستقر الشك في هذا الموطن؟ يقال لنا أحياناً أن موطن الإفساد هذا سوف يستهلكه الرئيس في إخضاع (شراء) نزاهة مجلس الشيوخ. عندئذ تكون أمانة المجلس الآخر هي الضحية. إن عدم احتمال وجود هذا الاتفاق المرتزق الغادر بين أعضاء عديدين في الحكومة، يرتكزون إلى أسس مغايرة لما تسمح به المبادئ الجمهورية، ويقبلون أن يكونوا مسئولين في الوقت نفسه أمام المجتمع الذي سلمهم أمره – ويكفي وحده بأن يهدئ تلك المخاوف. لكن الدستور، لحسن الحظ قد وفر احترازاً آخر. فأعضاء الكونغرس هؤلاء غير مسموح لهم أن يشغلوا أية وظائف مدنية سيتم إنشاءُها، ولا وظائف يمكن تزاد التعويضات المالية عنها خلال فترة انتخابهم لذلك فإنه لن تكون هناك وظائف تباع للأعضاء القائمين إلا تلك التي قد تشغر بفعل أحداث الطوارئ العادية؛ وافتراض أن هذه الأحداث الطارئة سوف تكون كافية لشراء خفراء الشعب الذين اختارهم أفراد الشعب أنفسهم معناه رفض كل قاعدة يجوز أن تقدر الأحداث على أساسها، واستبدال ذلك بحسد غير محدود وعدم بصيرة بها يغدو كل تعليل أمراً باطلاً. إن أصدقاء الحرية المخلصين الذين يهبون أنفسهم إلى الإفراط في هذه العاطفة لا يعون قدر الأذى والضرر الذي يأتونه تجاه قضيتهم، نعم، إن هناك درجة من الانحلال في الجنس البشري تتطلب درجة معينة من الريبة وعدم الثقة، لكن هناك أيضاً صفات أخرى في الطبيعة البشرية تبرر وجود قدر معين من التقدير والثقة والاطمئنان. إن الحكم الجمهوري يفرض مسبقاً وجود هذه الخصال بدرجة أكبر مما يفرضه أي نمط آخر من الحكم. لو كانت للصور التي رسمناها بفعل الغيرة السياسية لدى بعض الأفراد بيننا شبهاً أميناً للطبيعة البشرية، لكان الاستنتاج الطبيعي إذ ذاك أنه ليس هناك فضيلة كافية بين الناس. لأن يحكموا أنفسهم؛ وأنه لا شئ أقل من سلاسل الطغيان تستطيع أن تكبحهم عن تدمير الواحد منهم الآخر وافتراسه.
بوبليوس

_______________________
- الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 401-406.

العودة للصفحة الرئيسية