الأوراق الفيدرالية

ورقة رقم: 52
جيمس مادسون
James Madison
8 فبراير، 1788


إلى أهالي ولاية نيويورك:
من البحوث التي تتبعناها في الأربع ورقات الأخيرة دعني أمضي إلى فحص أكثر دقة للأقسام المختلفة في الحكومة. وسأبدأ ببحث مجلس ممثلي الشعب.
تتصل النظرة الأولى على هذا القسم من الحكومة بمؤهلات الناخبين ومن ينتخبونهم. أما مؤهلات المنتخبين فيجب أن تكون نفس مؤهلات ناخبي أكبر فرع من فروع الهيئة التشريعية في الولاية. والواقع أن تحديد حق الاقتراع العام لهو بحق البند الرئيسي في الحكم الجمهوري. لذا كان ينبغي على الميثاق أن يحدد ويرسّخ هذا الحق في الدستور. ولو كان قد تركه مفتوحها للتعليمات الموقتة من جانب الكونغرس لكان هذا غير ملائم أبداً، للسبب المذكور آنفاً. ولو أبقاه لحكمة المجالس التشريعية في الولايات لكان غير ملائم أيضاً للسبب ذاته؛ ولسبب إضافي آخر هو أنه كان سيجعله معتمداً أكثر مما ينبغي على حكومات الولايات، ذلك الفرع من الحكومة الفدرالية الذي يتوجب أن يعتمد على الشعب، والشعب فقط. إن إخضاع المؤهلات المختلفة في الولايات المختلفة إلى قاعدة موحدة كان سيكون غير مرض لبعض تلك الولايات كما سيكون عسيراً على الميثاق من ثم يبدو أن الشرط الذي وضعه الميثاق كان أفضل خيار وجده الأعضاء أمامهم وكان يجب أن يكون مرضياً لكل ولاية، لأنه متوائم مع المقياس الذي سبق إقراره أو الذي يمكن أن تقرّه الولاية نفسها. وسيكون أميناً لا يشكل خطراً على الولايات المتحدة، لأنه بحكم كونه مثبتاً في دساتير الولايات، فهو غير قابل للتغيير من قبل حكوماتها، ولا خوف أبداً من أن يغير المواطنون فيها هذا الجزء من دساتيرهم بصورة تختزل حقوقاُ يكفلها لهم الدستور الفدرالي.
أما مؤهلات من سيتم انتخابهم فقد تم تحديدها بصورة اقل عناية وملاءمة من جانب دساتير الولايات. ولكونها في الوقت نفسه أكثر قابلية للانسجام والتوحيد، فقد حصل التفكير فيها بعمق وتم تنظيمها من جانب الميثاق. فعلى ممثل الولايات المتحدة أن يكون قد بلغ 25 سنة من العمر وأن يكون مواطناً في الولايات المتحدة منذ سبع سنوات؛ وأن يكون عند انتخابه مقيماً في الولاية التي يمثلها، وأن يكون وخلال مدة تمثيله غير ملتزم بالخدمة في إحدى وظائف الولايات المتحدة. في ظل هذه الحدود المعقولة ينفتح باب هذا القسم من الحكومة الفدرالية لأية كفاءة من أي صنف، سواء وطنية أو متبناة، سواء كان صاحبها شابا أم شيخاً، ودون أي اعتبار للفقر أو الغنى، ولا لأية حرفة خاصة أو مذهب ديني.
وتقع المدة التي ينتخب لها الممثلون ضمن نظرة ثانية نلقيها على هذا الفرع من الهيئة التشريعية. فمن أجل تقرير ملاءمة هذا البند يجب اعتبار قضيتين اثنتين: أولاً، ما إذا كانت الانتخابات مرة كل سنتين في هذه الحالة شيئاً أمينا؛ وثانياً ما إذا كانت تلك الانتخابات ضرورية أو ذات فائدة.
أولاً: لما كان من الضروري للحرية أن تكون الحكومة بصورة عامة ذات مصلحة مشتركة مع المواطنين فإنه يغدو أساسياً بشكل خاص أن يعتمد فرع الحكومة الذي نبحث موضوعه اعتماداً مباشراً على الشعب، وذا ودّ حميم مع أفراده. ولا ريب أن الانتخابات المتكررة هي المنهج السياسي الوحيد الذي يمكن ضمان ذاك الاعتماد وذلك الود عن طريقه. ولكن، ترى أي درجة معينة من التكرار ضرورية بصورة مطلقة لهذا الغرض!! ذاك ما يبدو وغير خاضع لأي حسابات محدّدة، كما أن الدرجة يجب أن تعتمد على ظروف متنوعة ربما تكون متصلة بها. دعنا نعود إلى الممارسة فنستشيرها، فهي الدليل الذي يجب الاسترشاد به حيثما وقعنا عليه.
إن خطة التمثيل بصفته تعويضاً عن اجتماع المواطنين شخصياً لهو أمر معروف بصورة ناقصة في الأغلب، في السياسة القديمة. لكننا في الأزمة الحديثة فقط نتوقع أن نجد أمثلة نتعلم منها. وحتى هنا ومن أجل أن نتحاشى بحثاً شديد الإبهام والتشعب، يستحسن أن نقصر البحث على أمثلة قليلة نعرفها أفضل من غيرها، وتكون أقرب شبها إلى قضيتنا الخاصة. وأول هيئة ينطبق عليها هذا الوصف هي مجلس العموم في بريطانيا العظمى. والواقع أن تاريخ هذا الفرع من الدستور الإنكليزي، ما قبل تاريخ الماغناكارتا، (لائحة الحقوق العظمى) غامض جداً لا نستفيد منه علماً. بل إن وجوده ذاته بات مثار جدل وتساؤل بين الباحثين السياسيين في المؤسسات الأثرية القديمة، وتذكر أحدث سجلات للتاريخ اللاحق أنه كانت هناك برلمانات تجتمع مرة كل عام، لا أنه كان يجري انتخابها كل سنة. وحتى هذه الجلسات كانت متروكة لمشيئة الملك وحكمته، إلى درجة أنه حصل في ظروف مختلفة أن حدثت انقطاعات خطيرة وطويلة كثيراً ما تحايل فيها طموح الملك. ولعلاج هذا التذمر جئ في عهد الملك شارل الثاني بقانون نص على أن فترة الانقطاع لا يجوز أن تطول أكثر من ثلاث سنوات. وعند اعتلاء الملك ويليام الثالث العرش، بعد أن حدثت ثورة في الحكومة، تمت العودة إلى الموضوع بصورة أكثر جدّية، وتمّ إعلان أن أحد الحقوق الأصيلة للشعب أن تعقد البرلمانات بصورة متكررة. وفي قانون آخر تمّ إقراره بعد بضع سنوات، في أيام الملك نفسه، حصل تغيير لفظة "بصورة متكررة" التي كان يشار بها إلى الفترة المقررة في عهد – شارل الثاني، وهي ثلاث سنوات، وأخضعت اللفظة إلى معنى محدد، حيث تم النص بصراحة على أن برلماناً جديداً يجب أن يدعى خلال ثلاث سنوات على انتهاء عمل البرلمان السابق. وهذا التغيير الأخير من ثلاث إلى سبع سنوات إنما تم إدخاله، كما هو معروف، في بواكير القرن الحالي، بموجب إنذار لمصلحة وراثة آل هانوفر. من هذه الحقائق يبدو أن أكبر تكرار للانتخابات اعتبر ضرورياً في بريطانيا لإبقاء الممثلين على ارتباط بمن يمثلونهم – لا يعدو إعادة الانتخاب كل ثلاث سنوات. وإذا ناقشنا من حيث درجة الحرية المتبقية حتى في انتخابات تتم كل سبع سنوات، وجميع المكونات الشريرة الأخرى في الدستور البرلماني، فلن نرتاب في أن إنقاص الفترة من سبع سنوات إلى ثلاث، مع التعديلات الضرورية الأخرى، سوف توسّع نفوذ المواطنين على ممثليهم بحيث تقنعنا أن الانتخابات كل عامين، في ظل النظام الفدرالي – قد لا تكون خطرة بصورة ما على الاعتماد المطلوب من مجلس ممثلي الشعب على المواطنين.
لقد كان يتم تنظيم الانتخابات بالكليّة في ايرلندا، حتى عهد قريب، بناءً على حكمة صاحب التاج، ونادراً ما أعيدت، إلاّ عند تولي أمير جديد أو حدوث طارئ غير متوقع. فالبرلمان الذي ابتدأ مع تنصيب جورج الثاني استمر قائماً طيلة حكمه، وهي فترة بلغت حوالي 35 سنة. وكان الاعتماد الوحيد للنواب على المواطنين يقتصر على حق الأخيرين في ملء الشواغر المؤقتة بانتخاب أعضاء جدد، وفي حال وقوع حادث جديد ما قد يخلق انتخاباً عاماً من جديد. وكانت قدرة البرلمان الأيرلندي بدوره للحفاظ على حقوق الأفراد، إذا ما توفر الميل إلى ذلك، مقيدة إلى الحد الأقصى من خلال مراقبة وإشراف الملك على الموضوعات التي ناقشها الأعضاء. وفي المدة الأخيرة تم تحطيم هذه القيود إذا لم أكن مخطئاً في معلوماتي، وتم قيام برلمانات تجتمع كل ثماني سنوات. أي أثر يمكن الحصول عليه عن طريق هذا التعديل الجزئي .. هذا أمر يجب تركه للممارسة اللاحقة. إن مثل ايرلندا، من وجهة النظر هذه، لا يلقى إلا نوراً ضئيلاً على الموضوع. وبقدر ما نستطيع أن نصل إلى استنتاج منه، فإن ذلك الاستنتاج لا يعدو أن يكون: لو استطاع شعب ذلك البلد، وفي ظل جميع هذه المساوئ، أن يحتفظ بأية حرية مهما كانت، فإن حسنة انتخابات عامة كل سنتين سوف تضمن للمواطنين كل درجة من الحرية، قد تعتمد على صلة حقة بين ممثليهم وبينهم.
دعنا نقترب في بحثنا أكثر من وطننا نحن، إن مثل ولاياتنا هذه، يوم كانت مستعمرات بريطانية – يستدعي – اهتماماً خاصا، مع أنه مثل معروف جيداً بحيث يستدعي أن يقال عنه القليل القليل. كان مبدأ التمثيل في فرع واحد من فروع التشريع على الأقل أمراً مقرراً في كل واحدة منها. غير أن فترات إجراء الانتخابات كانت مختلفة. فقد تباينت من سنة واحدة إلى سبع سنوات. فهل لدينا أي سبب لأن نستنتج من روح الممثلين وتصرفاتهم، قبل الثورة، أن الانتخابات مرة كل عامين كانت خطيرة على حريات المواطنين أن الروح التي تبدّت في كل مكان عند بدء الكفاح والتي قهرت العقبات في طريق الاستقلال – هي أفضل برهان على أن جزءاً كافياً من الحرية كان متاحاً يتمتع به الجميع بحيث ألهم معنى أن الحرية تسوى ووهب حماساً لتوسيع ذلك الجزء أيضاً. وتصدق هذه الملاحظة بخصوص المستعمرات التي كانت الانتخابات فيها حينذاك أقل تكراراً كما تصدق على الأخرى التي كان الانتخاب فيها أكثر مما سبق. كانت فرجينيا هي المستعمرة التي وقفت قبل غيرها في مقاومة الاغتصابات البرلمانية من قبل بريطانيا العظمى كما كانت أول مستعمرة أيضاً تعتنق، قرار الاستقلال بموجب تشريع عام. وفي فرجينيا على أية حال، إذا كانت معلوماتي صحيحة، كانت الانتخابات في أيام الحكومة السابقة تتم كل سبع سنوات. وأنا أسوق هذا المثال الخاص لا بصفته حجة ذات قيمة خاصة، لأن الأسبقية الزمنية في هذه الأحداث ربما جاءت بالصدفة! ودون أي اهتمام بانتخابات تجري كل سبع سنوات، لأنها إذا ما قورنت بانتخابات أكثر تكراراً فإنها تغدو غير مقبولة؛ لكنّي أسوقها كمجرد برهان، وأتصور أنها برهان ملموس جداً، على أن حريات المواطنين لا تتعرض لأي خطر من انتخابات تجري مرة كل سنتين اثنتين.
والاستنتاج الذي نحصل عليه من ضرب هذه الأمثلة يزداد قوة حين نتذكر حيثيات ثلاثاً. الأولى: أن التشريع الفدرالي سوف يمتلك جزءاً لا أكثر من السلطة التشريعية العليا المخوّلة بكاملها للبرلمان البريطاني؛ والتي، مع استثناءات قليلة، كانت تمارسها المجالس الاستعمارية وسلطة التشريع الأيرلندي وإنها لبديهة مقبولة وراسخة تلك التي تقول: حيث لا تكون هنالك ظروف أخرى تؤثر على الوضع فإنه كلما عظمت السلطة وجب أن تنقص مدة بقائها؛ والعكس صحيح، فكلما ضاقت السلطة كانت إطالة بقائها أكثر أماناً. وفي موضوع ثان وفي مناسبة أخرى أوضحت أن الهيئة التشريعية الفدرالية لن تكون مقيدة باعتمادها على الشعب فحسب كما هي الهيئات التشريعية الأخرى، بل إنها، علاوة على ذلك، ستكون تحت رقابة وإشراف عدة مجالس تشريعية مشتركة بخلاف الهيئات التشريعية الأخرى. وفي المقام الثالث، ليس يمكن عقد مقارنة بين الوسائل التي ستمتلكها الفروع الأطول دواماً في الحكومة الفدرالية لإغراء مجلس الممثلين، إذا كان لدى ذلك الفرع ميل للإغراء، والانحراف عن واجبه تجاه الشعب، وبين وسيلة التأثير على الفرع الجماهيري التي تملكها فروع الحكومة المذكورة آنفاً في الحكومة. لذا فإنه بسلطة أقل للإفساد، لن يتم إغراء الممثلين الفدراليين من جهة وسيخضعون لرقابة مضاعفة من جهة أخرى.
بوبليوس

_______________________
- الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 382-387.

العودة للصفحة الرئيسية