الأوراق الفيدرالية

ورقة رقم: 43
جيمس مادسون
James Madison
23 يناير، 1788


إلى أهالي ولاية نيويورك:
والفئة الرابعة من الصلاحيات تشمل السلطات المتنوعة التالية:
1- صلاحية "تنمية التقدم في مجال العلوم والفنون النافعة عن طريق الضمان، ولو لفترة محدودة، لحقوق المؤلفين والمخترعين الكاملة في مؤلفاتهم واكتشافاتهم".
إن فائدة هذه السلطة في غير حاجة لأن تناقش. فلقد تم الحفاظ على حقوق المؤلفين بكل صرامة في بريطانيا بصفتها حقاً في القانون العام للبلاد. ويبدو لنفس السبب أن حق الاستفادة من الاختراعات ذات الفائدة يعود إلى ملكية المخترع. وفي كلتا الحالتين تنطبق المصلحة العامة مع مطالب الأفراد. وليس بمقدور الولايات بصفة فردية أن توفر شروطاً فعّالة لأي من تلكما الحالتين، بل إن معظم الولايات قد استبقت اتخاذ قرار اتحادي بهذا الخصوص عن طريق وضع قوانين وافق عليها كونغرس الولاية ذاتها.
2- "ممارسة حكومة الاتحاد حق التشريع الشامل، في جميع الحالات مهما كانت، على نطاق (لا يتجاوز عشرة أميال مربعة) أو يقرره اجتماع ولايات خاصة ويوافق عليه الكونغرس، بصفة ذلك النطاق مقراً لحكومة (الإدارة) الولايات المتحدة؛ وممارسة سلطة مماثلة على جميع الأمكنة التي يتم شراؤها في أراضي الولايات، بموافقة الكونغرس، لأغراض بناء الحصون والمستودعات ودور الصناعة وأحواض بناء السفن والأبنية الأخرى المشابهة التي تستدعيها الحاجة".
إن الحاجة التي لا غنى عنها إلى السلطة الكاملة على مقر الحكومة (الإدارة) حاجة تحمل في ذاتها برهاناً كافياً على ضرورتها. وهي سلطة تمارسها كل هيئة تشريعية في الاتحاد، بل في العالم كله بالأحرى، بحكم سيادتها العامة. وبدونها تكون سلطة الشعب معرضة للإهانة وإجراءاتها عرضة للإبطال بفعل الحصانة. ليس هذا فحسب، بل إن عدم استقلالية أعضاء الإدارة العامة في الولاية التي تضم مقر حكومة الاتحاد، لحمايتهم عند القيام بواجبهم – قد يولّد للمجالس الوطنية شعوراً بعدم الحصانة جراء خشيتهم من التأثير غير المشرّف لحكومة الاتحاد وهو أيضاً غير مرضٍ لأعضاء الاتحاد الآخرين. إن لهذا الاعتبار الوزن الأكبر، نظراً لأن التعاظم التدريجي للتحسينات العامة على المقر الدائم للحكومة سيكون شيئاً أكبر بكثير من جعل المقر رهناً في يدي ولاية بمفردها، كما أنه سيخلق عقبات عديدة في حال نقل مقر الحكومة، كما يقلّل إلى درجة كبيرة من استقلال حكومة الاتحاد الضروري. إن نطاق هذه المنطقة الفدرالية قد حُدد بصورة ترضي مشاعر الغيرة الطبيعية لدى المعارضين. ولما كان النطاق سيخصص لهذا الاستخدام بموافقة الولاية التي تسمح به؛ ولما كانت الولاية لا شك ستشترط في الاتفاق على المنح ضمان حقوق المواطنين القاطنين فيها وموافقتهم؛ ولمّا كان المواطنون سيجدون إغراءات كافية لأن يكونوا شركاء راغبين في منح ذلك النطاق؛ إذ أن لهم صوتهم في انتخاب الحكومة التي ستمارس السلطة عليهم بصفتها هيئة تشريعية تخدم الأغراض المحلية، النابعة من الاقتراع العام – فإنهم بطبيعة الحال سيوافقون لها على منح ذلك. فبصفتها الهيئة التشريعية في الولاية، وللقاطنين في النطاق الممنوح، فإنها ستوافق على المنح لكونه ينبع من رغبة جمهور أهل الولاية في تبنّي الدستور. وعلى هذا فإن كل اعتراض يمكن تصوّره يسقط بفعل ذلك.
وليست الحاجة إلى سلطة مشابهة على القلاع والمستودعات الخ.. التي تنشئها حكومة الاتحاد اقل وضوحاً من بقيتها. فالأموال العامة التي تنفق على تلك الأمكنة، والممتلكات العامة المرصودة لها، تتطلب أن تكون تلك الأماكن بمنجاة من سلطة أية ولاية. ولن يكون في صالح الأمكنة أن يكون ضمان سلامة مثل تلك الأماكن الضرورية لسلامة الاتحاد معتمداً، بأية درجة، على عضو بعينه من أعضاء الاتحاد. إن جميع الاعتراضات والشكوك في هذا الموضع تسقط أيضاً لأن المطلوب هو اتفاق الولايات المعنية في حال إنشاء كل مكان بمفرده.
3- صلاحية "إعلان معاقبة من يقترف الخيانة على أن لا يجرد من حقوقه المدنية، ولا أن يتعدى ذلك إلى نسله أو تغريمه إلا في أثناء حياته".
لما كانت الخيانة قد تقترف ضد الولايات المتحدة، فإن سلطة الاتحاد يجب أن تعطي حق المعاقبة عليها. ولكن لما كانت أنماط خيانات جديدة واصطناعية هي الوسائط التي عن طريقها مارست الأحزاب الداعية إلى العنف، والتي هي النتاج الطبيعي للحكم الحر – خبثها وشرورها المتبادلة واحداً على الآخر، فإن المؤتمر الاتحادي، حكمةً منه، قد عارض كل عقبة تقف في طريق هذا الخطر، بوضعه تعريفاً دستورياً للجريمة، كما أنه عين البرهان الضروري لإثبات الإدانة، وكبح سلطة الكونغرس، حتى في المعاقبة عليها، بأن جعل العقوبة مقصورة على شخص من يقترفها.
4- حق "قبول انضمام ولايات جديدة إلى الاتحاد؛ شرط ألاّ تتشكل أية ولاية (جديدة) ضمن حدود السلطة القضائية لأية ولاية أخرى؛ ولا تتشكل أية ولاية بدمج ولايتين أخريتين أو أكثر، أو تجميع أقسام من ولايات، دون موافقة المجلس التشريعي في الولايات ذات العلاقة، وموافقة الكونغرس أيضاً".
في بنود اتفاقية الاتحاد، ليس هناك نص يغطي هذا الموضوع المهم. وكان المقصود هو السماح بقبول كندا، شرط أن تنضم إلى إجراءات وقوانين الولايات المتحدة؛ أما المستعمرات الأخرى، والتي يُقصد بها المستعمرات البريطانية الأخرى فهي في حاجة إلى موافقة تسع ولايات. ويبدو أن إنشاء ولايات جديدة بين فينة وأخرى أمر تطلع إليه أولئك الذين وضعوا هذه الآلية. وقد لاحظنا عدم مناسبة حذف ذلك التطلع، وافتراض الصلاحية التي قيد الكونغرس بواسطتها. من ثم، وبقدر كبير من اللياقة، يمكن القول بأن النظام الجديد قد سدّ النقص السابق. فالاحتراز العام من أنه لن تتشكل ولايات جديدة دون حصول موافقة السلطة الفدرالية؛ والولايات التي يتعلق بها الأمر يتفق كل الاتفاق مع المبادئ التي تحكم مثل هذه المعاملات (الصفقات)؛ والاحتراز الخاص ضد إنشاء ولايات جديدة عن طريق تقسيم ولاية دون موافقة من طرفها – تهدّئ من غيرة الولايات الكبيرة؛ كما تتم تهدئة خاطر الولايات الصغرى بفضل احتراز مماثل ضد إنشاء ولايات جديدة عن طريق ضم أو دمج ولايات سابقة دون موافقة من طرفها.
5- "إصدار ووضع جميع القواعد والتنظيمات الضرورية فيما يخص الأرض أو الممتلكات الأخرى العائدة إلى الولايات المتحدة، شريطة ألا يُفهم أي شئ من الدستور على أنه تحامل أو تهديد لأية مطالب من جانب الاتحاد أو لأي مطلب معين من أي ولاية".
هذه سلطة ذات أهمية كبيرة جداً، استدعتها اعتبارات شبيهة بتلك التي تبيّن كون الاعتبارات السابقة اعتبارات مناسبة. والاشتراط الملحق بها مناسب في ذاته، ولربما إن ما جعله ضرورياً هو مشاعر الحسد والتساؤلات المتعلقة بالمناطق الغربية والتي يعرفها المواطنون جيداً.
6- صلاحية "أن يضمن (الدستور) لكل ولاية في الاتحاد شكلاً جمهورياً في الحكم؛ وأن يحمي كلاً منها ضد الغزو؛ وعند تطبيق أوامر الهيئة التشريعية أو الهيئة التنفيذية، (إذا تعذر اجتماع الهيئة التشريعية) يحميها ضد العنف المحلّي (من ولاية ضد أخرى).
في أية كونفدرالية تقوم على مبادئ جمهورية، وتتشكل من أعضاء جمهوريتين، لا بد أن تملك الحكومة المشرفة السلطة اللازمة لحماية النظام ضد أي بدعة أرستقراطية أو تحايل له صفة الملكية. وكلما كانت طبيعة ذلك الاتحاد طبيعة حميمية زادت الفائدة العائدة على كل عضو فيه، وتعاظم الاهتمام الذي تبديه كل مؤسسة سياسية في كل عضو من أعضاء ذلك الاتحاد، كما تعاظم الحق في الإصرار على أن أشكال الحكم التي بموجبها تم الدخول في الاتحاد مصونة تماماً. بيد أن هذا الحق ينطوي على طريقة للعلاج، وهل هناك أي مكان يُختزن فيه العلاج أفضل من أن يكون في صلب الدستور؟ إن الحكومات ذات المبادئ والأشكال المشابهة قد أقيمت على أسس أقل تكيّفاً لائتلاف فدرالي من أي صنف من تلك الحكومات التي طبيعتها أقرب إلى اتحاد ما. وها هو المفكر الكبير مونتسكيو يقول: "لما كانت جمهورية ألمانيا الكونفدرالية تتشكل من مدن مستقلة وولايات صغيرة، خاضعة لأمراء مختلفين، فإن الواقع يُظهر لنا أنها أقل كمالاً كونفدرالياً من نظرائها في هولندا أو سويسرا. ثم يستطرد مضيفاً: لقد تحطم اتحاد الإغريق بمجرد أن حصل ملك مقدونيا على مقعد له في اتحاد أمفكتيون. وفي الحالة الأخيرة هذه لا شك أن القوة غير المتناسبة والشكل الملكي في الكونفدرالية الجديدة كان لهما نصيبهما في التأثير على مجرى الحوادث التي تلت". وهنا يجوز أن يطرح السؤال: ما الحاجة التي قد تبرز لمثل هذا الاحتراز، وهل سيغدو ذلك مجرد استباق لإجراء تعديلات سوف تتلو في حكومات الولايات دون اتفاق على ذلك مع الولايات نفسها. إن هذه الأسئلة تسمح بإجابات سريعة لها على الفور. إذا كان تدخل الحكومة العامة (الاتحاد) غير ضروري، فإن اشتراط مثل ذلك الحادث يغدو مجرد إطناب غير ضار في الدستور لا أكثر. لكن، ترى من يستطيع أن يعرف أية محاولات يمكن أن تنشأ (تتولد) من أطماع ولايات خاصة، بفضل طموح قادة مغامرين فيها، أو جرّاء مكايد الدول الأجنبية ونفوذها؟ يمكن الإجابة عن السؤال الثاني بالقول إنه إذا تدخلت حكومة الاتحاد بموجب هذه الصلاحية الدستورية، فستكون بطبيعة الحال ملتزمة بممارسة تلك الصلاحية. لكن صلاحيتها أو سلطتها لا تمتد إلى أبعد من ضمان شكل جمهوري في الحكم، وهذا يفترض وجود حكم قائم من النوع الذي يجب ضمان استمراره. ومن ثم، فإنه طالما استمرت المحافظة على هذه الأنماط الجمهورية من الحكم من قبل الولايات، فإنها مضمونة بموجب الدستور الفدرالي. وحينما تختار أي من الولايات أن تستبدل النمط الجمهوري فيها، فإن لها الحق في أن تفعل ذلك، وأن تطلب الضمان الفدرالي للنمط الجديد. عن القيد الوحيد المفروض عليها آنذاك هو ألا تغيّر الدستور الجمهوري إلى دستور لا جمهوري؛ وهو قيد يُفترض ألا يكون موضعاً للتذمر أبدا.
إن الحماية ضد العدوان بالغزو حق يتمتع به كل مجتمع، وواجب عليه تجاه كل جزء من أجزائه التي تشكله. أما توسيع مدى العبارة المستعملة هنا فإنما تم لجعلها تضمن سلامة كل ولاية، لا ضد العدوان الأجنبي فحسب، بل حتى ضد المغامرات الطموحة أو الشريرة من جاراتها الأقوى منها، وتاريخ الكونفدراليات القديمة والحديثة على السواء يُثبت أن الأعضاء الأضعف في الاتحاد يجب ألا يكونوا شديدي الحساسية تجاه تطبيق هذا البند في اتفاقية الاتحاد.
والحماية ضد العنف من الداخل تلقى قدراً مناسباً أيضاً. فقد لوحظ أنه حتى بين الكانتونات السويسرية، والتي يمكن القول عنها أنه ليست مدموجة ضمن حكومة قد تم توفير هذه الحماية. ويُنبؤنا تاريخ عصبة الكانتونات هذه أنه كثيراً ما ينشد واحد من تلك الكانتونات المساعدة المتبادلة فتقدمها لها الكانتونات الأخرى، يحصل ذلك بين أكثر الكانتونات ديمقراطية وبين الكانتونات الأخرى. وقد حملت واقعة حديثة ومشهورة حدثت في اتحادنا تحذيراً كافياً إلى أنه من الضروري الاستعداد لمجابهة أحداث طارئة من ذلك النوع.
وقد يبدو للوهلة الأولى أنه ليس مما ينسجم مع النظرية الجمهورية افتراض أنه ليس للأغلبية الحق، أو للأقلية القدرة والقوة لقلب الحكومة؛ وبالتالي فإن التدخل الفيدرالي لن يكون مطلوباً أبداً إلا حين تكون الفدرالية غير سليمة. لكن التعليل النظري في هذه الحالة، كما في الحالات الأخرى، يجب أن يستند إلى عظات الواقع العملي. لماذا لا يُحتمل أن تتشكل ارتباطات صريحة، ولأغراض العنف، من قبل الأكثرية في ولاية ما وخاصة ولاية صغيرة، أو تتشكل من قبل الأكثرية في البلاد أو في مقاطعة في الولاية ذاتها؛ وإذا كانت سلطة الولاية في الحالة الأخيرة يجب أن تحمي الموظفين والإدارة المحلية فهل لا يجب على السلطة الفدرالية في الحالة السابقة أن تساند سلطة الولاية؟ هذا علاوة عن أن هنالك أقساماً معينة من دساتير للولايات متداخلة تماماً مع الدستور الفدرالي ومتفقة على أنه لا يمكن توجيه ضربة عنيفة إلى أحدهما دون أن يترك ذلك جرحاً لدى الآخر. فالاضطرابات في ولاية ما نادراً ما تدفع إلى تدخّل فدرالي، إلاّ إذا كان عدد الأفراد الذين تمسّهم ذا نسبة كبيرة من حكومة ولاية صديقة. وسيكون من الأفضل كثيراً أن يتم قمع العنف في مثل تلك الحالات تحت إشراف سلطة تتولى ذلك، وهو خير من أن تترك الأكثرية لمعالجة قضيتها عن طريق الصراع الدموي والعنيد. إن وجود حق التدخل سوف يمنع بصورة عامة الحاجة إلى اللجوء إليه.
هل صحيح أن القوة والحق بالضرورة يقفان في جانب واحد في الحكم الجمهوري؟ ألا يجوز أن يمتلك الحزب الأقل عدداً تفوقاً في القدرة المالية، أو الموهبة العسكرية والخبرة، أو موارد سرية من الدول الأجنبية بحيث يجعله ذلك أقدر على اللجوء إلى السيف؟ ألا يمكن أن يقلب الكفة موقف يكون أكثر تماسكاً ومواتاةً في ذلك الجانب فيرجح على تفوق عددي لكنه غير منظّم، ذو قدرة أقل على الاستعداد لبذل جهد فوري يتم تجميعه لإسناده؟ ليس هنالك أكثر مخادعة من أن نتصور أن النصر عند تجربة القوة الحقيقية يمكن إحرازه بعد وضع حساباته طبقاً للقواعد المتعارف عليها من حيث إحصاء عدد السكان أو ما يحسم الأمر عند الانتخاب! ألا يمكن أن يحدث، بصورة ما أن أقلية من المواطنين قد تنقلب أكثرية في الأفراد، عن طريق إدخال المقيمين الغرباء لظروف عرضية أو ظروف يتيحها دستور الولاية ولا تتيح توسيع حق الاقتراع؟ إنني لا أضيع اعتباراً هنا لنوع من السكان غير المستقر ولا سعيد لكنه متوفر بكثرة في بعض الولايات، وهو نوع تضبطه الحكومة النظامية خلال الاستقرار، لكنه يهبط إلى دون مستوى الرجال حين تهيج العاصفة ويتم اللجوء إلى العنف المدني، حيث تبرز الطبيعة الإنسانية فيه ويمنح تفوقاً في القوة للفريق الذي يربط نفسه به.
وفي الحالات التي يُشك فيها إلى أي جانب يقف صف العدالة، هل هناك محكّمون يمكن التطلع إليهم من قبل الفريقين العنيفين اللذين يهبّان إلى السلاح ويمزقان الولاية أجزاء أفضل من ممثلي ولايات مندمجة لا تحمي رؤوسهم بتأثير النزاعات المحلية!! فإلى جانب عدم تحيز القضاة سوف يضم هؤلاء المحكمون شعوراً بود الأصدقاء. وما أحلى أن يتم توفير هذا العلاج لأوجاع قد تواجهها جميع الحكومات الحرة؛ إذا تم إنشاء مؤسسة متوازنة تخدم السلم الشامل للجنس البشري كله!
وإذا ما وجّه سؤال: ما هو العلاج لاضطرابات تشبّ حتى تشمل جميع الولايات ويكون لها تفوق في جميع مجالات القوى، دون حق دستوري إلى جانبها؟ والجواب في تلك الحالة هو أن الوضع آنذاك سيكون خارج نطاق العلاج وطاقة البشر، كما أنه ولحسن الحظ لا يقع ضمن احتمالات الناس. كذلك سيكون حسنة كافية لصالح الدستور الفدرالي أنه سوف يقلل خطر الكوارث التي قد يقدم لها الدستور علاجاً ما.
إن بين حسنات الجمهورية التي يذكرها مونتسكيو حسنة مهمة جداً، فهو يقول: "أما إذا نشبت اضطرابات عامة في إحدى الولايات فإن الولايات الأخرى تستطيع إخماد نارها. وإذا وقع أي سوء استعمال فإن الولايات الأخرى تبقى سليمة وتقوم بإصلاح تلك الأخطاء والمساوئ".
7- "اعتبار جميع الديون المتعاقد عليها والارتباطات التي سبق الدخول فيها قبل تبنّي هذا الدستور قائمة وصحيحة من طرف الولايات المتحدة القابلة لهذا الدستور قدر نفاذها بموجب وثيقة الاتحاد".
يمكن اعتبار هذا فقط بمثابة اقتراح للاعتراف، ولربما دعا إلى إدخاله من بين أسباب أخرى السعي لإرضاء دائني الولايات المتحدة الأجانب، والذين لا يمكن أن يجهلوا القاعدة المتعارف عليها والقائلة بأن التغير في الشكل السياسي لمجتمع مدني ما يؤثر بصورة سحرية في فك ذلك المجتمع من التزاماته وتعهداته المعنوية السابقة.
ومن بين الانتقادات الأقل أهمية التي وُجهت إلى الدستور، أشار بعضهم على أنه كان يجب التأكيد على الارتباطات لصالح الولايات المتحدة، قدر التأكيد على صالح غيرها؛ وبالروح التي يتصف بها النقاد الصغار، تم تحويل حذف ذلك وتضخيمه وجعله مؤامرة تحبك ضد الحقوق الوطنية. ويمكن الرد على ملفقي هذا الاكتشاف وذكر ما يجب إبلاغه إلى عدد قليل من غيرهم بأنه مادامت الارتباطات بطبيعتها ارتباطات متبادلة، فإن التأكيد على نفاذها وسريانها من طرف يتضمن ضرورة نفاذها وسريانها من الطرف الآخر؛ وأنه لما كان البند المنصوص عليه ههنا مجرد إعلان اعتراف، فإن ذكر المبدأ في حالة واحدة يجعله كافياً للتطبيق في جميع الحالات الأخرى. كذلك يمكن إبلاغهم أن من واجب كل دستور أن يحدد احترازاته ضد الأخطار التي ليست كلها أخطاراً وهمية، وأنه ليس هناك خطر حقيقي يمكن أن يبرز كأن تجرؤ أية حكومة، حتى دون إعلان دستوري منصوص عليه – على أن تلغي الديون المستحقة لصالح المواطنين استناداً منها على السابقة المرفوضة أعلاه.
8- "توفير اللازم للتعديلات التي ستجري ويتم إقرارها من قبل ثلاثة أرباع الولايات إلا في حال استثناءين فقط".
وهذا يعني إمكان حدوث تغييرات مفيدة سوف يتم اقتراحها بموجب ما تفرض استشفافه الممارسة الواقعية، ولذا كان المطلوب هو الإتيان بطريقة أو أسلوب يمهد لتلك التغييرات. ويبدو أن الأسلوب الذي فضله أعضاء المؤتمر يتصف باللياقة والمناسبة في كل صغيرة وكبيرة فيه. فهو يوازن، نائياً بقدر متساو عن التساهل المفرط، الذي من شأنه أن يجعل الدستور متقلباً ضائعاً أكثر مما ينبغي، وعن اليباسة المفرطة التي ترسّخ الأخطاء التي تم اكتشافها فيه. هذا علاوة عن أنه، وبقدر متساو، ييسّر على الإدارة العامة وإدارات الولايات إبراز رغبتها في تعديل الأخطاء، حين يتم تبنيها بفعل الممارسة الفعلية من جانب، أو تتكشف من الجانب الآخر. إن الاستثناء لصالح المساواة في الاقتراع في مجلس الشيوخ ربما كان هو المقصود بصفته إلهة واقية للسيادة الثابتة للولايات، المتضمنة والمصونة بموجب مبدأ التمثيل في فرع واحد من التشريع، ولربما أنه تم الإصرار على ذلك من قبل الولايات ذات العلاقة بصورة خاصة بتلك المساواة. ولابد أن الاستثناء الثاني قد تم القبول به على أساس الاعتبارات نفسها التي خلقت الامتياز الذي حماها.
9- "إن إقرار مجالس 9 ولايات سيكون كافياً لجعل هذا الدستور معترفاً به بين الولايات التي تقرّ مثله".
وهذا البند يحمي نفسه بنفسه. فالسلطة المقصورة على الشعب وحده، هي التي تستطيع أن تمنح القوة الضرورية اللازمة للدستور. ولو طُلب إقراره بالإجماع من قبل الولايات الثلاث عشرة لكان ذلك يعني إخضاع المصالح الأساسية للمجموع إلى الجشع أو الفساد الذي قد يمارسه عضو واحد (أو ولاية واحدة). عند ذاك يتبدّى نقص في بعد النظر عند المؤتمرين، وستجعله خبرتنا والممارسة في تلك الحال أمراً يغدو الاعتذار بخصوصه غير مقبول.
وبهذه المناسبة يطرح سؤالان ذو طبيعة حساسة نفسيهما في هذا الموقف.
1- على أساس أي مبدأ يمكن تسيير الاتحاد، الذي يقف في صورة صامدة وراسخة تجاه الولايات، دون الحصول على إجماع عام من قبل الأطراف الداخلة فيه؟
2- أية علاقة ستقوم ما بين التسع ولايات أو أكثر التي أقرّت دستور الاتحاد، وبضع الولايات المتبقية التي لن تدخل فيه في المستقبل؟
أما السؤال الأول فيمكن الإجابة عنه على الفور بالرجوع إلى الضرورة الماسّة للوضع؛ إلى المبدأ العظيم في "حفظ الذات"، وإلى القانون العرضي للطبيعة، وإله الطبيعة، ذلك القانون الذي يعلن صراحة أن سلامة المجتمع وسعادته هي الهدف الذي تنشده جميع المؤسسات السياسية والذي من أجله يضحي بكل شئ. ويجوز أيضاً، إعطاء إجابة دون التعمق والرجوع إلى ابعد من مبادئ التجمع (الاتحاد) نفسها. ولذا فقط لوحظ من قبل أكثر من ولاية واحدة أن العيوب القائمة في الدستور قد جعلته لا يحظى بالموافقة عليه وإقراره في عدة ولايات بأكثر من اعتبار ذلك مجرد إمضاء له بصفته تشريعاً لا أكثر. ويبدو أن مبدأ التبادل يتطلب أن يكون إلزام الولايات الأخرى به سوف يكون على نفس المستوى. إن ميثاقاً يُعقد بين سيادات متساوية، ويكون أساسه السلطة التشريعية وحدها لا ينشأ عنه نفاذ أكبر من كونه معاهدة أو جامعة تضم الفريقين المتعاقدين في ذلك الميثاق. وإنها لقاعدة راسخة في حال المعاهدات أن جميع البنود المنصوص عليها هي شروط من الطرف الواحد على الطرف الآخر؛ وأن الإخلال بأي بند منها يُعد إخلالاً بالمعاهدة كلها. وأن عدم الالتزام من جانب أي من الطرفين يحل الطرف الآخر أو الأطراف الأخرى، ويخوّلها إذا ما رغبت اعتبار المعاهدة ملغاة وباطلة. فإذا ما ظهر لسوء الحظ أنه من الضروري الرجوع إلى هذه الحقائق الدقيقة بغية تبرير الانفكاك من موافقة ولايات معينة لحل الاتفاقية الفدرالية، أفلن تجد الأطراف المتذمرة صعباً عليها أن تجيب عن التجاوزات الكثيرة والمهمة التي قد تواجهها؟ لقد مضى الوقت الذي كان ينبغي فيه علينا جميعاً حجب الأفكار التي تعرضها هذه الفقرة من الدستور. فقد تغير المشهد الآن، ومع تغيره تغير القسم الذي كانت تمليه تلك الدوافع آنذاك.
وليس السؤال الثاني أقل أهمية ولا حسّاسية من سابقه؛ وإن كان المظهر الخادع الذي ينطوي عليه كونه مجرد افتراض يمنعنا من مناقشته بأكثر مما ينبغي. إنه واحدة من تلك القضايا التي يتوجب تركها تدافع عن نفسها. وعلى وجه العموم، يمكن ملاحظة أنه رغم عدم وجود علاقة سياسية بين تلك الولايات الموافقة والأخرى الرافضة، فإن الصلات المعنوية والأدبية ستظل موجودة قائمة. فمطالب العدالة من هذا الطرف أو ذاك على السواء ستظل تفعل فعلها، ويتوجب الوفاء بها؛ إن حقوق الإنسان في جميع الحالات يجب أن تحترم بحق. كما أن اعتبارات المصلحة العامة، وفوق كل ذلك، تذكر المشاعر الودية التي مضت أيامها، وتعجل الانتصار على العقبات التي تعترض العودة إلى الاتحاد – كل هذه لن تفشل في الحث على الاعتدال من جانب وكما لن تخفق الحكمة.
بوبليوس

_______________________
- الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 314-325.

العودة للصفحة الرئيسية