الأوراق الفيدرالية

ورقة رقم: 41
جيمس مادسون
James Madison
19 يناير، 1788


إلى أهالي ولاية نيويورك:
يمكن بحث الدستور الذي يقترحه المؤتمرون من حيث وجهتي نظر رئيسيتين. الأولى تتعلق بقدر أو كمية السلطة التي يمنحها للحكومة، بما في ذلك القيود المفروضة على الولايات، والثانية تتعلق بالنية الخاصة للحكومة وتوزيع سلطاتها على الفروع والمجالات المتعددة فيها.
ومن حيث وجهة النظر الأولى لموضوع يبرز سؤالان مهمان: الأول، هل إن أي جزء من السلطات المنقولة إلى الحكومة هو غير ضروري أو غير مناسب؟ والثاني، هل تشكل تلك السلطات جميعاً خطر على ذلك القدر من التشريع المتروك في يدي عدد من الولايات؟ هل إن جماع سلطة الحكومة العامة هي أكثر مما يجب أن تتمتع به؟ ذاك هو السؤال الأول.
ما كان ليفوت أولئك الذين تابعوا بطيب نيّة تلك المناقشات التي أبرزت ضد السلطات الواسعة للحكومة أن المشاركين في المناقشة كادوا يغفلون حساب المدى الذي كانت إليه تلك السلطات وسيلة ضرورية لبلوغ الهدف الضروري المنشود. لقد فضلوا، بالأحرى، أن يركزوا على المساوئ التي لا بدّ ان تختلط بجميع الحسنات السياسية في الدستور؛ وعلى سوء الاستخدام المحتمل الذي لابد أن يرافق أية سلطة أو أية ثقة يمكن تسخيرها للمنفعة الشخصية. إن هذه الطريقة في تناول الموضوع ومعالجته لا تفترض وجود النية الطيبة لدى المواطنين الأمريكيين. إنها قد تظهر حذق الكاتب ودقة لحظه؛ وقد تفتح مجالاً لا حدّ له للبلاغة والتشهير، بل إنها قد تلهب المشاعر لدى البسطاء غير أهل الفكر وترسّخ الأحقاد عند الذين يفكرون بطريقة خطأ؛ أما أهل الرزانة والطيبون فإنهم سرعان ما يدركون أن أنقى النوايا وأخلص البركات عند البشر لا بد أن يشوبها شئ من الخبث، وانه يجب أن يتم الاختيار على الدوام، إن لم يكن لصالح الأقل سوءاً، فلصالح الأكثر خيراً، إن تعذّر توفر الخير بكامله. وهم يدركون أنه في أي مؤسسة سياسية، تكون القدرة على التصديّ لمحاولة إسعاد الناس عامة أمراً ينطوي على اختيار صائب قد يُساء تطبيقه ويستخدم لغير ما وُضع له. ولهذا، فإنهم سوف يدركون أيضاً، أنه في جميع الأحوال التي يتم فيها منح السلطة، تكون النقطة الأولى التي يجب أن يتم حسمها هي: هل إن تلك السلطة ضرورية لصالح الخير العام؛ كما تكون النقطة الثانية إذا جاء القرار الأول بالإيجاب، هي الاحتراس قدر الإمكان من قلب تلك السلطة إلى عنصر مخرّب للصالح العام.
من أجل تكوين رأي سليم بصدد هذا الموضوع أرى من الأنسب لنا أن نتفحص السلطات الكثيرة الممنوحة لحكومة الاتحاد؛ وأن نتبصر فيما إذا كان يمكن معالجة هذا الأمر بصورة أفضل لو وزعنا تلك السلطات حسب الموضوعات التالية ذات العلاقة
1- الأمان ضد الخطر الخارجي؛
2- تنظيم التخاطب مع الدول الأجنبية؛
3- الحفاظ على الانسجام والتواصل المناسب فيما بين الولايات؛
4- أشياء متنوعة تعود بالنفع على الجميع؛
5- ضبط النفس لدى الولايات من الإقدام على أعمال تعود بالضرر والأذى على غيرها؛
6- شروط تيسر فعالية وأنشطة جميع هذه السلطات.
فالسلطات الواقعة ضمن الفئة الأول هي صلاحية إعلان الحرب وإصدار اعتمادات الماركات؛ وتجهيز اللوازم للجيوش والأساطيل؛ وتنظيم واستدعاء الميليشيات وجمع المال والاقتراض إذا لزم. ونحن نعلم أن ضمان السلامة ضد الخطر الخارجي هو أحد الأهداف الأولية لأي مجتمع مدني. إنه هدف يتم القسم عليه وهدف أساسي في الاتحاد في أمريكا. ولا غنى عن منح السلطة المتطلبة للحصول عليه إلى المجالس الفدرالية.
هل إن صلاحية إعلان الحرب ضرورية؟ لن يجيب أحد عن ذلك السؤال بالنفي. إذن، فمن نافلة القول الدخول في محاولة إثبات الإيجاب. والاتحاد القائم ينشئ هذه السلطة بأوفر شكل وأوسعه. هل إن صلاحية تعبئة الجيوش وتسليح الأسطول ضرورية؟ ذاك داخل ضمناً في السلطة القائمة. فهو ضمن حق الدفاع عن النفس.
لكن، هل كان من الضروري منح سلطة غير محددة في تعبئة الجيوش وتجهيز الأسطول وإبقاء ذلك في حال السلم كما في حال الحرب؟
لقد تم استباق الإجابة عن هذه الأسئلة في موضع آخر1 لا يسمح ببحث مستفيض لها في هذا الموضع. فالجواب واضح وشامل بحيث لا يبرر إعادة بحث الموضوع في أي موضع. فبأي سمة من اللياقة يجوز أن يتم تقييد حدود القوة الضرورية للدفاع عن البلاد من جانب أولئك الذين ليس بمقدورهم تقييد قوة العدوان؟ إذا كان بوسع الدستور الفدرالي أن يُلجم طموح الآخرين أو يضع قيوداً للجهود التي تبذلها الدول الأخرى .. عند ذاك يكون من الحكمة فيه أن يُلجم تقدير حكومته بصدد الجهود التي تبذلها لضمان سلامتها.
كيف يمكن منع الاستعداد لحرب في أيام السلم بأمان، ما لم نستطع بالطريقة نفسها منع نظير ذلك الاستعداد عند المؤسسات المماثلة لدى كل دولة معادية؟ إن وسيلة الأمان يمكن تحديدها فقط تبعاً لوسيلة العدوان وخطر مباشرة الهجوم. ولن يتم الحسم في ذلك الأمر، في الواقع، إلا وفق هذه القواعد لا أية قاعدة غيرها. فمن العبث أن نخلق عقبات دستورية قبالة الشعور بضرورة الحفاظ على الذات. بل إنه أسوأ من العبث؛ لأن ذلك يزرع في حقل الدستور نفسه محاولات لاغتصاب السلطة، وكل سابقة منها ستكون جرثومة لتكرارها بشكل أوسع، وهو أمر لا حاجة لنا به. إذا كان هناك دولة دولة واحدة تحتفظ بجيش نظامي، يكون مستعداً بصورة دائمة لخدمة مطامحها أو الانتقام لها، فإن ذلك يجبر جميع الدول الأعظم ميلاً إلى المسالمة والواقعة في نطاق مشاريع تلك الدولة المغامرة أن تتخذ لنفسها الاحتراز اللازم. كان القرن الخامس عشر هو الفترة السيئة الحظ لقيام المؤسسات الحربية في أيام السلم. وقد أدخل ذلك الملك الفرنسي شارل السابع، وتبعته كل الدول في أوروبا أو أجبرت على ذلك. ولو لم يتم اقتفاء ذلك المثل من قبل الدول الأخرى لكان على أوروبا منذ عهد طويل أن تتكبل بقيود ملك واحد يخضع لمشيئته هذا العالم. ولو عمدت، الآن جميع الدول، ما عدا فرنسا، إلى حلّ مؤسساتها السلمية لكانت النتيجة السابقة هي هي. فقد ظلت الكتائب الرومانية المدربّة نداً متفوقاً على شجاعة أبناء جميع الأمم المعاصرة الأخرى، وجعلت روما سيدة العالم.
وليس أقل صدقاً من ذلك القول بأن حريات روما هي التي غدت فيما بعد ضحية انتصاراتها الحربية، وأن حريات مواطني أوروبا، بالقدر الذي كانت موجودة فيه يومذاك، مع بعض الاستثناءات، كانت الثمن الذي دفعته دُولها جراء قيام المؤسسات العسكرية فيها. إن وجود قوة عسكرية دائمة، إذن، هي خطيرة في نفس الوقت الذي هي شرط ضروري للأمان. وفي أضيق اعتبار فإن لتلك الحال مساوئها. أما في الاعتبار الأوسع والعام فهي شئ يستحق التفحص والاحتراز. إن أمة فطنة ذات حكمة سوف تجمع في نظرها بين كل هذه الاعتبارات؛ وفي حين أنها لا تجرّد نفسها من أي مورد للقوة قد يغدو أساسياً لضمان سلامتها، فإنها تبذل كل جهد وحكمة لها في تقليص قدر كل من الحاجة الماسة، والخطورة في اللجوء، إلى أي منهما قد يغدو مشكوكاً فيه تجاه صيانة حريتها.
إن أوضح علامات لتلك الحكمة بارزةً تماماً في الدستور المقترح. فالاتحاد، نفسه الذي يشكل ملاطه ويضمنه، يقضي على كل إمكانية لقيام مؤسسة عسكرية يمكن أن تشكل خطراً. هذا وإن كون أمريكا متحدةً، ذات عدد قليل من الكتائب، أو بدون جندي واحد، تعرض منظراً يرهب الأطماع الخارجية أكثر مما يفعل منظر أمريكا مفككة، لها مئة ألف جندي مدرّب مستعد للنزال. ولقد سبقت الإشارة في موضع سابق2 إلى أن عدم وجود هذا الاحتياط قد أنقذ الحريات في دولة واحدة في أوروبا. إنها بريطانيا العظمى، ذلك أن موقعها كجزيرة وقوتها الحربية قد جعلتاها دولة منيعة الجانب تجاه جيوش أعدائها، ولم يستطع حكامها أبداً، سواء بفعل أخطار حقيقية أو مفتعلة من جانبهم، أن يخدعوا المواطنين في مؤسستهم السلمية الواسعة (أعني البرلمان عندهم)، إن بعد الولايات المتحدة عن الدول القوية في العالم يمنح أهلها مثل ذلك الأمان السعيد. ولن تغدو المؤسسة لعسكرية مؤسسة خطيرة وضرورية أبدا ولا شيئاً مرغوباً فيه، طالما ظلت الولايات متحدة كشعب واحد. بيد أنه لا تجوز الغفلة ولو لحظة واحدة عن أن الأمريكيين مدينون بهذه النعمة لاتحادهم وحده. فلحظة فكاك ذلك الاتحاد ستكون لحظة ترتيب جديد للأوضاع ككل. إذ أن مخاوف الولايات الأضعف وطموحات الولايات أو الكونفدراليات الأقوى سوف يخلق نفس المثال الذي كانه الملك شارل السابع في العالم القديم. وسيُحتذى حذو ذلك المثل انطلاقاً من نفس الدوافع التي خلقت التقليد العام في ذلك العالم. وبدلاً من أن نستفيد من وضعنا فنستغل تلك الميزة الحسنة التي انتفعت بها بريطانيا من مثيله، فإن وجه أمريكا سوف يغدو نسخة من قارة أوروبا ذاتها. سوف يُبدي حرية مسحوقة في كل مكان بين جيوش دائمة وضرائب أبدية. وسيكون مصير أمريكا المفككة كارثياً أشد من حال أوروبا. ولن تكون مصادر الشر في حال أمريكا مقتصرة على حدودها الخاصة. ليس هناك دول كبرى من أي ركن في العالم تكيد لدول ندّ لها وتدس لها الدسائس ويؤجج نار عداواتها المتبادلة، وتجعل تلك الدول أدوات لتحقيق أطماعها هي، وحسدها، وانتقامها. أما في حال أمريكا فإن أنواع الشقاء الناشئة من التحاسد ما بين الولايات، والصراعات، والحروب لن تشكل أكثر من قسط واحد من مستقبلها. إن حشداً من الشرور سوف يبرز من تلك العلاقة، حيث تقف أوروبا في هذا الركن من العالم، ولا يقف أي ركن آخر في العالم قبالتها.
هذه صورة مما يترتب على التفكك لا يمكن المبالغة في تزويق شرورها، أو تكرار عرضها أكثر مما ينبغي. إن كل رجل يحب السلم، وكل رجل يحب وطنه، وكل رجل يعشق حريته – يجب أن يُبقي تلك الصورة أمام عينيه، كما ينمّي في فؤاده ولاءً حقاً لاتحاد أمريكا ويستطيع وضع قيمة سليمة للوسائل التي تحافظ على ذلك الاتحاد. ذاك الأول في الأهمية.
والثاني من حيث الأهمية، عقب تأسيس الاتحاد هو: إن أفضل احتراس ضد خطر إنشاء جيوش دائمة أن يُعمد إلى تحديد فترة الإنفاق عليها. وقد كان الدستور حكيماً تماماً حين أضاف هذا الاحتراز. ولن اكرر هنا ملاحظة أنني أخدع نفسي حين أقول إنني وضعت الموضوع المطروح في ضوء صحيح ومقنع.3 لكنه لن يكون من غير المناسب أن أشير إلى مناقشة ضد هذا القسم من الدستور، والذي تم استقاؤه من سياسة بريطانيا العظمى وواقع الأمر فيها. لقد قيل أن استمرار إبقاء الجيش في تلك المملكة يتطلب تصويتاً عليه كل سنة من قبل السلطة التشريعية في البلاد، فيما أن الدستور الأمريكي قد مدّ هذه الفترة الحرجة إلى سنتين اثنتين. وهذه هي الصورة التي تُعقد فيها المقارنة وتُعلن إلى الشعب: فهل هي صورة صادقة؟ وهل في عقد المقارنة إنصاف؟ هل يقيّد الدستور البريطاني قرار التشريع بخصوص ذلك بسنة واحدة؟ هل يفرض الدستور الأمريكي على الكونغرس الموافقة على لوازم سنتين؟ على العكس، فمن غير المعقول أن يجهل الذين وضعوا هذه المغالطة أنفسهم أن الدستور البريطاني لا يضع أي قيد على حرية السلطة التشريعية فيما أن الدستور الأمريكي يضيّق حق السلطة التشريعية في حدود سنتين كأقصى مدة مسموح بها.
ولو أنه تم الاقتباس عند نقل المثال البريطاني بصورة صادقة لكانت المناقشة قد أصبحت على الشكل التالي: إن الفترة التي يمكن تنسيبها لتزويد مؤسسة الجيش باللوازم الضرورية لها، وإن لم يتم تحديدها في الدستور البريطاني، فقد تم ذلك في الواقع كما رأى البرلمان بفترة سنة واحدة. والآن، إذا كان الحال في بريطانيا، حيث يُنتخب أعضاء مجلس العموم لفترة سبع سنوات؛ وحيث يتم انتخاب نسبة كبيرة من الأعضاء من قبل نسبة صغيرة من المواطنين؛ وحيث يحصل إفساد ضمائر الناخبين على يد الممثلين، وإفساد الممثلين على يدّ ربّ التاج – ونجد أن الهيئة التمثيلية تملك حق تلزيم نفقات الجيش لفترة غير محدودة، دون رغبة منها، أو دون التجرؤ لديها على مدّ تلك الفترة لأكثر من سنة واحدة، أفلا يجب أن يخجل الشك نفسه حين يدّعي أن ممثلي الولايات المتحدة، المنتخبين بحرية من قبل كافة أفراد الشعب مرة كل سنتين ليسوا أهلاً للتبصّر وحسن التقدير بخصوص التلزيمات المحددة صراحة بفترة سنتين؟
إن السبب غير المقنع نادراً ما يعجز أن يفضح نفسه. هذه حقيقة صادقة، وما تنظيم المعارضة للدستور الفدرالي إلا مثالاً ظاهراً وثابتاً على صحتها. ولكن، ومن بين جميع المساوئ التي اقترفت، ليس هناك ما يثير الاستغراب قدر محاولة أن يُدرج في هذا الاعتبار ذلك التخوف السليم الذي يبديه المواطنون تجاه الجيوش الدائمة. فقد أيقظت تلك المحاولة الاهتمام الشعبي إلى درجة كبيرة بخصوص ذلك الموضوع المهم؛ وأدت إلى تحريّات يجب أن تُنهي بصورة كاملة ونهائية، لا قضية أن الدستور قد وفر في بنوده الاحتراز الأقوى ضد بروز خطر من هذا الجانب، فحسب، بل تؤكد أنه قد وفر أيضاً ما هو دستور فعّال ومناسب للدفاع عن الوطن والحفاظ على الاتحاد وبوسعه أن يُنقذ أمريكا من قيام عدة جيوش دائمة تفضي إلى تقسيم البلاد إلى ولايات منفصلة أو كونفدراليات، ويخلصها من ذلك التوسع المطرد لتلك المؤسسات في كل منها حتى تشكل عبئاً ثقيلاً على كاهل ممتلكات المواطنين وشديدة الإضرار والخطر على حرياتهم، مثل أية مؤسسة تغدو حاجة ماسة في ظل حكومة كفؤة ومتحدة مقبولة للولايات وأمينة على الاتحاد نفسه.
إن الحاجة التي يعترف بها الجميع إلى صلاحية بناء أسطول وصيانته قد حمت ذلك القسم من الدستور ضد روح التهجّم التي نجا منها عدد قليل من أقسام الدستور الأخرى. ويجب في الواقع أن تُعد بين الحسنات الكبرى لأمريكا أن الاتحاد فيها سيكون المصدر الوحيد لقوتها البحرية، ومن ثم يكون مصدر أمانها ضد الخطر من الخارج. في هذا الجانب هناك شبه آخر بين وضعنا ووضع بريطانيا العظمى بصفتها جزيرة في البحر. فوسائل الدفاع الأقدر على صد المغامرات الأجنبية ضد سلامتنا هي، من حسن الحظ، أجهزة لا يمكن تحويلها في أية حكومة غدّارة ضد حرياتنا.
إن القاطنين على الساحل الأطلسي جميعهم شديدو الاهتمام بصدد هذا الشرط لتوفير الحماية البحرية لهم، وإذا كانوا حتى هذا الوقت يعانون من عدم الاطمئنان في أسرة نومهم؛ وإذا كانت ممتلكاتهم قد بقيت أمينة ضد افتراسها من قبل أصحاب المغامرة المنفلتين؛ وإذا كانت مدنهم الواقعة على البحر لم تجد نفسها حتى الآن مضطرة لأن تفدي نفسها من مخاوف الثوران عن طريق الخضوع لمطالب الغزاة الجريئين المفاجئين – فإن هذه الأمثلة من حسن الحظ لا يجوز أن تُعزى إلى فعالية وكفاءة الحكومة القائمة في حماية أولئك الذين تطالبهم بالولاء لها، بل إنها تعود إلى أسباب مراوغة يمكن التملص منها لعدم ثباتها. فإذا استثنينا ولاية فرجينيا وولاية ماري لاند، وهما عرضة للهجوم على حدودهما الشرقية، فإنه ليس هناك جزء من الاتحاد له أن يشعر بقلق أكثر بخصوص هذا الموضوع من ولاية نيويورك. ذاك أن شاطئها عظيم الامتداد. كما أن هناك جزءاً بالغ الأهمية منها يقع في البرّ. فيما يخترق الولاية نفسها نهر صالح للملاحة لأكثر من خمسين فرسخاً. هذا كما أن القدر الأعظم من تجارتها، وهي خزان ثروتها، يظل طيلة الوقت تحت رحمة الأحداث، بل إنه يمكن اعتباره رهينة للرضوخ المشين لما يمليه العدو الأجنبي، بل حتى لما تفرضه أطماع القراصنة والبرابرة. ولو وقعت حرب من جرّاء تصادم أوضاع مصالح الدول الأوروبية، وانفلتت جميع مشاعر المشتركين فيها على مياه المحيط، لكانت نجاتا من الإهانات والتحقيرات، لا بخصوص ذلك العنصر وحده، بل بخصوص كل جانب ذي علاقة به، في واقع الأمر شيئاً من الأعاجيب. في الحالة الراهنة لأمريكا، ليس أمام الولايات الأكثر عرضة من غيرها لمثل هذه الكوارث أن تأمل شيئاً أكثر من شبح الحكومة العامة القائمة،؛ وإذا كانت موارد تلك الولايات الخاصة كافية لمتطلبات تحصين نفسها ضد الخطر، فإن تلك الموارد، وهي الهدف الذي تجب حمايته ستستنفذه نفقات حمايتها ذاتها.
لقد تم تبرير صلاحية استدعاء وتنظيم الميليشيا من قبل وجرى شرحها أيضاً وكذلك صلاحية جباية الأموال والاقتراض، بصفتها الوتر الذي يجب أن يُشد والعضلة التي تبذل لجهود الدفاع الوطني، قد جُعلت في نفس اليد أيضاً. وقد تم مناقشة هذه السلطة (الصلاحية) بدورها من قبل بكل عناية، 4 وأنا على ثقة من أنه تم إيضاح ضرورة الحاجة إليها من حيث المدى ومن حيث الشكل اللذين حدّدهما الدستور. وأود أن أضيف فكرة واحدة إلى أولئك الذين يحاجون كي تكون تلك الصلاحية مقيدة بالرسوم المستوردة من الخارج – أي أنها تفرض على السلع القادمة من بلدان أخرى, ولا مجال للشك في أن هذا سيظل مورداً للخزينة؛ غير أنه ولفترة قصيرة من الزمن لابد أن يكون هذا المورد الرئيس؛ أما في الوقت الراهن فهو مورد أساسي لا أكثر. ويجوز أن تتشكل لدينا أفكار مغلوط بهذا الصدد؛ إذا لم نتذكر في حساباتنا أن مقدار الأموال العائدة من التجارة الخارجية خاضع للتباين، فهو يتغير تبعاً لتغير اتساع ومقدار البضائع المستوردة؛ كما نتذكر أن هذه التغيرات لا تتجاوب مع تزايد عدد السكان، وهو المقياس العام لحاجات جمهور المواطنين. فطوال ما ظلت الزراعة هي المجال الوحيد للعمل، فإن استيراد المصنوعات يظل متزايد وفق تزايد المستهلكين. أما عندما يباشر الصناعيون المحليون في استخدام قوة العمل التي تستدعيها الزراعة. فإن المصنوعات المستوردة تبدأ في التناقص تبعاً لتزايد السكان. وفي مرحلة بعيدة نسبياً، سوف تتكون وارداتنا إلى درجة كبيرة من المواد الأولية التي يمكن تصنيعها لتغدو سلعاً للتصدير.. ومن ثمن تغدو في حاجة إلى التشجيع بالمنح والدعم أكثر منها لأن يُثقل كاهلها بالضرائب التي يعيق تقدمها وازدهارها. ومن واجب نظام الحكم المراد له أن يدوم لمدة طويلة أن يفكر ملياً في هذه التحولات الثورية ويكون قادراً على التكيّف معها.
إن بعض الذين لم يُنكروا الحاجة إلى حق فرض الضرائب وصلاحية ذلك قد وجهّوا هجوماً قاسياً على الدستور؛ بخصوص أسلوب العبارات والتعريفات الواردة فيه. وقد أثيرت أكثر من مرة قضية أن "صلاحية فرض وجباية الضرائب، والرسوم، والمكوس، والضرائب الإضافية من أجل سداد الديون والإنفاق على الدفاع الوطني والمصلحة العامة للولايات المتحدة" هي قضية تستلزم التزاما غير محدّد ويتطلب ممارسة أي سلطة تستدعيها الضرورة للدفاع الوطني أو المصلحة العامة للبلاد. وليس بالمستطاع تقديم حجة أقوى على الكآبة والأسى الذي أوقع أنفسهم المعارضون فيه من إنهم تدنّوا إلى هذه الدركة من سوء الإدراك.
لو لم يتم تعداد أو تحديد صلاحيات الكونغرس الواردة في الدستور بأكثر من العبارات العامة المذكورة آنفاً، لكان للمعترضين سمة من الحق في المعارضة؛ مع أنه سيكون من الصعب وجود سبب لاستخدام تلك العبارة السمجة في توصيف السلطة التشريعية في جميع الحالات التي تعرض لذلك. إن سلطة لتدمير حرية الصحافة، والمحاكمة أمام محلّفين، أو حتى لتنظيم سير النسب، أو أشكال نقل الملكية، يجب ذكرها كلاً بمفردها بعبارة "جمع المال لخدمة المصلحة العامة".
وأيّ صبغة سيتخذها الاعتراض حين تورد الأشياء المشار إليها، مباشرة، بعد هذه العبارات العامة، لا يفصلها عنها أي ترقيم وإيقاع أطول من فاصلة ونقطة؟ إذا كانت الأجزاء المختلفة من الأداة نفسها يجب تفسيرها بحيث يحدّد معنى كل جزء فيها تتضخم اللفظة، فهل يُستبعد ويُلغى أي جزء من العبارة نفسها من كونه متضمناً في المعنى الكلّي؟ وهل يبقى الجزء المشكوك فيه واللفظات غير المحددة بكامل مداها في حين يُهمل مدلول العبارات الواضحة والدقيقة من أساسه؟ ما هو الهدف المقصود من تعداد السلطات المخولة، إذا كان يراد لهذه السلطات وغيرها أن تكون مشمولة بالسلطة العامة السابقة لها؟ ليس هناك ما هو أكثر طبيعية ولا أوسع عمومية من استخدام عبارة مجملة أول الأمر ثم أن يتم تفسيرها وتوصيفها بالإتيان بمفرداتها، إلا أن فكرة تعداد المفردات التي لا تفسّر المعنى العام ولا تقوم بتوصيفه، ولا جدوى منها إلا في خلق الإرباك والتضليل – ليست إلا سخافة من شأنها أن تخلق إشكال توجيه الاتهام إما إلى واضعي ذلك الاعتراض أو واضعي الدستور، وفي تلك الحال نكون ملزمين بافتراض أن السخف لم يأت من جانب واضعي الدستور أبداً.
إن الاعتراض هنا لهو اعتراض شاذ وعجيب، ذلك أن العبارات التي استخدمها الدستور هي نسخة من عبارات بنود اتفاقية الاتحاد. والأهداف التي يسعى إليها الاتحاد في الولايات. كما تصفها الفقرة الثالثة، هي "الدفاع الوطني عنها، ضمان حرياتها، والخير العام لها والمصلحة المتبادلة ما بينها". ولفظات الفقرة الثامنة أكثر مطابقة مما سبق". "إن جميع تكاليف الحرب والنفقات الأخرى التي تترتب على شئون الدفاع الوطني أو المصلحة العامة وتقرّها الولايات في الكونغرس إنما تتكفل بها الخزينة العامة" الخ... ومثل هذه العبارات تماماً نقع عليها في الفقرة التاسعة. فتدبروا ملياً أمر هذه الفقرات من خلال القواعد التي تبرّر التكوين العام الذي يجب أن يحظى به الدستور الجديد. والتي تخول الكونغرس القائم صلاحية أن يقوم بالتشريع في جميع القضايا مهما كانت. لكن ما الذي سيقال عن ذلك الاجتماع، لو التزم أفراده بألفاظ هذه العبارات العامة وأهملوا التوصيات النوعية التي تؤكد مضمونها وتقيّده؛ فمارسوا صلاحية غير مقيّدة في الإنفاق على الدفاع الوطني والمصلحة العامة؟ إنني أتقدم على المعترضين أنفسهم، ما إذ كانوا في تلك الحال قد استخدموا الحكمة في تبرير ما فعله الكونغرس كما يستخدمونها الآن لغير صالح المؤتمر. حقاً، ما أصعب أن يتجنب الخطأ سعيه من الوقوع في الإدانة.
بوبليوس

_______________________
- الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 293-304.
1- راجع الورقة الثامنة والورقة الرابعة والعشرون. (المراجع).
2- أنظر في الورقة الثامنة. (المراجع).
3- راجع الورقة السادسة والعشرون. (المراجع).
4- راجع الأوراق الثلاثون وحتى السادسة والثلاثون. (المراجع).

العودة للصفحة الرئيسية