الأوراق الفيدرالية

ورقة رقم: 40
جيمس مادسون
James Madison
18 يناير، 1788


إلى أهالي ولاية نيويورك:
والنقطة الثانية التي ينبغي بحثها هي ما إذا كان المؤتمر مخولاً بوضع أطر هذا الدستور المختلط واقتراح تقديمه.
إن سلطات المؤتمر أمر يجب، أن يتم تقريره، بكل صرامة، على التحديد انطلاقاً من استقصاء المهمات الموكولة إلى الأعضاء تبعاً لعناصر تكوينهم. ولما كان هؤلاء جميعاً قد جاؤوا بناءً على تزكية من لدن اجتماع أنابوليوس، المنعقد في سبتمبر 1786، أو تزكية من الكونغرس الذي انعقد في فبراير 1787 – فإنه يكفي الرجوع إلى مقررات ذينك الاجتماعيين على الخصوص.
أما اللائحة التي تم إقرارها في أنابليوس فهي توصي "أن يتم تعيين المفوّضين بحيث يأخذون في اعتبارهم وضع الولايات المتحدة؛ وأن يضعوا من عندهم شروطاً يرونها ضرورية لجعل دستور الحكومة الفدرالية متفقاً ومناسباً مع حاجات وضرورات الاتحاد؛ وأن يرفعوا لائحة مقترحات تفي بهذا الغرض إلى الولايات المتحدة عند اجتماع الكونغرس، حتى إذا ما أُقر ما رفعوه من قبل أعضائه، ثم تم إمضاؤه لاحقاً من جانب المجلس التشريعي في كل ولاية، فإنه يغدو سارياً على الجميع".
أما اللائحة الموصى بها من الكونغرس فهي بنص العبارة التالية: لما كان قد ورد في بنود اتفاقية الاتحاد والاتحاد الدائم شرط أن يتم إجراء التغييرات فيها، بموافقة من كونغرس الولايات المتحدة وعدة مجالس تشريعية من مجالس الولايات، وحيث تبين من خلال الممارسة أن هناك نقائص في اتفاقية الاتحاد القائمة؛ وكوسيلة لإصلاح ذلك النقص، فإن عدداً من الولايات، وولاية نيويورك بصورة خاصة، ومن خلال تعليمات أصدرتها إلى ممثليها في الكونغرس – قد اقترحت عقد مؤتمر للأغراض المعبر عنها في القرار اللاحق؛ وبدا أن ذلك المؤتمر هو الواسطة الأفضل من غيرها لإقامة حكومة وطنية قوية، في تلك الولايات.
"قد أقر – أن الكونغرس يرى الضرورة ماسّة لأن يتم في يوم الاثنين الثاني من شهر أيار التالي في مدينة فيلادلفيا عقد مؤتمر للمفوضين، الذين تم تعيينهم من جانب عدة الولايات تلك، بهدف وحيد وسريع هو إعادة النظر في بنود اتفاقية الاتحاد ورفع ما يقرره ذلك المؤتمر إلى الكونغرس والمجالس التشريعية لتلك الولايات متضمناً التغييرات والشروط المطلوبة، حتى إذا تم الاتفاق عليها وإمضاؤها في الكونغرس وفي الولايات، فإنها تجعل الدستور الفدرالي موائماً لحاجات الحكومة والحفاظ على الاتحاد.
من هاتين اللائحتين على السواء يبدو أولاً أن الهدف من عقد المؤتمر هو أن تقام في تلك الولايات حكومة وطنية قوية، وثانياً أن تكون تلك الحكومة متوائمة مع حاجات حكومة الاتحاد والحفاظ عليه أيضاً؛ وثالثاً أن يتم إحداث التغييرات والشروط الواردة في بنود اتفاقية الاتحاد، كما هو منصوص عليها في لائحة الكونغرس، أو توضع شروط جديدة تبدو ضرورية وتتفق مع توصيات لائحة أنابوليوس؛ ورابعاً وجوب رفع التغييرات والشروط الجديدة إلى الكونغرس وإلى الولايات كيما يتم الإتفاق عليها وتأكيدها في مجالس الولايات أيضاً.
ومن خلال المقارنة والإدراك المنصف لأساليب التعبير الواردة هنا يصحّ للمرء أن يستنتج وجود الصلاحية التي بموجبها تصرّف المؤتمر. فقد كان على المشاركين فيه أن يضعوا أطر حكومة وطنية (للأمة) تتواءم مع ضرورات الحكم وأوضاع "الاتحاد" وتجعل بنود اتفاقية الاتحاد على شكل كفيل بتحقيق وإنجاز تلك الأهداف.
هنالك قاعدتان اثنتان تمليهما أسباب بسيطة كما تمليهما بديهيات قانونية.
فالأولى هي أن كل لفظة ترد في النص يجب أن تكون ذات معنى، وأن تسهم في الغرض النهائي للعبارة؛ والثانية هي أنه لما كان من غير المستطاع جعل أجزاء عدة تتطابق معاً فإن الأجزاء ذات الأهمية الأقل يجب أن تُفسح المجال للأجزاء الأكثر منها أهميةً، وأنه يجب أن يضحَى بالواسطة في سبيل الوصول إلى الغاية لا بالغاية في سبيل الواسطة.
افترض الآن أن العبارات التي تحدد سلطات المؤتمر كانت بصورة ظاهرة مباينة لبعضها؛ وأنه لم يتسنّ الوصول إلى حكومة كفؤة للأمة ككل، في رأي المؤتمر، عن طريق تغييرات وشروط تُجرى على بنود اتفاقية الاتحاد؛ فأي من أجزاء تعريف الاتحاد يتوجب الأخذ به وأي منها يجب التخلّي عنه؟ أيهما كان الأعظم أهميةً، وأيهما الأقل؟ أي منهما هو الغاية وأي هو الوسيلة؟ دع أولئك الأكثر تشككاً في فضح السلطات المفوضة، والأشد عناداً في الاعتراض على تلك الصلاحيات التي مارسها المؤتمر يجيبون عن هذه الأسئلة. دعهم يُعلنون أنه هل كان الأهم، من حيث سعادة المواطنين في أمريكا أن يُتغاضى عن بنود اتفاقية الاتحاد ويتم إقامة حكومة كفؤة مناسبة ويتم الحفاظ على الاتحاد، أم أن يحصل الاستغناء عن إقامة حكومة كفؤة مناسبة ويتم الحفاظ على بنود اتفاقية الاتحاد. دعهم يُعلنون ما إذا كان الحفاظ على هذه البنود هو الغاية والهدف لضمان إجراء إصلاح في الحكم يجب أن يُعتبر هو الوسيلة أو أن إقامة حكومة كفؤة مناسبة لإسعاد الأمة هو الغاية والهدف الذي قصدته تلك البنود أصلاً، والتي يتوجب التضحية بها، لاعتبارها واسطة غير كافية.
لكن، أهو من الضروري أن يفترض المرء أن تلك العبارات مناقضة الواحدة منها للأخرى بحيث لا يمكن التوفيق بينها، وأنه ليس هنالك تغييرات أو اشتراطات في بنود اتفاقية الاتحاد من الممكن صياغتها بحيث يتم الحصول على حكومة كفؤة مناسبة، مثل تلك التي اقترحتها اتفاقية الاتحاد؟
المفروض، في تلك الحال، عدم التقيد بالاسم، فتغيير ذلك لا يجوز اعتباره ممارسة صلاحية لم يتم منحها. إن إجراء تغييرات في جسم الآلة والأداة شئ مسموح به بكل صراحة. هنا إذن، تقع صلاحية تغيير الاسم أو العنوان، لإدخال بنود جديدة، وتغيير البنود القديمة، فهل من حاجة إلى الاعتراف بأن هذه الصلاحية لم تمسّ، ما دام جزء من البنود القديمة قد بقى؟ إن على من يؤيدون الإجابة بـ "نعم" أن يبينوا، على الأقل، الحد بين التجديدات المسموح بها والتجديدات غير الشرعية؛ بين درجة التغيير التي تقع ضمن التغييرات والاشتراطات الأخرى وتلك التي تبلغ درجة إجراء مسخ للحكومة. هل سيقال أنه يتوجب ألا تمس التغييرات مادة اتفاقية الاتحاد؟ إن الولايات ما كانت لتعيّن مؤتمراً على هذه الدرجة من الجديّة والوقار، ولا لتضع مواصفات أهدافه بمثل هذا الشمول، لو لم يكن إصلاحاً حقيقياً ملموساً هو الشئ الذي فكّرت فيه تلك الولايات وقصدت إليه. هل سيقال إن المبادئ الأساسية في اتفاقية الاتحاد لم تكن ضمن مدى رؤية المؤتمر، وأنه لا يجوز أن يتم التغيير فيها؟ أنا أسأل: ما هي تلك المبادئ؟ هل يشترط عند وضع الدستور أن يتم اعتبار الولايات ذوات سيادة منفصلة ومستقلة؟ الولايات معتبرة كذلك في نظر الدستور المقترح. هل يُشترط أن تُستقى أصول تعيين أعضاء الحكومة من المجالس التشريعية، لا من المواطنين في الولايات؟ إن فرعاً من الحكومة الجديدة سيجري تعيينه من قبل المجالس التشريعية؟ وبموجب اتفاقية الاتحاد يجوز أن يتم تعيين المفوضين إلى الكونغرس مباشرة من قبل المواطنين، بل إنهم كذلك في حال ولايتين اثنتين. هل يُشترط أن لا تسري سلطات الحكومة الوطنية على الولايات ولا يتم تطبيقها على الفور على الأفراد؟ ذلك مضمون في بعض الحالات، ولقد تم إيضاح أن سلطات الحكومة الجديدة سوف تسري على الولايات بصفتها الجماعية. وفي بعض الحالات أيضاً، فإن صلاحيات الحكومة القائمة حالياً تسري على الفور على الأفراد. وفي حالات الاستيلاء، والقرصنة، والبريد، وسك العملة، وتقرير الموازين والمكاييل، وقوانين التجارة مع الهنود الحمر، ودعاوى حيازة الأرض وهبتها في عدة ولايات؛ وفوق كل ذلك، في حال المحاكمات في المحاكم العسكرية في الجيش والبحرية، وفي الحالات التي يمكن أن توقع فيها عقوبة الإعدام دون الإخضاع لنظام المحلفين أو حتى لقاض مدني – في جميع الحالات الآنفة الذكر، فإن صلاحيات الاتحاد تعمل (تسري) فوراً على أشخاص المواطنين الأفراد وممتلكاتهم. هل تشترط هذه المبادئ الأساسية بشكل خاص، إنه لا يجوز فرض أية ضريبة دون تفويض غير مباشر من قبل الولايات؟ إن اتفاقية الاتحاد تخوّل (الحكومة الوطنية) إصدار ضريبة، إلى حد ما، على خدمات البريد. أما صلاحية إصدار العملة فقد أدركها الكونغرس بمعنى وضع ضريبة فورية من ذلك المصدر أيضاً. لكن، أليس تحديد هذه الأمثلة مسبقاً هدفاً معترفاً به في المؤتمر، بل أليس التوقع العام لدى المواطنين أن يتم رفع تعليمات تنظيم التجارة إلى حكومة الاتحاد بصورة تجعلها على الفور أحد موارد الخزينة العامة؟ ألم يوص الكونغرس أكثر من مرة بأن هذا القانون لا يتفق تماماً مع المبادئ الأساسية في اتفاقية الاتحاد؟ ألم تطبق جميع الولايات، عدا واحدة، ونيويورك ذاتها، خطة الكونغرس وتلتزم بها واعترفت بمبدأ التجديد؟ هل إن هذه المبادئ، بصورة إجمالية تشترط أن تكون سلطات الحكومة العامة سلطات محدودة، وأنه، فيما خلا ذلك الحد، يكون للولايات أن تحتفظ بسيادتها واستقلالها؟ لقد رأينا في الحكومة الجديدة، شأن الحكومة القديمة أن السلطات العامة محدودة، وأن الولايات، في جميع الحالات غير الواردة أعلاه، متروكة لتتمتع بسيادة قضائها واستقلاله.
والحقيقة هي أنه يمكن اعتبار المبادئ العظيمة للدستور الذي اقترحه المؤتمر أقل إطلاقاً في جدّتها من اعتبارها توسيعاً للمبادئ الواردة في بنود اتفاقية الاتحاد. لقد كان من سوء الحظ في اتفاقية الاتحاد أن تلك المبادئ كانت رخوة ومقيّدة بحيث بررّت قيام جميع التهم بعدم الكفاءة التي أثيرت ضدها، وأنها (المبادئ) كانت في حاجة إلى قدر من التوسيع وهب النظام الجديد مظهر أنه تغيير كامل جرى على القديم.
فمن جانب واحد أنا أقر بأن أعضاء المؤتمر قد افترقوا عن هدف المهمة الموكولة إليهم. فبدلاً من أن يطرحوا خطة تحتاج إلى التثبيت من قبل جميع الولايات، طرحوا خطة يجري تثبيتها من قبل تسع ولايات وتنفذ عليها فقط. وجدير بالملاحظة أن هذا الاعتراض، مع أنه الأكثر مدعاة لأن يُثار، قد نال أقل نصيب من الأدبيات المطبوعة التي تم حشدها ضد المؤتمر. ولابد أن التغاضي عن ذلك قد نشأ من اعتقاد راسخ لا يمكن مقاومته مفاده سخافة إخضاع مصير الاثنتي عشرة ولاية إلى معاكسة أو فساد ولاية ثالثة عشرة؛ ومن مثال المعارضة الصلبة التي أبدتها الأكثرية في جزء من ستين جزءاً من الشعب الأمريكي ضد قانون تم إقراره واستدعاء صوت اثنتي عشرة ولاية تضم تسعة وخمسين جزءاً من ستين من الشعب الأمريكي – وهو مثال لا زال قريب العهد في ذاكرة واعتبار كل مواطن من الذين أحسوا بجرح كرامة وطنهم وازدهاره المنشود، ومن ثم، لما كان هذا الاعتراض قد تم التلويح به من قبل أولئك الذين انتقدوا صلاحيات وسلطات المؤتمر، فأنا أحذفه من الاعتبار دون تعليق عليه.
والنقطة الثالثة التي يتوجب بحثها هي: إلى أي مدى نجد اعتبارات الواجب الوطني التي نشأت من ذلك الوضع قد غذّت الشعور بالنقص في السلطة المنتظمة:
في البحوث السابقة تم تحليل صلاحيات المؤتمر وحوكمت بكل صرامة، وحسب نفس القواعد، كما لو كانت صلاحيات حقيقية ونهائية لوضع دستور للولايات المتحدة. وقد رأينا كيف صمدت للمحاكمة على هذا الافتراض. وقد حان الوقت لأن نستذكر أن تلك الصلاحيات كانت استشارية لا أكثر ولإصدار توصيات؛ وأنه كان يقصد بها ذلك في نظر الولايات، وهكذا أدركها المؤتمر؛ وبناء على ذلك فقد وضع أعضاؤه واقترحوا دستوراً لن يترتب عليه أكثر من الورقة التي كُتب عليها، ما لم يحظ بموافقة أولئك الذين يخاطبهم. إن هذه الفكرة تضع الأمر في زاوية مختلفة تماماً، وتيسّر علينا أن نحكم حكماً سليماً على المسار الذي سلكه المؤتمر.
دعنا نتفحص الأرضية التي وقف عليها المؤتمر. من التصرفات التي قام بها الأعضاء يمكن للمرء أن يستخلص أنهم بالإجماع وبعمق تام كانوا متأثرين بالأزمة، الأزمة التي قادت بلدهم، خضوعاً منهم لصوت واحد، أن يقوم بإجراء هذه التجربة الفريدة والرصينة لإصلاح الأخطاء في الترتيب الذي من جرّائه نشبت تلك الأزمة، كما لم يكونوا أقل إجماعاً وعمقاً في اقتناعهم أن إصلاحاً مثل الذي اقترحوه لهو ضروري تماماً لبلوغ الأهداف المنشودة من تعيينهم. لم يكونوا يجهلون أبداً أن الآمال والتوقعات لدى الأكثرية الكبيرة من المواطنين في طول وعرض تلك الإمبراطورية العظيمة، قد توجهت بأشد قدر من القلق إلى متابعة مداولاتهم. وكان لديهم كل سبب لأن يعتقدوا أن المشاعر المعاكسة قد أثارت عقول وأفئدة كل أعداء حرية وازدهار الولايات المتحدة في الداخل أو الخارج. لقد رأوا في أصل التجربة ونجاحها استخفافاً، إذ أن اقتراحاً قدمته ولاية بمفردها (جورجيا) لإجراء تعديل جزئي في اتفاقية الاتحاد قد لقي كل ذاك الاهتمام وجرى تحسينه. كما رأوا الحرية التي يمارسها عدد صغير من النواب في عدد أقل من الولايات، اجتمعوا في آنابليوس، للتوصية بأن أمراً عظيماً وشديد الحرج، وبعيداً كل البعد عن مهمتهم، يجد كل تبرير له في الرأي العام ويتم السير فيه فعلاً، بل يحصل قبوله لدى اثنتي عشرة ولاية من ثلاث عشرة. ولقد شهدوا، وفي عدة حالات، أن ممارسات الكونغرس لا في صلاحياته الاستشارية فحسب بل في الممارسة الفعلية أيضاً، قد حظيت بقبول شعبي، في مناسبات ولأهداف كانت أقل إلحاحاً من المناسبات والأهداف التي يجب أن تسيّر تصرفاتهم وتحكمها. ولا بد أنهم تذكّروا أنه في جميع التغييرات الكبيرة في الحكومات التي تم تأسيسها يكون على التصورات النظرية أن تُفسح الطريق للوقائع الحقيقية الملموسة؛ وأن التمسّك المتصلّب في مثل تلك الحالات سيجعل حق تجاوز الواقع وحق أفراد الشعب الثمين في "إلغاء أو تغيير حكوماتهم وفق ما يبدو لهم أنه أقدر على ضمان سعادتهم وسلامتهم،1 مجرد حق اسمي مرفوض. لأنه من المستحيل أن يتحرك الشعب بكامله في نفس الوقت وعلى وجه الشمول بانسجام وتناسق نحو الهدف الذي يسعى إليه؛ ومن ثم فإنه يغدو أمراً أساسياً أن يتم وضع أسس التغيير المطلوب أولاً في صورة اقتراحات غير رسمية وخلواً من الصلاحيات، يقدّمها مواطن فرد متحمس ومحترم أو عدد من أمثاله من المواطنين. ولابد أنهم استذكروا أنه بفضل هذا الامتياز الممارس وغير المنتظم وامتياز طرح الخطط على المواطنين لضمان سلامتهم وسعادتهم – قد توحدت الولايات أول الأمر ضد الأخطار التي هددتها من جانب الحكم القديم، وأن اللجان والمؤتمرات قد تشكلت لتركيز جهودها وحماية حقوقها؛ وأنه قد تم انتخاب أعضاء مؤتمرات في عدة ولايات لوضع دساتير هي التي تحكم تلك الولايات في الوقت الحاضر؛ ولا يمكن نسيان أنه لم يتم تشكيك في غير وقته، ولا تحمّس للحفاظ على أنماط الحكم القديم؛ في أي مكان – إلا لدى أولئك الذين يودون وراء هذه الأقنعة إبراز عدائهم للموضوع الذي تتم مناقشته. ولابد أنهم يعرفون جيداً أنه بحكم أن الخطة التي سيوضع إطارها ويتم اقتراحها سوف ترفع إلى المواطنين أنفسهم – فإن عدم الموافقة على منح هذه السلطة العليا سوف يدمر الخطة إلى الأبد؛ وأن الموافقة عليها تقضي على الأخطاء السابقة والشذوذات. بل لربما مر بخلدهم أنه حيث يسود الاتجاه إلى إثارة اعتراضات تافهة، فإن تكاسلهم عن استخدام الصلاحيات المخولة إليهم، وتوصيتهم باتخاذ أي إجراء غير موكول لصلاحياتهم لن يثير سوء تدبيرهم أقل من توصية فورية باتخاذ إجراء أو سنّ قانون يلبّي كامل حاجات البلاد كافة.
تُرى لو أن المؤتمرين، بتأثير كل هذه الانطباعات ووسط كل هذه الاعتبارات، لم يسلكوا مسلكاً رجولياً واثقاً تجاه بلدهم، الذي ميّزهم بحقّ، ولم يبينوا نظاماً كفؤاً يستطيع ضمان سعادتهم، بل اتخذوا بدلاً من ذلك قرارات بليدة ومتجهمة خيّبت آمال ذلك الوطن فضحّوا بالمضمون في سبيل الشكل، بخصوص ربط أعزّ مصالح وطنهم بشكوك التأجيل، ومخاطر الأحداث المحتملة – في تلك الحال دعني أسأل ذلك الرجل الذي بمقدوره أن يرتقي بعقله إلى مفهوم راق رفيع، ويوقظ في فؤاده شعوراً وطنياً: أي حكم كان سيُصدره العالم الخارجي غير المتحيز، وكل رجل ذي فضيلة فيه، على طبيعة تصرّف المجتمعين في ذلك المؤتمر؟ بل دعني أسأل أي شخص أهل للثقة يُفضي به اندفاعه الوطني إلى إدانتهم فأقول: أي حكم يُضمره فيقدمه للاثنتي عشرة ولاية التي اغتصبت سلطة وحق إرسال مفوضين من قبلها إلى ذلك المؤتمر، والذي هو هيئة غير معروفة أبدأ لدى الدساتير، ولا لدى الكونغرس الذي زكّى تعيين هذه الهيئة، المجهولة تماماً لدى الاتحاد، ولدى ولاية نيويورك بصورة خاصة، تلك الولاية التي حثت أول الأمر ثم وافقت عليه؟ هذا الوضع الوسطيّ غير الشرعيّ.
ولولا أن المعارضين قد يجردون من كل نص وسابقة، لافترضنا لوهلة أن المؤتمرين كانوا غير مخولين بحكم تكليفهم، ولا تبرر لهم الظروف أن يقدموا دستوراً لبلدهم ويطرحوه للبحث: فهل يترتب على ذلك أنه يتوجب رفض الدستور لهذا السبب وحده؟ إذا كان المفهوم النبيل للحياة أن تقبل النصيحة الحسنة النيّة حتى من طرف عدوّ، فهل لنا أن نستن مثالاً شائناً فنرفض تلك النصيحة حتى حين يقدمها الأصدقاء؟ إن البحث الحكيم، وفي جميع الأحوال، يقضي بغير ذلك، ويدعو إلى عدم الاهتمام بـ "من أين جاءت النصيحة" قدر الاهتمام بأنها نصيحة جيدة أو سيئة.
وخلاصة ما تقدّم وتم إثباته في هذه الورقة هو أن التهمة الموجهة إلى أعضاء المؤتمر في أنهم تجاوزوا صلاحياتهم، إلا في حالة واحدة لم يشدّد عليها المعترضون – هي تهمة لا أساس لها يُقيمها وترتكز عليه؛ وأنهم إذا كانوا قد وسّعوا صلاحياتهم، وإنهم لم يكونوا مكلّفين بذلك، فقد كان مطلوباً منهم بحكم أنهم خدام موثوق بهم من قبل وطنهم، وبحكم الظروف التي أحيطوا بها أن يمارسوا الحرية التي ادعوها؛ بل إنهم إذا كانوا قد تجاوزوا صلاحياتهم والتزاماتهم حين اقترحوا دستوراً، فإنه يجب تقبل هذا التجاوز والتمسّك به. إذا كان يُقصد به أن يحقق وجهات نظر المواطنين الأمريكيين وسعادتهم. إلى أي مدى ينطبق ذلك على الدستور المقترح .. ذلك هو الموضوع الخاضع للبحث بعد الآن.
بوبليوس

_______________________
- الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 283-292.
1- كما في بنود إعلان الاستقلال.

العودة للصفحة الرئيسية