المحكمة الدستورية العليا المصرية

 

الدعوى رقم 226 لسنة 20 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"

مبادئ الحكم

 

الإخلال بمبدأ المساواة

إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن الإخلال بمبدأ المساواة أمام القانون يتحقق بأي عمل يهدر الحماية القانونية المتكافئة، تتخذه الدولة سواء من خلال سلطتها التشريعية أو عن طريق سلطتها التنفيذية، بما مؤداه أن أياً من هاتين السلطتين لا يجوز أن تفرض مغايرة في المعاملة ما لم يكن ذلك مبرراً بفروق منطقية يمكن ربطها عقلاً بالأغراض التي يتوخاها العمل التشريعي الصادر عنهما؛ وكان لا صحة للقول بأن كل تقسيم تشريعي يعتبر تصنيفاً منافياً لمبدأ المساواة، بل يتعين دوماً أن ينظر إلى النصوص القانونية باعتبارها وسائل حددها المشرع لتحقيق أغراض يبتغيها، فلا يستقيم إعمال مبدأ المساواة أمام القانون إلا على ضوء مشروعية تلك الأغراض، واتصال هذه الوسائل منطقياً بها؛ ولا يتصور بالتالي أن يكون تقييم التقسيم التشريعي منفصلاً عن الأغراض التي يتغياها المشرع.

وحيث إن المراكز القانونية التي يتعلق بها مبدأ المساواة أمام القانون وفقاً لنص المادة 40 من الدستور، هي التي تتحد في العناصر التي تكون كلاً منها - لا باعتبارها عناصر واقعية لم يُدخلها المشرع في اعتباره - بل بوصفها عناصر اعتد بها مرتباً عليها أثراً قانونياً محدداً، فلا يقوم هذا المركز إلا بتضاممها، بعد أن غدا وجوده مرتبطاً بها، فلا ينشأ أصلاً إلا بثبوتها.

 

 

الدعوى رقم 226 لسنة 20 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"

نص الحكم

 

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 7 يوليه سنة 2001 الموافق السادس عشر من ربيع الآخر سنة 1422هـ.

برئاسة السيد المستشار/ محمد ولى الدين جلال

رئيس المحكمة

وحضور السادة المستشارين/ حمدي محمد علي وعبد الرحمن نصير وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور وعلى عوض محمد صالح.

أعضاء

وحضور السيد المستشار/ محمد خيري طه عبد المطلب النجار

رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن

أمين السر

 أصدرت الحكم الآتي

في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 226 لسنة 20 قضائية "دستورية".

المقامة من

السيدة/ ...

ضد

1- السيد رئيس الجمهورية

2- السيد رئيس مجلس الشعب

3- السيد رئيس مجلس الوزراء

4- السيد رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات

الإجراءات

بتاريخ التاسع من ديسمبر سنة 1998، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالبة الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثالثة من البند (2) من المادة (51) من لائحة العاملين بالجهاز المركزي للمحاسبات الصادرة بقرار مجلس الشعب بجلسة 14 من يناير سنة 1992.

وقدم كل من الجهاز المركزي للمحاسبات وهيئة قضايا الدولة مذكرة بطلب الحكم أصلياً بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى، واحتياطياً برفضها.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.

ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعية كانت قد أقامت الدعوى رقم 478 لسنة 44 قضائية أمام المحكمة الإدارية لرئاسة الجمهورية، وقالت شرحاً لها أنها تعمل بالجهاز المركزي للمحاسبات، وحصلت على أجازة خاصة لرعاية طفلها لمدة ثلاث سنوات من 1/4/1990 حتى 31/3/1993 ثم لمدة سنتين من 1/4/1994 حتى 31/3/1996، ولما كانت الفقرة الثالثة من البند 2 من المادة 51 من لائحة العاملين بالجهاز المشار إليه تنص على تحمله بحصته عن العاملة في التأمين والمعاشات وباشتراكاتها فيها أو منحها تعويضاً عن أجرها يساوي 25% من مرتبها - وفقاً لاختيارها - وذلك لمدة سنتين على الأكثر طوال مدة خدمتها، فقد قام الجهاز بخصم الاشتراكات التأمينية المستحقة عليها عن السنوات الثلاث الزائدة على المدة المحددة طبقاً لتلك اللائحة، وإذ لم ترتض هذا الإجراء فقد أقامت تلك الدعوى طالبة الحكم برد ما سبق خصمه منها؛ وأثناء نظرها دفعت بعدم دستورية نص الفقرة الثالثة من البند 2 من المادة 51 من لائحة العاملين بالجهاز المركزي للمحاسبات، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع وصرحت للمدعية برفع الدعوى الدستورية، فقد أقامت الدعوى الماثلة.

وحيث إنه تنفيذاً للمادة 29 من قانون الجهاز المركزي للمحاسبات الصادر بالقانون رقم 144 لسنة 1988 التي كانت تنص على أن "تنظم شئون العاملين بالجهاز لائحة خاصة تصدر بقرار من مجلس الشعب له قوة القانون بناء على اقتراح أحد أعضائه أو رئيس الجهاز وتتضمن كافة القواعد المنظمة لشئونهم..."؛ فقد صدرت لائحة العاملين بالجهاز المشار إليه بقرار مجلس الشعب بجلسة 14 يناير 1992 - السارية على وقائع النزاع - متضمنة النص في المادة 51 منها على أن: "لرئيس الجهاز منح أجازة خاصة بدون أجر للمدة التي يحددها في الأحوال الآتية:

"1- ...

2-  للعاملة لرعاية طفلها وذلك بحد أقصى عامان في المرة الواحدة ولثلاث مرات طوال حياتها الوظيفية.

ولا يجوز أن تتصل هذه الأجازة بإعارة أو بأي نوع من الأجازات.

واستثناء من حكم المادتين 125 و126 من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، يتحمل الجهاز بحصته عن العاملة في التأمين والمعاشات وباشتراكاتها فيها، وفقاً لأحكام قانون التأمين الاجتماعي المشار إليه، وذلك لمدة سنتين على الأكثر طوال مدة الخدمة أو تمنح تعويضاً عن أجرها يساوي 25% من المرتب الذي كانت تستحقه في تاريخ بدء الأجازة وذلك لمدة سنتين على الأكثر طوال مدة خدمتها، كل ذلك وفقاً لاختيارها.

3-..."

وتنعى المدعية على نص الفقرة الثالثة من البند (2) من تلك المادة أنه أهدر الحماية المقررة للأسرة والمرأة العاملة بمقتضى المواد 9 و10 و11 من الدستور؛ كما أنه حين قصر تحمل الجهاز بحصته عن العاملة في التأمين والمعاشات وباشتراكاتها فيها على مدة سنتين على الأكثر طوال مدة خدمتها، فقد أخل بمبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة 40 من الدستور باعتبار أنه قد أوجد مغايرة في المعاملة بين العاملات في الجهاز، وأقرانهن من العاملات اللاتي يخضعن لنظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، حيث تتحمل جهة العمل باشتراكات التأمين المستحقة عليها وعلى العاملة، أو تُمنح تعويضاً عن أجرها يساوى 25% من المرتب - وذلك وفقاً لاختيارها - عن مدة أجازة رعاية الطفل المقررة كاملة، وقد مد قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996 هذا الحكم إلى جميع العاملات اللائي تحكمهن نظم وظيفية خاصة وكذلك العاملات بقطاع الأعمال العام.

وحيث إن هيئة قضايا الدولة والجهاز المركزي للمحاسبات دفعا بعدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا بنظر الدعوى تأسيساً على أن مناط اختصاصها بالفصل في دستورية القوانين واللوائح أن يكون مبنى الطعن مخالفة التشريع لنص دستوري، فلا يمتد لحالات التعارض بين التشريعات ذات المرتبة الواحدة، وإذ كان جوهر الطعن الماثل هو تعارض نص المادة 51 من لائحة الجهاز مع كل من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 وقانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996 وجميعها ذات مرتبة واحدة، فإنه لا اختصاص للمحكمة الدستورية العليا بنظره.

وحيث إن هذا الدفع مردود بأن ما رددته المدعية من مناع بشأن النص الطعين لم يقتصر على بيان تعارضه مع أحكام مناظرة وردت في نصوص تشريعية أخرى، وإنما نسبت إليه مآخذ تتعلق بعوار دستوري، الأمر الذي يستلزم أن تجيل هذه المحكمة بصرها في تلك المأخذ وأن تعرضها على أحكام الدستور لتقول كلمتها بشأن مدى توافق النص المشار إليه معها أو تعارضه.

وحيث إنه يبين من استعراض أحكام التشريعات المنظمة للعاملين المدنيين بالدولة أن المشرع - تنفيذاً لأحكام الدستور في شأن رعاية الأسرة باعتبارها أساس المجتمع وكذلك حماية الأمومة والطفولة وكفالة التوفيق بين واجبات المرأة نحو أسرتها وعملها في المجتمع - قد حرص على تقرير بعض الحقوق والمزايا للأسرة عامة وللمرأة العاملة خاصة، وفي مقدمتها تلك التي كان قد بدأها بالقانون رقم 46 لسنة 1964 بإصدار قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة ومن بعده القانون رقم 58 لسنة 1971 ثم القانون رقم 47 لسنة 1978، بمنح الزوج أو الزوجة أجازة بدون مرتب إذا سافر أحدهما للعمل أو الدراسة، ثم استحدث حكما جديداً بالقانون الأخير مؤداه أحقية المرأة العاملة في الحصول على أجازة بدون أجر لرعاية طفلها بحد أقصى عامين في المرة الواحدة ولثلاث مرات طوال حياتها الوظيفية، ولم يكتف المشرع بتقرير هذا الحق وإنما زاد عليه بتقريره ميزه مالية تمثلت في تحمل الجهة الإدارية باشتراكات التأمين المستحقة عليها وعلى العاملة أو منحها تعويضاً عن أجرها يساوى 25% من المرتب الذي كانت تستحقه في تاريخ بدء مدة الأجازة وفقاً لاختيارها، وذلك استثناءً من القاعدة العامة المقررة في قانون التأمين الاجتماعي في هذا الشأن.

وحيث إنه ولئن كان قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة يعد الشريعة العامة التي تسري على جميع العاملين بالجهات الإدارية المختلفة، إلا أن الطبيعة الخاصة للنشاط الذي تزاوله بعض هذه الجهات أو الاشتراطات اللازم توافرها في العاملين بها قد تقتضي إفراد هؤلاء العاملين بأحكام خاصة تختلف باختلاف ظروف ومقتضيات العمل في كل منها، ومن بين هذه الجهات الجهاز المركزي للمحاسبات حيث صدر بتنظيمه قانون خاص تضمن نصاً يقضى بإصدار لائحة خاصة لتنظيم شئون العاملين فيه، شاملة كافة القواعد المنظمة لشئونهم وتكون لها قوة القانون، وتنفيذاً لذلك صدرت لائحة العاملين بالجهاز بقرار مجلس الشعب بجلسة 14/1/1992، متضمنة النص الطعين.

وحيث إنه وإن كان التزام التشريعات الخاصة في الحالات السالف الإشارة إليها بأحكام الدستور أمراً لامحيص عنه إلا أن ذلك لا يحول دون جواز تضمين هذه التشريعات أحكاماً تخالف الأحكام الواردة في الشريعة العامة للتوظف، بما قد يؤدي إلى المغايرة في بعض الأوضاع الوظيفية بين العاملين الخاضعين لهذه التشريعات وبين أقرانهم من العاملين الخاضعين لقانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، مراعاة للطبيعة الخاصة لتلك الوظائف. وبالتالي فمتى قدر المشرع عند وضع لائحة العاملين بالجهاز المركزي للمحاسبات - مراعاة لطبيعة العمل بالجهاز والمزايا المالية المقررة للعاملين فيه - الاكتفاء بتقرير الميزة المالية المصاحبة لحق العاملة في الحصول على أجازة لرعاية طفلها والمتمثلة في تحمل الجهاز اشتراكات التأمين أو التعويض بنسبة 25% من الراتب، لمدة سنتين فقط دون باقي مدة تلك الأجازة، فإن هذا المسلك لا يشكل إخلالاً بحقوق الأسرة والمرأة العاملة، وبالتالي فلا مخالفة فيه لأحكام الدستور.

وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن الإخلال بمبدأ المساواة أمام القانون يتحقق بأي عمل يهدر الحماية القانونية المتكافئة، تتخذه الدولة سواء من خلال سلطتها التشريعية أو عن طريق سلطتها التنفيذية، بما مؤداه أن أياً من هاتين السلطتين لا يجوز أن تفرض مغايرة في المعاملة ما لم يكن ذلك مبرراً بفروق منطقية يمكن ربطها عقلاً بالأغراض التي يتوخاها العمل التشريعي الصادر عنهما؛ وكان لا صحة للقول بأن كل تقسيم تشريعي يعتبر تصنيفاً منافياً لمبدأ المساواة، بل يتعين دوماً أن ينظر إلى النصوص القانونية باعتبارها وسائل حددها المشرع لتحقيق أغراض يبتغيها، فلا يستقيم إعمال مبدأ المساواة أمام القانون إلا على ضوء مشروعية تلك الأغراض، واتصال هذه الوسائل منطقياً بها؛ ولا يتصور بالتالي أن يكون تقييم التقسيم التشريعي منفصلاً عن الأغراض التي يتغياها المشرع.

وحيث إن المراكز القانونية التي يتعلق بها مبدأ المساواة أمام القانون وفقاً لنص المادة 40 من الدستور، هي التي تتحد في العناصر التي تكون كلاً منها - لا باعتبارها عناصر واقعية لم يُدخلها المشرع في اعتباره - بل بوصفها عناصر اعتد بها مرتباً عليها أثراً قانونياً محدداً، فلا يقوم هذا المركز إلا بتضاممها، بعد أن غدا وجوده مرتبطاً بها، فلا ينشأ أصلاً إلا بثبوتها. لما كان ذلك، وكان المركز القانوني للعاملة في الجهاز المركزي للمحاسبات وإن اتفق في بعض معطياته مع المركز القانوني لقريناتها من العاملات المدنيات بالدولة إلا أنه يختلف في العديد منها، ومن ثم فإن المغايرة في بعض الأحكام القانونية بينهما - طالما اتفقت مع الغرض من تقريرها بما قد يترتب عليها من مفارقة في المعاملة المالية - تغدو مبررة من زاوية دستورية، مهما بدت بعيدة حسابياً عن الكمال.

 وحيث إنه لا دليل من النص الطعين - على النحو المتقدم - على إخلاله بمبدأ المساواة أو الحماية المقررة للأسرة والمرأة العاملة أو مخالفة للدستور من أي وجه آخر، فإن الحكم برفض الدعوى يكون متعيناً.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعية المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

 

العودة للصفحة الرئيسية