المحكمة الدستورية العليا المصرية

 

قضية رقم 130 لسنة 5 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"

مبادئ الحكم: حراسة - مبدأ المساواة - ملكية

نص الحكم
باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم 6 فبراير سنة 1993 م

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر

رئيس المحكمة

والسادة المستشارين/ الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد ولي الدين جلال وفاروق عبد الرحيم غنيم وسامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد علي سيف الدين

أعضاء                    

وحضور السيد المستشار/ محمد خيري طه عبد المطلب

رئيس هيئة المفوضين         

وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد

أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 130 لسنة 5 قضائية "دستورية".

الإجراءات

بتاريخ 9 يونيو سنة 1983 أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا بطلب الحكم بعدم دستورية قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 141 لسنة 1981 الخاص بتصفية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة عدا ما جاء به متفقا مع أحكام الدستور.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة دفاع طلبت فيها الحكم أصليا بعدم قبول الدعوى، واحتياطيا برفضها.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.

ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة.

حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعي كان قد أقام دعواه الموضوعية أمام محكمة القيم طالبا الحكم برد أمواله الخاضعة لتدابير الحراسة عينا. وأثناء نظر هذه الدعوى دفع بعدم دستورية أحكام القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 بتصفية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعه وصرحت له برفع الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة طالبا الحكم بعدم دستورية أحكام القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 برمتها وذلك عدا ما جاء به متفقا مع أحكام الدستور. وبمذكرة تم إيداعها بتاريخ 4 نوفمبر 1990، قصر المدعي طلباته على الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة السادسة من القرار بقانون المشار إليه.

وحيث إن من بين ما ينعاه المدعي على الفقرة الثانية من المادة السادسة من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 المشار إليه، مخالفتها للحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية الخاصة المنصوص عليها في المواد 34، 35، 36 من الدستور، وذلك فيما قررته من أن "لا تقبل الدعاوى المتعلقة بالحقوق الناشئة عن الحراسة التي فرضت قبل العمل بالقانون رقم 34 لسنة 1971 بتنظيم فرض الحراسة وتأمين سلامة الشعب أو المترتبة عليها ما لم ترفع الدعوى بشأنها خلال سنة من تاريخ العمل بهذا القانون".

وحيث إن هذا النعي سديد في جوهره، ذلك أن البين من الأعمال التحضيرية للقرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 المشار إليها أن جهات القضاء المختلفة كانت قد أصدرت أحكاما متوالية قررت بموجبها اعتبار أوامر فرض الحراسة على الأشخاص الطبيعيين الصادرة استنادا إلى أحكام القانون رقم 162 لسنة 1958 في شأن حالة الطوارئ باطله عديمة الأثر قانونا. وإذ كان إعمال الآثار التي رتبتها هذه الأحكام في شأن تلك الأوامر مؤداه أن ترد عينا لهؤلاء الأشخاص أموالهم وممتلكاتهم، فقد تقرر - لمواجهة هذه الآثار وتنظيما لها، وإنهاء للمنازعات القائمة في شأنها، وتوقيا لإثارة منازعات جديدة بصددها - التدخل تشريعيا بالنصوص التي تضمنها القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981، وذلك للحد بوجه خاص من الآثار المترتبة على قيام هؤلاء الأشخاص باسترداد بعض أموالهم وممتلكاتهم ممن يحوزونها مدد طويلة رتبوا خلالها وعلى أساسها أحوالهم المعيشية، مما يناقض السلام الاجتماعي، ويمس بعض الأوضاع السياسية والاقتصادية في الدولة، ويبرر الالتجاء إلى التنفيذ بطريق التعويض بدلا من التنفيذ العيني، وعلى أساس أنه ليس ثمة ما يحول دون تدخل المشرع لتنظيم عناصر التعويض وذلك بتقرير أسس لتحديده لا تتضمن أية مصادرة كلية أو جزئية للحق في التعويض.

وحيث إنه توكيدا لانعدام أوامر فرض الحراسة الصادرة في حق الأشخاص الطبيعيين على النحو المتقدم، وإقرارا بما انطوت عليه هذه الأوامر من عدوان على الملكية الخاصة يرقى إلى مرتبة اغتصابها، نصت المادة الأولى من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 المشار إليه على "أن تعتبر كأن لم تكن الأوامر الصادرة بفرض الحراسة على الأشخاص الطبيعيين وعائلاتهم وورثتهم استنادا إلى أحكام القانون رقم 162 لسنة 1958 في شأن حالة الطوارئ وتتم إزالة الآثار المترتبة على ذلك على الوجه المبين في هذا القانون..." مقننة بنصها هذا ما استقر عليه القضاء من اعتبار هذه الأوامر متضمنة عيبا جسيما لصدورها فاقدة لسندها في أمر ينطوي على اعتداء على الملكية الخاصة التي نص الدستور على صونها وحمايتها، مما يجرد الأوامر من مشروعيتها الدستورية والقانونية، وينحدر بها إلى مرتبة الأعمال المادية عديمة الأثر قانونا. وهو ما عززته المادة الثانية من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 وذلك بما قررته في صدرها - وكأثر حتمي لأعمال مادته الأولى - من أن ترد عينا إلى الأشخاص الطبيعيين وعائلاتهم وورثتهم الذين شملتهم تدابير الحراسة المشار إليها في المادة الأولى من هذا القانون، جميع أموالهم وممتلكاتهم. أما ما أوردته المادة الثانية من استثناء للحد من إطلاق هذه القاعدة، فقد اعتبرته هذه المحكمة بحكمها الصادر في القضيتين رقمي 139، 140 لسنة 5 قضائية دستورية، مخالفا للدستور على أساس أن التعويض الذي قررته المادة الثانية لأموال الخاضعين وممتلكاتهم التي استثنتها من قاعدة الرد العيني، ليس معادلا لقيمتها الحقيقة.

وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان تطبيق أحكام القرار بالقانون رقم 141 لسنة 1981 المشار إليه وما أثير بشأنها من مناع  متعلقة بدستوريتها، إنما يدور حول الملكية الخاصة التي اختصها الدستور بالحماية وكفل صونها باعتبارها في الأصل ثمرة مترتبة على الجهد الخاص الذي بذله الفرد بكده وعرقه، وبوصفها حافزا إلى الانطلاق والتقدم، إذ يختص دون غيره بالأموال التي يملكها وتهيئتها للانتفاع المفيد بها لتعود إليه ثمارها. إذ كان ذلك، وكانت الفقرة الثانية من المادة السادسة المطعون عليها قد حددت ميعاد سنة من تاريخ العمل بالقرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 كي ترفع خلالها الدعاوى المتعلقة بالحقوق الناشئة عن الحراسات التي عينتها أو المترتبة عليها، وإلا كانت غير مقبولة، فإن هذا الميعاد يكون مرتبطا بدعوى الاستحقاق التي تحمى تلك الحقوق، ومسقطا لها بفواته.

وحيث إنه متى كان ذلك، وكان الأصل في دعوى الاستحقاق، أنه ليس لها أجل محدد تزول بانقضائه، وذلك بناء على ما لحق الملكية من خاصية تميزه عن غيره من الحقوق الشخصية، وكذلك عن غيره من الحقوق العينية الأصلية منها أو التبعية. وتتمثل هذه الخاصية في أن الملكية وحدها هي التي تعتبر حقا دائما، وتقتضي طبيعتها ألا يزول هذا الحق بعدم الاستعمال، ذلك إنه أيا كانت المدة التي يخرج فيها الشئ من حيازة مالكه، فإنه لا يفقد ملكيته بالتقاعس عن استعمالها، بل يظل من حقه أن يقيم دعواه لطلبها مهما طال الزمن عليها إلا إذا كسبها غيره وفقا للقانون، بما مؤداه أن حق الملكية باق لا يزول ما بقي الشئ المملوك. ومن ثم لا تسقط الدعوى التي تحميه بانقضاء زمن معين سواء كان محل الملكية منقولا أو عقارا. ولئن نص القانون المدني على أن المنقول يصبح لا مالك له إذا تخلى عنه مالكه بقصد النزول عن ملكيته، إلا أن هذا التخلي لا يفيد أن حق الملكية في المنقول من الحقوق الموقوتة، بل يظل حق الملكية في المنقول حقا دائما إلى أن ينزل عنه صاحبه ولا يعتبر النزول عن الحق توقيتا له. متى كان ذلك، وكان لا يتصور أن يكون حق الملكية ذاته غير قابل للسقوط بالتقادم وتسقط مع ذلك بالتقادم الدعوى التي يطلب بها هذا الحق، فإن النص المطعون عليه يكون قد انتقص من الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية، وجاء بالتالي مخالفا لنص المادة 34 منه. ولا ينال مما تقدم قالة أن الذين خضعوا لتدابير الحراسة يعتبرون بالنسبة إلى أموالهم وممتلكاتهم التي يطلبون ردها في مركز قانوني مختلف عن غيرهم ممن يدعون ملكية شئ غير خاضع لهذه التدابير ويقيمون دعوى الاستحقاق لطلبه، ذلك أن هؤلاء وهؤلاء يطلبون رد أموالهم وممتلكاتهم إليهم أيا كان سبب كسبهم ملكيتها، ولا يتمايزون عن بعضهم البعض إلا في واقعة بعينها، هي في ذاتها منعدمة من الناحية الدستورية والقانونية، تلك هي المتعلقة بخضوع الأولين لتدابير الحراسة التي فرضتها الدولة عدوانا على ملكيتهم واغتصابا لها. ولا يتصور قانونا أن تكون الواقعة المنعدمة مرتبة لأية آثار في محيط العلاقات القانونية، ذلك أن انعدامها زوال لها واجتثاث لها من منابتها وإفناء لذاتيتها، وإذ كان القضاء قد جرد أوامر الحراسة من كل قيمة وقرر انحدارها إلى مرتبة الأعمال المادية عديمة الأثر قانونا، فإن من غير المتصور أن تؤول في أثرها إلى الانتقاص من حقوق هؤلاء الذين ناءوا بعبئها.

وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان التمييز بين المراكز القانونية بعضها البعض، يفترض تغايرها - ولو في بعض جوانبها - تغايرا يقوم في مبناه على عدم اتحاد هذه المراكز في العناصر التي تكونها، وكان من المقرر قانونا أن كل واقعة منعدمة ليس لها من وجود، إذ هي ساقطة في ذاتها والساقط لا يعود، فإن مثل هذه الواقعة - وهي في إطار النزاع الراهن واقعة فرض الحراسة على أموال الأشخاص الطبيعيين وممتلكاتهم استنادا إلى قانون الطوارئ - لا يمكن أن يقوم بها التباين بين مركزين قانونيين، ولا يعتد بالآثار التي رتبها المشرع عليها خاصة ما تعلق منها بالانتقاص من الحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية، وهي حماية يفرضها مبدأ خضوع الدولة للقانون المنصوص عليه في المادة 65 من الدستور بما يتضمنه هذا المبدأ من استقامة المنحى عند إقرار النصوص التشريعية، وذلك بالتقيد بالضوابط التي فرضها الدستور في شأن الحقوق والحريات التي كفلها. متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه قد خص الفئة التي تعلق بها مجال تطبيقه بمعاملة استثنائية جائرة لا تستند إلى أسس موضوعية رتبها على كونهم ممن خضعوا لتدابير الحراسة التي فرضتها الدولة عليهم بأوامرها، وهي تدابير منعدمة في ذاتها على ما سلف بيانه، ولا يقوم بها التباين في المراكز القانونية بين هؤلاء وبين غيرهم ممن يتمتعون بالحماية الكاملة التي ضمنها الدستور لحق الملكية أيا كان صاحبها، وكانت دعوى الاستحقاق سواء كان محلها منقولا أو عقارا لا تندرج تحت الدعاوى التي يتقيد رفعها بميعاد، فإن النص المطعون فيه إذ أفرد المخاطبين بأحكامه - المعتبرين ملاكا كغيرهم - بميعاد قصره عليهم، ناقض به جوهر الملكية وأخل بالحماية التي كفلها الدستور لها. وكذلك بمبدأ المساواة أمام القانون يكون قد وقع في حومة المخالفة الدستورية لتعارضه وأحكام المادتين 34، 40 من الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة السادسة من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 بتصفية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

 

 

العودة للصفحة الرئيسية