التزامات السودان بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية

 

السودان أحد الدول الأطراف في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 كانون الأول/ديسمبر 1966، ويبلغ عدد الدول الأطراف في هذا العهد 160 دولة في أيار/مايو 2010، إذ انضم إليه في 18 مارس 1986. ووفقا للمادة 27 من الدستور الانتقالي للسودان لعام 2005 فإن كل الحقوق والحريات المضمنة في هذا العهد تعد جزءا لا يتجزأ من الدستور.

 وتنص المادة الأولى من هذا العهد على حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها، وكونها حرة في تقرير مركزها السياسي وفي السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

فيما تتضمن المواد الأربعة التالية عدد من الأحكام العامة، منها: التزام الدول الأطراف بأن تجعل ممارسة الحقوق المنصوص عليها في العهد برئية من أية تمييز، وعلى نحو خاص أن تضمن مساواة الذكور والإناث في حق التمتع بجميع تلك الحقوق. هذا وتعد المادة الثانية من العهد بالغة الأهمية لفهم طبيعة التزامات الدول الأطراف في العهد، إذ توضح أن على تلك الدول التزام بأن تتخذ، بمفردها وعن طريق المساعدة والتعاون الدوليين، وبأقصى ما تسمح به مواردها المتاحة وبأكبر قدر ممكن من السرعة والفعالية ما يلزم من خطوات نحو تحقيق التمتع الفعلي التدريجي للحقوق المعترف بها في العهد، سالكة إلى ذلك جميع السبل المناسبة، وخصوصا سبيل اعتماد تدابير تشريعية، إذ يعد التشريع مستصوب للغاية في كثير من الحالات، وقد لا يستغنى عنه في بعض الحالات كما هو الأمر في مكافحة التمييز، ومن التدابير الأخرى توفير سبل التظلم القضائي والتدابير الإدارية والمالية والتعليمية والاجتماعية.

ويجب الانتباه إلى أن العهد وإن كان ينص على الإعمال التدريجي للحقوق التي يعترف بها، ويقر بوجود قيود ناشئة عن محدودية الموارد المتاحة، فهو يفرض أيضا التزامات لها أثر فوري. ومن هذه الالتزامات، هناك التزامان يتصفان بأهمية خاصة لتفهم الطبيعة المحددة لالتزامات الدول الأطراف في العهد. أحدهما، هو تعهد الدول الأطراف "بأن تضمن جعل ممارسة الحقوق" ذات الصلة ممارسة "لا يشوبها أي تمييز...". أما التعهد الآخر، فهو تعهد الدول الأطراف، "بأن تتخذ... خطوات"، وهو تعهد ليس، في حد ذاته، مقيدا أو محدودا باعتبارات أخرى. وعليه، ففي حين أن الإعمال التام للحقوق ذات الصلة يمكن تحقيقه تدريجيا، فلا بد من اتخاذ خطوات باتجاه هذا الهدف في غضون مدة قصيرة معقولة من الزمن بعد بدء نفاذ العهد بالنسبة إلى الدول المعنية. وينبغي أن تكون هذه الخطوات متعمدة ومحددة وهادفة بأكبر درجة ممكنة من الوضوح إلى الوفاء بالالتزامات المعترف بها في العهد.

والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية شأن كافة حقوق الإنسان تفرض ثلاثة أنواع أو مستويات من الالتزامات على الدول: التزامات الاحترام والحماية والأداء. وبدوره يجسد الالتزام بالأداء التزاما بالتسهيل والتزاما بالتوفير. فمثلا فيما يخص الحق في التعليم، يتطلب الالتزام بالاحترام من الدول الأطراف أن تتحاشى التدابير التي تعرقل أو تمنع التمتع بالحق في التعليم. ويتطلب الالتزام بالحماية من الدول الأطراف أن تتخذ تدابير لمنع الغير من التدخل في التمتع بالحق في التعليم. ويتطلب الالتزام بالأداء (بالتسهيل) من الدول أن تتخذ تدابير إيجابية تمكن الأفراد والجماعات وتساعدها على التمتع بالحق في التعليم. وأخيرا تلتزم الدول الأطراف بأن تؤدي (توفر) الحق في التعليم. وكقاعدة عامة تلتزم الدول الأطراف بأن تؤدي (توفر) حقا محددا في العهد حين يكون فرد أو مجموعة عاجزا لأسباب تخرج عن إرادته عن تنفيذ الحق بنفسه بالوسائل المتاحة له. غير أن مدى هذا الالتزام خاضع للضوابط المنصوص عليها في العهد.

ويعترف العهد بالعديد من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية كالحق في العمل، إذ يجب على الدول الأطراف أن تتخذ تدابير لصون الحق في العمل بما في ذلك توفير برامج التوجيه والتدريب التقنيين والمهنيين، وانتهاج سياسات وبرامج من أجل توفير فرص العمل. وعليها أيضا فيما يخص الحق في شروط عمل عادلة ومرضية أن تعترف بحق كل شخص في التمتع بشروط عمل عادلة ومرضية بما في ذلك الحصول على أجر منصفا ومكافأة متساوية لدى تساوي قيمة العمل دون أي تمييز، وظروف عمل تكفل السلامة والصحة، وتحديد معقول لساعات العمل وأوقات الفراغ والراحة والأجازات، وكذلك تساوي الجميع في فرص الترقية.

وتتعهد الدول الأطراف في العهد بكفالة: حق كل شخص في تكوين النقابات بالاشتراك مع آخرين، وحق النقابات في إنشاء اتحادات أو اتحادات حلافية قومية، وحقها في ممارسة نشاطها بحرية، وأيضا بكفالة حق الإضراب.

وتقر الدول الأطراف بحق كل شخص في الضمان الاجتماعي، بما في ذلك التأمينات الاجتماعية، ويجب منح الأسرة أكبر قدر من الحماية الممكنة والمساعدة، وتوفير حماية خاصة للأمهات قبل الوضع وبعده، كما ينبغي منح الأمهات العاملات، أثناء الفترة المذكورة، أجازة مأجورة أو أجازة مصحوبة باستحقاقات ضمان اجتماعي كافية، ويجب أن ينعقد الزواج برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاء لا إكراه فيه، وتتخذ تدابير حماية ومساعدة خاصة لصالح جميع الأطفال المراهقين.

وعلى الدول الأطراف أن تتخذ التدابير اللازمة لإنفاذ حق كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى، وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية. وتسليما بما لكل إنسان من حق أساسي في التحرر من الجوع على الدول الأطراف، بمفردها وعن طريق التعاون الدولي، أن تعتمد ما يلزم تدابير من أجل تحسين طرق إنتاج وحفظ وتوزيع المواد الغذائية، وتأمين توزيع الموارد الغذائية العالمية توزيعا عادلا في ضوء الاحتياجات.

وينبغي أن تشمل التدابير التي على الدول الأطراف اتخاذها من أجل تأمين الممارسة الكاملة لحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه: العمل على خفض معدل موتى المواليد ومعدل وفيات الرضع وتأمين نمو الطفل نموا صحيا، وتحسين جميع جوانب الصحة البيئية والصناعية، والوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطنة والمهنية والأمراض الأخرى وعلاجها ومكافحتها، وتهيئة ظروف من شأنها تأمين الخدمات الطبية والعناية الطبية للجميع في حالة المرض.

كما تقر الدول الأطراف بحق كل فرد في التربية والتعليم. ويجب توجيه التربية والتعليم إلى الإنماء الكامل للشخصية الإنسانية والحس بكرامتها وإلى توطيد احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. وكذلك يجب أن تستهدف التربية والتعليم تمكين كل شخص من الإسهام بدور نافع في مجتمع حر، وتوثيق أواصر التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الأمم ومختلف الفئات السلالية أو الاثنية أو الدينية، ودعم الأنشطة التي تقوم بها الأمم المتحدة من أجل صيانة السلم. ويتطلب ضمان الممارسة التامة لهذا الحق: جعل التعليم الابتدائي إلزاميا وإتاحته مجانا للجميع، وتعميم التعليم الثانوي بمختلف أنواعه، وجعله متاحا للجميع بكافة الوسائل المناسبة ولا سيما بالأخذ تدريجيا بمجانية التعليم، وجعل التعليم العالي متاحا للجميع على قدم المساواة، تبعا للكفاءة، بكافة الوسائل المناسبة ولا سيما بالأخذ تدريجيا بمجانية التعليم، وكذلك تشجيع التربية الأساسية أو تكثيفها، من أجل الأشخاص الذين لم يتلقوا أو لم يستكملوا الدراسة الابتدائية، والعمل بنشاط على إنماء شبكة مدرسية على جميع المستويات، وإنشاء نظام منح واف بالغرض، ومواصلة تحسين الأوضاع المادية للعاملين في التدريس. وعلى الدول الأطراف أيضا أن تحترم حرية الآباء، أو الأوصياء عند وجودهم، في اختيار مدارس لأولادهم غير المدارس الحكومية، شريطة تقيد المدارس المختارة بمعايير التعليم الدنيا التي قد تفرضها أو تقرها الدولة، وبتأمين تربية أولئك الأولاد دينيا وخلقيا وفقا لقناعاتهم الخاصة. وعلى الدول التي لم تتمكن من كفالة إلزامية ومجانية التعليم الابتدائي قبل أن تصبح طرفا في العهد أن تقوم في خلال سنتين، من التاريخ الذي أصبحت فيه طرفا، بوضع واعتماد خطة عمل مفصلة للتنفيذ الفعلي والتدريجي لمبدأ إلزامية التعليم الابتدائي ومجانيته للجميع، خلال عدد معقول من السنين يحدد في الخطة. هذا ولكل فرد حق المشاركة في الحياة الثقافية وأن يتمتع بفوائد التقدم العلمي وبتطبيقاته. وعلى الدول الأطراف احترام حرية البحث العلمي والنشاط الإبداعي

وقد تم تطوير نظام مراقبة مدى وفاء الدول الأطراف بالتزاماتها بمقتضى العهد، حيث بات هناك اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتي يتم تشكيلها من 18 خبيرا مستقلا، تنتخبهم الدول الأطراف  لدورة مدتها أربع سنوات ويعملون بصفة شخصية ويراعى في اختيارهم عدالة التوزيع الجغرافي وتمثيل الحضارات والنظم القانونية الرئيسية. وعلى الدول الأطراف أن تقدم للجنة تقارير دورية عن التدابير التي اتخذتها لإعمال الحقوق المعترف بها في العهد وعن التقدم المحرز في التمتع بهذه الحقوق، وتقوم اللجنة بفحص هذه التقارير وإبداء ملاحظاتها. وفحصت اللجنة تقرير السودان الأولي في تشرين الأول/أكتوبر 1997 وكان من بين ما أبدته من ملاحظات وتوصيات: أنه بالرغم من الأحكام الدستورية التي تنص على استقلال القضاء، فإنها تشعر بالقلق لأن السلطة القضائية لا تزال تفتقر إلى الدرجة اللازمة من الاستقلال لضمان تنفيذ وحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كما أعربت عن بالغ قلقها إزاء الاختلاف الشاسع في السودان بين الأحكام الدستورية التي تكفل الحقوق والحريات، من ناحية، وبعض الأحكام القانونية، فضلا عن الأعراف والممارسات التقليدية، من ناحية أخرى، حيث أشارت إلى أن المركز المجتمعي والقانوني للمرأة بوجه عام، وأحكام القانون الجنائي تعد أمثلة على ذلك.

وأبدت اللجنة قلقها من استمرار مشكلة الملاريا، وزيادة حدوث الإصابات بفيروس نقص المناعة البشري/الإيدز. وطلبت من الدولة أن تقدم إليها بيانات إحصائية ومعلومات دقيقة عن حالة الفقر ووضع البطالة، والمزيد من المعلومات التفصيلية عن وضع النقابات وأنشطتها.

وحثت اللجنة الدولة على معالجة الأسباب الجذرية لمشكلة المشردين داخليا، وأن تتعاون في الأجلين القصير والمتوسط مع المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية من أجل وضع تدابير (مؤقتة) كافية تؤمن الاحتياجات الأساسية لهذه الجماعة، كالمأوى الأساسي الملائم، والعمالة، والأغذية والرعاية الصحية، ومواصلة التعليم بالنسبة للأطفال.

كما دعت الدولة إلى إيلاء اهتمام كاف لتحديد أكثر مشاكلها وشواغلها إلحاحا فيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المنصوص عليها في العهد وأن تصوغ هذه الأولويات في خطة عمل شاملة لحقوق الإنسان، يجري فيها تبويب التدابير الممكنة التي يجب اتخاذها وفقا لإمكانية تنفيذها من حيث الوقت والموارد.

وحتى أيار/مايو كان السودان متأخرا عن تقديم تقريريه الثاني والثالث واللذين كان يجب عليه تقديمها في حزيران/يونيه 2003 حزيران/يونيه2008، وهو حال دون قيام اللجنة بدورها في فحص التدابير التي اتخذها لإعمال الحقوق المعترف بها في العهد، ومدى إعماله لملاحظاتها وتوصياتها السابقة.

العودة للصفحة الرئيسية