آراء وقرارات لجنة مناهضة التعذيب بموجب المادة 22 من الاتفاقية

البلاغ رقم 128/1999


مقدم من: س. ج. (الاسم محذوف) [يمثله محام]
الضحية المزعومة: مقدم البلاغ
الدولة الطرف: سويسرا
تاريخ البلاغ: 2 آذار/مارس 1999

إن لجنة مناهضة التعذيب، المنشأة بموجب المادة 17 من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة،
المجتمعة في 15 أيار/مايو 2001،
وقد انتهت من نظرها في البلاغ 128/1999، المقدم إلى لجنة مناهضة التعذيب بموجب المادة 22 من الاتفاقية،
وقد أخذت في اعتبارها جميع المعلومات التي وافاها بها مقدم البلاغ، والدولة الطرف،
تعتمد القرار التالي:
1-1 مقدم البلاغ هو السيد س. ج. وهو مواطن سوري من أصل كردي، مولود في 20 آذار/مارس 1960. ويعيش حالياً في سويسرا حيث قدم طلب حق اللجوء السياسي. ولكن طلبه رُفض، وهو يدعي أن إكراهه على العودة إلى الجمهورية العربية السورية سيشكل انتهاكاً من جانب سويسرا للمادة 3 من الاتفاقية. وقد طلب من اللجنة تطبيق التدابير الطارئة لأنه كان وقت تقديم البلاغ، معرضاً للطرد الفوري. ويمثل مقدم البلاغ محام.
1-2 وعملاً بالفقرة 3 من المادة 22 من الاتفاقية، أحالت اللجنة البلاغ إلى الدولة الطرف في 12 آذار/مارس 1999. وفي نفس الوقت، طلبت اللجنة من الدولة الطرف، بموجب الفقرة 9 من المادة 108 من نظامها الداخلي، ألاّ تعيد مقدم البلاغ إلى الجمهورية العربية السورية ما دام طلبه قيد نظر اللجنة.

الوقائع كما عرضها مقدم البلاغ
2-1 يدعي مقدم البلاغ أنه من أعضاء الحزب الديمقراطي الكردي العراقي(1) منذ عام 1980. ويدعي أنه شارك بصفته هذه في تظاهرات عديدة نظمها الحزب، لا سيما نقل الأموال لدعم الأكراد في العراق، وكذلك توزيع منشورات تستنكر فيها حالة الأكراد في الجمهورية العربية السورية من الذين جردتهم الدولة السورية من جنسيتهم.
2-2 ويدعي مقدم البلاغ أنه تعرض للاحتجاز مرتين على أيدي قوات الأمن السورية. المرة الأولى أثناء غزو العراق للكويت، عندما كانت بحوزته أموال موجهة إلى العراق. وتم الإفراج عنه بعد احتجازه لمدة 18 يوماً، وبعد أن دفعت أسرته من أجل إطلاق سراحه مبلغاً كبيراً من المال. ووقع إلقاء القبض الثاني في عام 1993. وظل مقدم البلاغ محتجزاً هذه المرة مدة 96 يوماً في سجن المزة، بالقرب من دمشق وتعرض للتعذيب. ولم يتم إطلاق سراحه إلا بعد أن تعهد بعدم القيام بأي نشاط سياسي في المستقبل. ودفعت أسرته مرة أخرى مبلغاً قدره 000 6 دولار لإطلاق سراحه.
2-3 ومن ثم، استمر مقدم البلاغ في ممارسة أنشطته السياسية. وفي شهر آذار/مارس 1995، قام بتنبيهه أحد أفراد أسرته بأن لديه معلومات من مديرية الأمن، بأنه سيتم إلقاء القبض عليه من جديد. وبناء على ذلك، قرر مقدم البلاغ الهروب من البلد وعبر الحدود بصورة غير قانونية متوجهاً إلى لبنان وغادر لبنان بواسطة قارب في شهر آذار/مارس دون أن يترك أية معلومات عن وصوله إلى أوروبا. وفي 10 نيسان/أبريل 1995، قدم طلباً للحصول على اللجوء السياسي في سويسرا ولا سيما بالاستناد إلى الملاحقات التي كان سيتعرض لها في الجمهورية العربية السورية.
2-4 وفي 28 أيار/مايو 1996، رفض المكتب الاتحادي للاجئين طلب مقدم البلاغ للحصول على اللجوء، وحدد تاريخ 15 آب/أغسطس 1996كموعد أقصى لمغادرة مقدم البلاغ الأراضي السويسرية. وطعن مقدم البلاغ، فيما بعد، في هذا القرار أمام اللجنة السويسرية للطعون المتعلقة باللجوء، واستند في طعنه إلى تقرير طبي يشهد بتعرضه للتعذيب في السابق. ورفضت لجنة الطعن طلب مقدم البلاغ في 8 تموز/يوليه 1996، معلنة عدم مقبوليته على أساس عدم مراعاة المواعيد المحددة لتقديم الاستئناف.
2-5 وفي 8 آب/أغسطس 1996، قدم صاحب البلاغ طلباً إلى المكتب الاتحادي للاجئين لإعادة النظر في قضيته (وهو إجراء استثنائي يسمح بإعادة النظر في قرارات بدأ سريانها بالفعل. وطلب مقدم البلاغ على وجه التحديد الإشارة إلى أن تنفيذ أمر طرده من سويسرا سيشكل انتهاكاً لمبدأ عدم الطرد المنصوص عليه في المادة 33 من الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين، وكذلك منع التعذيب المنصوص عليه في المادة 3 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، بل وأكثر من ذلك للمادتين 2 و3 من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. وفي 9 آب/أغسطس 1996 رفض المكتب الاتحادي للاجئين طلب إعادة النظر، واعتبر أن مقدم البلاغ لم يقدم واقعة أو أدلة جديدة بل أنه كان يحاول ببساطة الحصول على موافقة للنظر من جديد في الوقائع التي قدمها في الإجراء الأولي. وأمر المكتب الاتحادي للاجئين بالتنفيذ الفوري لقرار إبعاد مقدم البلاغ من سويسرا، معتبراً أن إبعاده لا يخالف الالتزامات التشريعية أو التعاقدية للاتحاد السويسري.
2-6 وفي 8 أيلول/سبتمبر 1996 طعن صاحب البلاغ في قرار المكتب الاتحادي للاجئين. وبعد أن قدم صاحب البلاغ إلى اللجنة السويسرية للطعون المتعلقة بمسائل اللجوء طلباً جديداً حاول فيه إثبات عدم مشروعية تنفيذ قرار طرده بموجب الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين واتفاقية مناهضة التعذيب، قررت اللجنة السويسرية وقف تنفيذ الطرد وسمحت لمقدم البلاغ أن يظل في سويسرا بانتظار نتيجة الإجراء. وطلب رأي المكتب الاتحادي للاجئين في هذا الطعن، وفي 29 نيسان/أبريل 1997، أكد المكتب موقفه بأن إعادة مقدم البلاغ إلى الجمهورية العربية السورية لن يعرض سلامته الجسدية للخطر. وفي إطار نفس الإجراء، أصر محامي مقدم البلاغ على استنتاجاته في 20 أيار/مايو 1997.
2-7 تم من حيث المضمون النظر في الطعن ورفضته لجنة الطعون بموجب قرارها المؤرخ 18 حزيران/يونيه 1996، الذي يفيد بأن مقدم البلاغ لم يقدم أسباباً تبرر إعادة النظر ولعدم وجود خطر فعلي للتعذيب في حالة ترحيله إلى سوريا. ووفقاً لهذا القرار، طُلب إلى مقدم البلاغ مغادرة الأراضي السويسرية قبل 15 شباط/فبراير 1999.
الأسس الموضوعية للشكوى
3- يدعي صاحب البلاغ أنه إذا ما أعادته سويسرا إلى الجمهورية العربية السورية فإنه سيتعرض للمعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة ولا سيما للتعذيب من قبل السلطات وذلك لأنه ترك سوريا بصورة غير قانونية. فوفقاً لمقدم البلاغ، من الواضح أن هناك انتهاكات صارخة ومنتظمة وجماعية لحقوق الإنسان، في سوريا، وهي تشكل بموجب أحكام الفقرة 2 من المادة 3 من اتفاقية مناهضة التعذيب، ظروفاً يتعين على الدولة الطرف مراعاتها عند اتخاذ قرار الطرد. ويدعى مقدم البلاغ أنه يتعين على سويسرا لهذا السبب ألا تطرده، وإلا فإنها سترتكب انتهاكاً للاتفاقية.
ملاحظات الدولة الطرف بشأن مقبولية البلاغ
4-1 في رسالة مؤرخة 12 أيار/مايو 1999، تصف الدولة الطرف المراحل المختلفة للإجراء الذي اتبعه مقدم البلاغ أثناء تقديم طلب لجوء. وتأخذ عليه، بشكل خاص، أنه لم يحترم الموعد المحدد للطعن في قرار المكتب الاتحادي للاجئين برفض طلب اللجوء السياسي. وتشير الدولة الطرف إلى أن عدم احترام الموعد المحدد للطعن أدى إلى قيام اللجنة السويسرية للطعون المتعلقة بمسائل اللجوء بإعادة النظر بصورة استثنائية في الطلب، ولكن للنظر على وجه التحديد - وبالاستناد إلى الملف وحده لا غير - في مسألة ما إذا كان هناك خطر واضح لتعرض مقدم البلاغ في بلده الأصلي للملاحقة أو لسوء المعاملة بشكل يخالف حقوق الإنسان. وترى الدولة أن هذا الإجراء هو إجراء أضيق بالمقارنة مع الإجراء الذي كانت اللجنة السويسرية ستقوم به لو أن مقدم البلاغ كان قد قدم إليها الالتماس عن طريق وسائل الطعن الاعتيادية. ومع ذلك، تعلن الدولة الطرف أنها لا تنازع في مقبولية البلاغ.
تعليقات مقدم البلاغ على ملاحظات الدولة الطرف بشأن المقبولية
5-1 في 28 حزيران/يونيه 1999، أرسل مقدم البلاغ تعليقاته على ملاحظات الدولة الطرف، ويعترف بأن إجراء إعادة النظر لم يتناول سوى احترام سويسرا لالتزاماتها الدولية، وليس تطبيق القانون الوطني المتعلق باللجوء. ويشير مقدم البلاغ في هذا الصدد إلى الأحكام القضائية الصادرة عن اللجنة السويسرية للطعون المتعلقة بمسائل اللجوء (JICRA 1995, no9)، والتي تشير إلى أنه "يحق لمقدم اللجوء، بغض النظر عن المسائل الشكلية المتعلقة بالمواعيد المحددة، المطالبة، في أي وقت من الأوقات، بالنظر فيما إذا كان تنفيذ قرار ترحيله يتمشى مع مبدأ عدم الطرد (المادة 33 من الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين) أو مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة اللاإنسانية (المادة 3 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والمادة 3 من اتفاقية مناهضة التعذيب). وهذه المبادئ هي في الواقع مبادئ مطلقة ولا يمكن لانقضاء موعد إجرائي أن يبرر انتهاكها".
5-2 ولهذا يشير مقدم البلاغ إلى أن اللجنة السويسرية للطعون المتعلقة بمسائل اللجوء أصدرت، في 18 كانون الثاني/يناير 1999، قراراً من وجهة نظر المادة 3 من اتفاقية مناهضة التعذيب، يفيد باحتمال تعرض مقدم البلاغ للتعذيب في حالة ترحيله إلى الجمهورية العربية السورية. وهذا يثبت، حسب قول مقدم البلاغ إن المسألة التي كان يتعين على اللجنة البت فيها، كانت موضع دراسة من قبل السلطة الوطنية المختصة.
ملاحظات الدولة الطرف بشأن الأسس الموضوعية للبلاغ
6-1 في 13 أيلول/سبتمبر 1999، أرسلت الدولة الطرف آراءها بشأن الأسس الموضوعية للبلاغ، وتعيد الدولة الطرف في تعليقاتها النظر في الإجراء المتبع في البلاغ، وتشير إلى أن اللجنة السويسرية للطعون المتعلقة بوسائل اللجوء أجرت، عندما اتخذت قرارها الأخير في 18 كانون الثاني/يناير 1999، بحثاً أضيق مما لو كان مقدم البلاغ قد اتبع وسائل الطعن الاعتيادية.
6-2 وترى الدولة الطرف أن البلاغ لا يتضمن وقائع جديدة بالمقارنة مع ما تم النظر فيه أثناء اتخاذ الإجراءات الوطنية.
6-3 وثانياً، تدعي الدولة الطرف أن مقدم البلاغ لم يقدم أدلة تثبت كثيراً من ادعاءاته، لا سيما فيما يتعلق بادعائه بأنه تعرض للاحتجاز في أحد سجون دمشق لمدة 96 يوماً لأنه وجه انتقاداً إلى النظام، وأنه لم يطلق سراحه إلا بعد أن دفعت أسرته مبلغاً من المال وبعد توقيعه على إعلان بالتخلي عن النشاط السياسي. ولم يتم تسجيل إطلاق سراح مقدم البلاغ في السجلات. وفضلاً عن ذلك، ترى الدولة الطرف أن القيام بتوزيع منشورات تنتقد النظام الحاكم كما ذكر مقدم البلاغ، كانت ستؤدي إلى الحكم عليه بعقوبة السجن لمدة طويلة. وبما أن قيام أسرة صاحب البلاغ بدفع الأموال أمر لم يتم إثباته وأن صاحب البلاغ قد أفرج عنه بعد مرور ثلاثة أشهر فقط، فإن الدولة الطرف ترى أن ذلك يمكن تفسيره على أنه علامة على عدم صحة ادعاءات مقدم البلاغ فيما يتعلق بممارسته أنشطة لصالح الحزب الكردستاني.
6-4 ثم تجري الدولة الطرف، فيما بعد، دراسة عامة لحالة حقوق الإنسان في الجمهورية العربية السورية وتبدي تعليقاتها بشأن وثائق مختلفة قدمها صاحب البلاغ تتعلق بحالة الأكراد في سوريا. ومع وضع بعض البيانات في الاعتبار فإن الدولة الطرف، وتذكّر، في الوقت نفسه، بالممارسة التي تتبعها اللجنة، والتي تفيد بأن وجود انتهاكات منتظمة فادحة أو صارخة أو جماعية لحقوق الإنسان في دولة معينة لا يشكل سبباً كافياً في حد ذاته لإثبات أن شخصاً بعينه سيتعرض للتعذيب عند عودته إلى بلده.
6-5 وتقوم الدولة الطرف فيما بعد بتحليل الحالة الشخصية لمقدم البلاغ للتحقق مما إذا كانت هناك أسباب جادة للتسليم بأنه سيتعرض شخصياً لانتهاكات لحقوق الإنسان في الجمهورية العربية السورية. ووفقاً للدولة الطرف، فإن الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي ليس منظمة غير مشروعة في الجمهورية العربية السورية، بل يبدو أنه يتلقى الدعم من السلطات. واتضح من مصادر مختلفة أن قوات الأمن السورية لا تقوم بملاحقة نشطاء الحزب الديمقراطي الكردستاني إلا إذا كانت هذه الأنشطة تهدد أمن دولة سورية من قبيل الأنشطة العدائية للنظام السوري وهو أمر لم يثبت في حالة مقدم البلاغ. وتخلص الدولة الطرف إلى أنه يمكن، في ظل هذه الظروف، اعتبار أن مقدم البلاغ لا يواجه مخاطر محددة للتعرض لمعاملة تخالف أحكام المادة 3 من الاتفاقية في حالة عودته إلى الجمهورية العربية السورية، لا سيما وأن حالتي الاحتجاز اللتين ادعى بهما مقدم البلاغ تعود إلى أكثر من ست وثماني سنوات.
6-6 وتعلن الدولة الطرف أن الوثائق التي قدمها صاحب البلاغ والواردة من الجمعية الأكاديمية والفكرية للأكراد - فرع سويسرا(2) ومن الحزب الديمقراطي الكردستاني - فرع أوروبا، والتي تشهد بأنه كان عضواً في الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، لا يمكن لها أن تثبت وحدها مخاطر تعرض مقدم البلاغ، لملاحقات قضائية وأوجه معاملة تتنافى مع المادة 3 من الاتفاقية، في حالة ترحيله.
6-7 وتؤكد الدولة الطرف أن مقدم البلاغ لم يبلّغ مطلقاً عن تعرضه للتعذيب لا أثناء جلسات الاستماع في مركز العبور ولا أمام المكتب الاتحادي للاجئين. وكان محامي مقدم البلاغ قد أخذ على السلطات أنها لم تستجوب مقدم البلاغ صراحة عن هذا الشأن. وترد الدولة الطرف على ذلك بأن "من المتوقع منطقياً من شخص سيدعي فيما بعد أنه اضطر إلى مغادرة بلاده خوفاً من التعرض من جديد للتعذيب، أن يتذرع على الأقل بهذا الظرف عندما يتم استجوابه في البلد المضيف عن أسباب طلبه للجوء".
6-8 لذلك تلفت الدولة الطرف أيضاً الانتباه إلى أن مقدم البلاغ لم يقدم الشهادة الطبية المؤرخة 20 آب/أغسطس 1996(3) التي تشهد على أنه وقع ضحية التعذيب في السابق، إلا أمام اللجنة السويسرية للطعون المتعلقة بحالات اللجوء وليس عندما تقدم أول مرة بطلب اللجوء. وتعرب الدولة الطرف عن دهشتها من أن شخصاً يلتمس اللجوء استناداً إلى التعذيب، ينتظر رفض طلبه باللجوء، قبل أن يقدم شهادة طبية، فضلاً عن ذلك ذات قيمة نسبية بسبب انقضاء ثلاث سنوات على الوقائع المعنية. وتستطرد الدولة الطرف قائلة إنه حتى إذا ما اعتبرت ادعاءات مقدم البلاغ بتعرضه للتعذيب في السابق، هي ادعاءات فعلية، فإنها لا تعني، حتى الآن، أنه معرض لخطر يمكن تصوره، وشخصي وفعلي للتعرض للتعذيب من جديد في حالة ترحيله إلى الجمهورية العربية السورية(4).
6-9 وفيما يتعلق بمخاوف مقدم البلاغ بتعرضه لمعاملة لا إنسانية ومهينة لأنه غادر الأراضي السورية بصورة غير قانونية، تلاحظ الدولة الطرف أن مقدم البلاغ لم يفلح في إثبات أن مغادرته للجمهورية العربية السورية كانت بسبب تعرضه للتهديد بأعمال انتقامية تقوم بها السلطات السورية. وكذلك، ليس هناك أي دليل يدعم ادعاء مقدم البلاغ بأن عمه حذرّه من إمكانية تعرضه للاحتجاز الوشيك. وتضيف الدولة الطرف أن إثبات أن مقدم البلاغ كان معرضاً للتهديد وقت مغادرته لبلاده، شرط أساسي لمنحه اللجوء. وفضلاً عن ذلك، لم يقدم صاحب البلاغ دليلاً على مغادرته للأراضي السورية بصورة غير قانونية. وحتى إذا كان مقدم البلاغ قد فعل ذلك، فإن العقوبة على هذه الجنحة هي غرامة أو احتجاز لا يمكن اعتبارهما يخالفان المادة 3 من الاتفاقية.
6-10 وفيما يتعلق بالمخاطر التي سيتعرض لها مقدم البلاغ بسبب تقديمه طلب اللجوء في سويسرا، ترى الدولة الطرف أن السلطات السورية لن تعامله معاملة لا إنسانية أو مهينة لهذا السبب وحده، نظراً لأن السلطات السورية تدرك أن العديد من مواطنيها يحاولون الحصول بهذه الطريقة على الحق في الإقامة على أراضي أوروبية. وتعلن الدولة الطرف أنها لا تملك أدلة ملموسة تشير إلى أن ملتمسي اللجوء الذين يتم ترحيلهم إلى الجمهورية العربية السورية يتعرضون لمعاملة تتنافى وأحكام المادة 3 من الاتفاقية.
6-11 وأخيراً، تنظر الدولة الطرف في ادعاءات مقدم البلاغ بأنه قد يتعرض للملاحقة بسبب علاقته الوثيقة مع حركات معارضة للنظام السوري في سويسرا. وفي هذا الشأن، تلاحظ الدولة الطرف أن المعلومات التي قدمها مقدم البلاغ عن الموضوع هي معلومات غير واضحة تماماً وتفتقر للموضوعية، مما يؤدي إلى الاستنتاج بأن أنشطته محدودة للغاية وإلاّ لكان مقدم البلاغ قد عرضها، بصورة مفصلة أمام السلطات السويسرية المختصة بمسائل اللجوء دفاعاً عن مصلحته الخاصة.
6-12 وفي الختام، ترى الدولة الطرف، في ظل الظروف قيد النظر وبعد إجراء دراسة دقيقة للبلاغ، أنه ليست هناك أية أسباب جادة للاعتقاد بأن مقدم البلاغ سيتعرض للتعذيب في حالة ترحيله إلى الجمهورية العربية السورية. وتشير الدولة الطرف إلى الاستنتاج العام للجنة المؤرخ 21 تشرين الثاني/نوفمبر 1997 دعماً لرأيها بأن البلاغ الحالي لا يتضمن أدنى العناصر الضرورية لتأييد ادعاءات مقدم البلاغ. وتطلب الدولة الطرف من اللجنة أن تخلص إلى أن عودة مقدم البلاغ إلى بلده الأصلي لن تشكل انتهاكاً للالتزامات الدولية للاتحاد السويسري.
تعليقات مقدم البلاغ على ملاحظات الدولة الطرف
7-1 أرسل مقدم البلاغ تعليقاته في 14 كانون الثاني/يناير 2000. وفيما يتعلق بانعدام الأدلة على احتجازه وتعرضه للتعذيب، يقول إنه يواجه صعوبات عملية تتعلق بجمع مثل هذه الأدلة. ومحاولة الحصول على أي وثيقة من هذه الوثائق في الوقت الحاضر سيعرض أسرته وأقرباءه للخطر. ويدعي أنه لم يتلق أية وثيقة عند إطلاق سراحه مما كان يمكن أن يثبت سجنه.
7-2 ويلفت مقدم البلاغ الانتباه إلى تقارير مختلفة تعكس حالة الأكراد في سوريا. ويدعي بوجه الخصوص أن تقرير منظمة العفو الدولية لعام 1999 يشير إلى أنه على الرغم من القيام في عام 1999 بإطلاق سراح بعض الأكراد الذين تم احتجازهم في عام 1997، لا يزال البعض الآخر في السجون بتهمة توزيع منشورات معادية للنظام.
7-3 وفيما يتعلق بتأخير ادعاء مقدم البلاغ، أنه تعرض للتعذيب، يزعم مقدم البلاغ أن اللجنة أكدت بنفسها، أكثر من مرة، أن التزام ضحية التعذيب الصمت عن معاناته، في المراحل الأولى من استجوابه، أمر يمكن فهمه. وفيما يتعلق بالشهادات التي تثبت التعذيب، فإن مقدم البلاغ يعترض على الحجة الكاملة إن اللجنة، على أي حال، لا تطالب، بتقديم دليل مطلق على حظر التعرض للملاحقة في المستقبل، بل تكتفي بإثبات وجود أسباب جدية تدفع خشية حدوث انتهاك للاتفاقية. والتقرير الطبي يفي بالشروط المطلوبة عادة وهو صادر عن هيئة معروفة بجديتها ((Hôpitaux universitaires de Genève، مما يسـتبعد إلقـاء ظلال الشك على نتائج الفحص الطبي.
7-4 ويذكر مقدم البلاغ فيما يتعلق بمغادرته غير القانونية للجمهورية العربية السورية، أنه يتفق مع رأي الدولة الطرف بشأن النتائج المترتبة على المغادرة غير المشروعة للأراضي السورية في معظم الحالات. لكنه يرى أنه ينبغي في حالته الخاصة ونظراً لأنشطته السياسية وأصله الكردي وظروف مغادرته، التذكير بأنه يمكن استخدام المغادرة غير القانونية ضده بحيث تجر عليه ما يمس سلامته، مما يخالف المادة 3 من الاتفاقية.
المسائل والإجراءات المعروضة على اللجنة
8-1 قبل أن تنظر لجنة مناهضة التعذيب في أي شكوى يتضمنها بلاغ ما، لا بد أن تقرر ما إذا كان البلاغ مقبولاً أو غير مقبول بموجب المادة 22 من الاتفاقية. وتحققت اللجنة على النحو المطلوب بموجب الفقرة الفرعية (أ) من الفقرة 5 من المادة 22 من الاتفاقية من أن المسألة نفسها لم تُبحث وليست قيد البحث في إطار إجراء آخر من إجراءات التحقيق أو التسوية الدولية. وتلاحظ اللجنة، في الحالة قيد النظر، أنه تم استنفاد جميع سبل الانتصاف المحلية وأن الدولة الطرف لم تعترض على المقبولية. وترى بالتالي أن البلاغ مقبول. وبما أن كلاً من الدولة الطرف وصاحب البلاغ قدما ملاحظات بشأن موضوع البلاغ، فإن اللجنة تباشر النظر في الموضوع.
8-2 ويجب على اللجنة أن تقرر ما إذا كانت إعادة مقدم البلاغ إلى الجمهورية العربية السورية ستشكل انتهاكاً لالتزام الدولة الطرف بموجب المادة 3 من الاتفاقية، بعدم طرد أو إعادة شخص إلى دولة أخرى إذا كانت هناك أسباب وجيهة تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيواجه خطر التعرض للتعذيب.
8-3 ويجب على اللجنة أن تقرر، عملاً بالفقرة 1 من المادة 3، ما إذا كانت هناك أسباب وجيهة تدعو إلى الاعتقاد بأن من الممكن أن يتعرض مقدم البلاغ للتعذيب إذا أُعيد إلى الجمهورية العربية السورية. ولاتخاذ هذا القرار، يجب على اللجنة، عملاً بالفقرة 2 من المادة 3، أن تراعي كل الاعتبارات ذات الصلة، بما في ذلك وجود مجموعة من الانتهاكات الفادحة أو الصارخة أو الجماعية المنتظمة لحقوق الإنسان. بيد أن الهدف من هذا التحليل هو تحديد ما إذا كان الشخص المعني سيواجه شخصياً خطر التعرض للتعذيب في البلد الذي سيعاد إليه. وبناء على ذلك فإن وجود نمط ثابت من الانتهاكات الفادحة أو الصارخة أو الجماعية المنتظمة لحقوق الإنسان في بلد ما لا يشكل، في حد ذاته، سبباً كافياً لتحديد ما إذا كان من الممكن أن يتعرض شخص بعينه للتعذيب عند عودته إلى ذلك البلد. ويجب أن تكون هناك أسباب أخرى تحمل على الاعتقاد بأن الشخص المعني سيتعرض شخصياً للخطر. وبالمثل، فإن عدم وجود نمط ثابت من الانتهاكات الصارخة والمنتظمة لحقوق الإنسان لا يعني أن الشخص لن يتعرض للتعذيب في ظروفه الخاصة.
8-4 وتذكّر اللجنة بملاحظتها العامة بشأن تطبيق المادة 3 ونصها كما يلي: "بما أن على الدولة الطرف واللجنة التزاماً بالبت فيما إذا كانت هناك أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأن من الممكن أن يتعرض صاحب البلاغ لخطر التعذيب إذا طرد أو أعيد أو سلّم، فمن اللازم أن يقيم خطر التعذيب على أسس تتجاوز مجرد الافتراضات أو الشكوك. غير أنه ليس من اللازم إثبات أن الخطر محتمل جداً" (A/53/44، المرفق التاسع الفقرة 6).
8-5 وتعرب اللجنة عن شكوكها فيما يتعلق بمصداقية الوقائع التي قدمها صاحب البلاغ، لأنه لم يثر ادعاءاته بالتعذيب ولم يقدم الشهادة الطبية التي تثبت إمكانية تعرضه للتعذيب، إلا بعد أن رُفض طلبه الأول للحصول على اللجوء السياسي (الفقرتان 6-7 و6-8 من القرار الحالي).
8-6 وتأخذ اللجنة في اعتبارها كذلك قيام الدولة الطرف بفحص مخاطر التهديد التي سيواجهها مقدم البلاغ، بالاستناد إلى جميع المعلومات المقدمة. وترى اللجنة، وقد أحاطت علماً بأن حزب العمال الكردستاني - العراقي حزب تسمح به الإدارة السورية، أن صاحب البلاغ لم يقدم أدلة كافية لتمكينها من اعتبار أنه يواجه خطراً ممكناً وفعلياً وشخصياً للتعرض للتعذيب في حالة ترحيله إلى بلده الأصلي.
9- وبناء عليه، فإن لجنة مناهضة التعذيب، إذ تتصرف بموجب الفقرة 7 من المادة 22 من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة والعقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، ترى أن قرار الدولة الطرف إعادة مقدم البلاغ إلى الجمهورية العربية السورية لا يشكل على الإطلاق انتهاكاً للمادة 3 من الاتفاقية.
_________________________
* وثيقة الأمم المتحدة A/56/40، المرفق السابع.
(1) يتضمن الملف وثيقة مؤرخة 12 تموز/يوليه 1995 تثبت عضوية مقدم البلاغ في الحزب الديمقراطي الكردستاني - فرع أوروبا، ومقره في لندن؛ وتشير الوثيقة إلى أن مقدم البلاغ الذي تم تهجئة اسمه بصور خاطئة، هو عضو في الحزب وأنه "شارك في حركة المقاومة وفي الكفاح من أجل السلم والديمقراطية".
(2) يبدو أن "KARK" هي جمعية أكاديمية وفكرية للأكراد. ويتضمن الملف، النظام الداخلي لهذه الجمعية وشهادة مكتوبة من السيد أ. م. من مقيمي لوزان، تفيد بأنه كان قد أعلن في 6 آذار/مارس 1996 أنه زار الجمهورية العربية السورية في تموز/يوليه 1991 لغرض جمع المعلومات عن حالة حقوق الإنسان للأكراد. ويشهد بأنه طلب لهذا الغرض المساعدة من المكاتب المحلية للحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي. ويدعي أنه كان يرافقه في إحدى سفراته مقدم البلاغ (الذي تم مرة أخرى تهجئة اسمه بصورة خاطئة) حيث تم تقديمه إليه بوصفه شخصية نشيطة جداً في حركة الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي. ولهذا السبب فإن مقدم البلاغ كان قد تعرض للمراقبة والاحتجاز مرات عديدة من قبل سلطات الأمن السورية. ويدعي ذلك الشخص أن مقدم البلاغ كان قد قال له إن حياته وحياة أفراد أسرته معرضة للخطر بسبب انتمائه للحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي وأنه لم يعد بإمكانه أن يظل في البلد لأنه يتعرض بصورة مستمرة للملاحقة من قبل سلطات الأمن.
(3) تم إصدار الشهادة المذكورة من قبل "Hôpitaux universitaire de Genève" في 20 آب/ أغسطس 1996 بطلب من محامي مقدم البلاغ. وتستند هذه الشهادة إلى مقابلتين أجريتا مع مقدم البلاغ. وتتضمن إشارة إلى وقائع قدمها مقدم البلاغ مع تفاصيل بشأن ادعاءات التعذيب التي تعرض له. وفيما يتعلق بحالته الصحية، وصفها الأطباء بأنها ضمن الحدود الطبيعية لكنهم أشاروا إلى عدد من الندوب في جسده (ندب خفيف في شكل قوس يظهر في قاعدة أول إصبع من قدمه اليمنى، وثلاثة ندوب مستديرة تظهر في يده اليسرى ومعصمه الأيسر، وندب في شكل نجمة على خده الأيسر). وفيما يتعلق بحالته النفسية، قال الأطباء إن مقدم البلاغ كان متعاوناً، وكانت قدراته من حيث معرفة الزمان والمكان سليمة وهو لا يعاني من خلل كبير في ذاكرته، لكنه كان يعاني من تذكر تواريخ محددة مضبوطة. ولاحظ الأطباء أن مقدم البلاغ يشعر بشيء من الانفصالية عند ذكر مشاهد العنف. فقد أدت قراءة تقرير طبي أمامه إلى إصابته بعصبية وانفعال كبيرين. ويرى الأطباء أن الوصف الذي قدمه صاحب البلاغ لمشاهد التعذيب هو وصف يتمشى مع ما هو شائع عند معاملة المعارضين للنظام السوري في السجون السورية، لا سيما سجن المزة (انظر تقرير منظمة العفو الدولية لعام 1994، الصفحات من 319 إلى 322 بالإنكليزية). والندوب التي تظهر على جسده تتمشى مع وصفه للتعذيب الذي يدّعي أنه وقع ضحيته، كما أن الأضرار التي لحقت به ربما كانت نتيجة التعذيب. وكان تشخيص الأطباء، بعد مراعاة حال مقدم البلاغ النفسية، هو أنه مصاب بمتلازمة الضيق التالية للصدمة، وهو ما يصاب به ضحايا التعذيب. ويمضي الأطباء في القول "لذلك نستنتج وجود انتهاك صارخ لحقوق الإنسان. وفي ظل هذه الظروف ونظراً لعدم تسوية القضية الكردية في سوريا فإن عودة (مقدم البلاغ) إلى بلده ستؤدي بالتأكيد لتعرضه مجدداً لأعمال العنف...". كما يخلص الأطباء إلى أن أعراض متلازمة الضيق لا تظهر حالياً على مقدم البلاغ، لأنه في الوقت الحاضر يشعر بالأمان في سويسرا. وربما أدى طرده إلى عودة هذه الأعراض التي ينبغي أخذها مأخذ الجد. وفضلاً عن ذلك، وفيما يتعلق بالعلاج، يذكر الأطباء أنه حسب علمهم، لا يتوفر في الجمهورية العربية السورية نوع الرعاية الطبية اللازمة لمعالجة حالة مقدم البلاغ، (العلاج الطبيعي والعلاج الطبيعي الداعم).
(4) وفي هذا الصدد، تشير الدولة الطرف إلى الأحكام القضائية التي أصدرتها اللجنة، لا سيما فيما يتعلق بالبلاغين ي. أ. و. ضد السويد (65/1997) و س. ج. ص. ضد السويد (61/1996) حيث أكدت اللجنة ثبوت تعرض مقدمي البلاغين لخطر التعذيب وفقاً للشهادات الطبية لكنها اعتبرت مع ذلك أنه لم يتم إثبات أن مقدمي البلاغ سيتعرضون للتعذيب في حالة طردهم.

العودة للصفحة الرئيسية