آراء وقرارات لجنة مناهضة التعذيب بموجب المادة 22 من الاتفاقية

البلاغ رقم 126/1999


مقدم من: ه .أ. د (الاسم محذوف)
[يمثله محام]
باسم: مقدم البلاغ
الدولة الطرف: سويسرا
تاريخ البلاغ: 21 كانون الثاني/يناير 1999

إن لجنة مناهضة التعذيب، المنشأة بموجب المادة 17 من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة،
المجتمعة يوم 10 أيار/مايو 2000،
وقد انتهت من نظرها في البلاغ رقم 126/1999 المقدم إلى لجنة مناهضة التعذيب بموجب المادة 22 من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة،
وقد أخذت في اعتبارها جميع المعلومات التي وافاها بها مقدم البلاغ والدولة الطرف،
تعتمد القرار التالي:
1-1 مقدم البلاغ هو السيد ه . أ. د.، مواطن تركي من أصل كردي، مولود في 1962، يعيش حالياً في سويسرا حيث طلب حق اللجوء في 11 آذار/مارس 1991. وقد رُفض طلبه، ويدعي أن إعادته قسرياً إلى تركيا ستشكل انتهاكاً، من جانب سويسرا، للمادة 3 من اتفاقية مناهضة التعذيب. ويمثل صاحب البلاغ محام.
1-2 وعملاً بالفقرة 3 من المادة 22 من الاتفاقية، أرسلت اللجنة البلاغ إلى الدولة الطرف في 8 شباط/فبراير 1999. وفي الوقت ذاته، طلبت اللجنة من الدولة الطرف، بموجب الفقرة 9 من المادة 108 من نظامها الداخلي، ألا تعيد مقدم البلاغ إلى تركيا ما دام بلاغه قيد نظر اللجنة. وفي 6 نيسان/أبريل 1999، أبلغت الدولة الطرف اللجنة بأنه تم اتخاذ تدابير كي لا يعاد مقدم البلاغ إلى تركيا ما دام بلاغه معروضاً على اللجنة.

الوقائع كما عرضها مقدم البلاغ
2-1 مقدم البلاغ من جنوب شرق تركيا. وتملك أسرته مزرعة في قرية بازلاما، في منطقة كراكوكان (اقليم إيلازيغ) بجنوب شرق تركيا، التي يسكنها تقليدياً الأكراد.
2-2 وعندما كان مقدم البلاغ يعيش في تركيا، تعرض معظم أفراد أسرته لمشاكل مع السلطات؛ فشقيقه الأكبر ي. الذي هو مؤيد نشط لحزب العمال الكردستاني منذ 1979، انضم إلى مقاتلي حزب العمال الكردستاني في 1986 وقُتل أثناء معركة في 13 شباط/فبراير 1995. وتوفي والده في 15 كانون الثاني/يناير 1980، أي بعد ثلاثة أشهر من خروجه سالماً من السجن الذي قضى فيه شهراً تعرض خلاله للتعذيب؛ وكان قد اعتقل بسبب أنشطة إبنه ي. في حزب العمال الكردستاني. وتسببت ظروف وفاة الأب في صدمة للشقيق الأصغر لمقدم البلاغ، ف. الذي يلتمس اللجوء في سويسرا. وفقد هذا الأخير قدرته على الكلام لمدة عدة أشهر لما كان يبلغ من العمر تسع سنوات عندما اعتقلت قوات الأمن أباه؛ ويعاني منذ ذلك الحين، من اضطرابات نفسية دائمة تجعله يحتاج إلى متابعة طبيب نفساني، في سويسرا أيضاً. والشقيق الوحيد لمقدم البلاغ الذي بقى في تركيا اضطر إلى تغيير لقبه من أجل تفادي المزيد من الاضطهاد. واضطرت زوجة مقدم البلاغ إلى الموافقة على الطلاق للأسباب نفسها. وأخيراً، يذكر مقدم البلاغ أسماء الكثير من أفراد أسرته الآخرين، اللاجئين في سويسرا، وآخرين قتلهم الجيش التركي.
2-3 وفي عام 1985، سُجن مقدم البلاغ لمدة شهر تقريباً بعد اعتقال إبن عمه ن. س، وهو لاجئ معترف به اليوم في سويسرا، لأنه أُتهم بالعمل كمرشد (أو كشاف)(أ) لهذا الأخير وغيره من أفراد المقاتلين في عام 1984. وأثناء هذا الاحتجاز، تعرض للمعاملة السيئة والتعذيب. وعند قراءة شهادة طبية قدمها، لا يمكن تفسير ما لاحظه الطبيب إلا كنتائج للتعذيب الذين تعرض له. وفضلاً عن هذا يؤكد مقدم البلاغ أنه لا يمكن لطبيب أن يؤكد معاينة التعذيب لأن ذلك يعرضه للخطر(ب).
2-4 وفي وقت لاحق، شارك في احتفالات ربيع (النيروز) عام 1991، التي تم تقديم موعدها إلى شهر كانون الثاني/يناير لأسباب سياسية. وانتهت الاحتفالات بوصول قوات الأمن؛ ومقتل أحد المقاتلين وجنديين. وتمكن مقدم البلاغ من الفرار دون أن يراه أحد، ومن الذهاب إلى اسطنبول ومغادرة البلد لأنه كان يخشى أن يُلاحق من جديد بسبب مشاركته في الاحتفالات.
2-5 وفي سويسرا، التمس مقدم البلاغ اللجوء في 11 آذار/مارس 1991. وتم استجوابه في 15 أيار/مايو 1991 و29 آذار/مارس 1994. وأكد مقدم البلاغ أن استجواباته كانت صعبة لأنه لم يحصل على تعليم مدرسي بالاضافة إلى أن جلسة الاستماع الثانية تمت بعد حوالي ثلاث سنوات من الجلسة الأولى مما أضعف ذاكرته. ويقول إن افتقاره إلى التعليم هو أيضاً سبب جهله لشتى جوانب حزب العمال الكردستاني ويوضح أنه ساند هذه المنظمة في حدود امكانياته. وفي أول تشرين الثاني/نوفمبر 1994، رفض المكتب الفيدرالي لشؤون اللاجئين طلب اللجوء الذي قدمه صاحب البلاغ. وقدم هذا الأخير طعناً إلى لجنة الطعون السويسرية المعنية بمسائل اللجوء، ورفض هذا الطعن في 6 تشرين الثاني/نوفمبر 1998.
موضوع الشكوى
3-1 يقول مقدم البلاغ إن التعذيب يمارس في تركيا بطريقة اعتيادية أثناء الاستجوابات التي تقوم بها الشرطة، على نحو ما أكدته اللجنة الأوروبية لمناهضة التعذيب. ويؤكد مقدم البلاغ أن الأشخاص الذين يمارسون التعذيب يتمتعون بحماية قانون مكافحة الارهاب لعام 1991 والمحاكم(ج). و"لن يتغير هذا الوضع طالما أن الجمهورية التركية تقوم على اسطورة الشعب التركي المتجانس إثنيا، التي يدافع عنها الجيش رغم كل الحقائق الواضحة من خــلال حـرب لا يمكن كسبها، حرب أفسدت الوسط السياسي بأكمله تكلفتها الباهظة بالنسبة للاقتصاد التركي"(د).
3-2 ويذكر مقدم البلاغ على سبيل الأولوية كونه ينتمي إلى أسرة مرتبطة بشكل وثيق جداً بحزب العمال الكردستاني، وكون مجــرد سمعـة أسرته يمكن أن تتسبب له فـي أكبر المشاكل مع السلطات التركية، بما في ذلك التعذيب. وكما أكد في حكم صادر عن محكمة في شتوتغارت في ألمانيا بشأن إبن عمه ف. م. بصفته عضواً في أسرة تعرضت لاضطهاد شديد، سيتعرض مقدم البلاغ بشكل مؤكد للتعذيب إذا عاد إلى تركيا. ويتعلق الأمر هنا بخطر حقيقي وشخصي لأن مقدم البلاغ تعرض بالفعل للتعذيب لأن السلطات التركية تعتبر بحق أنه دعم مقاتلي حزب العمال الكردستاني بتقديم خدمات صغيرة لهم وتعاطفه معهم.
ملاحظات الدولة الطرف بشأن مقبولية البلاغ وموضوعه
4-1 لم تعترض الدولة الطرف على مقبولية البلاغ، وفي رسالة مؤرخة 9 آب/أغسطس 1999، أبدت ملاحظات بشأن موضوعه.
4-2 وتذكر الدولة الطرف أولاً بأن وجود مجموعة من الانتهاكات الجماعية أو الفادحة أو المنتظمة لحقوق الإنسان لا يشكل في حد ذاته سبباً كافياً لاستنتاج أن من الممكن أن يتعرض شخص للتعذيب إذا عاد إلى هذا البلد. ويجب أن تكون هناك أسباب اضافية تدعو إلى اعتقاد أن مقدم البلاغ سيتعرض شخصياً للخطر.
4-3 ثانياً، ترى الدولة الطرف أنه لا يمكن لمقدم البلاغ أن يدعي أنه قد يتعرض لما يسمى ب "الاضطهاد المتعمد"، المعرّف بأنه أعمال انتقامية تمارسها الدولة ضد أسر الناشطين السياسيين. والواقع أنه حتى وإن كان الشقيق الأكبر ملاحقاً بسبب أنشطته داخل حزب العمال الكردستاني، فإنه لم يعد هناك أي اتصال بينه وبين مقدم البلاغ منذ أكثر من 10 سنوات حسب ما قال مقدم البلاغ في طلب اللجوء الذي قدمه. ومن غير المرجح بالتالي أن تكون السلطات التركية كانت تبحث عن مقدم البلاغ وقت هروبه. وكما سبق أن ذكرت اللجنة(هـ)، يجب أن تتسم المخاوف من الاضطهاد بطابع حالي وقت النظر في البلاغ. وعلاوة على ذلك، قتل ي. في 13 شباط/فبراير 1995، مما يقلل أكثر من أسباب بحث السلطات التركية عن مقدم البلاغ. وأخيراً، لم يعد لمقدم البلاغ في تركيا أفراد أسرة يمكن أن يكونوا أعضاءً نشيطين في حزب العمال الكردستاني؛ وأفراد أسرته الذين يمكن أن يكونوا عُرضة ل "الاضطهاد المتعمد" موجودون إما خارج تركيا أو توفوا.
4-4 ولا ترى الدولة الطرف كيف يمكن أن يكون لحالة شقيقه الأصغر ف.، الذي يلتمس اللجوء في سويسرا، على الرغم من حالته العقلية، أثر على احتمالات تعرضه للتعذيب المزعومة. أما الشقيق الذي بقي في تركيا، فإذا كان قد غيّر لقبه لتفادي الاضطهاد، فإن ما ينبغي الإشارة إليه هو أن الأم، والزوجة السابقة، وأبناء مقدم البلاغ يعيشون أيضاً في تركيا واحتفظوا بنفس اللقب. وترى الدولة الطرف بالتالي أن الشقيق غير لقبه لأن اللقب د. منتشر جداً في تركيا وليس بسبب خوف حقيقي من التعرض للاضطهاد.
4-5 وفيما يتعلق بطلاق مقدم البلاغ، تتساءل الدولة الطرف عن سبب وقوع هذا الطلاق بعد مرور ثلاث سنوات على رحيل مقدم البلاغ، وعدم صدور طلب الطلاق عن زوجته إذا كان الهدف الوحيد منه، حسب أقوال مقدم البلاغ هو تفادي استمرار اضطهاد زوجته. وترى الدولة الطرف أن أسباب الطلاق تعود بالأحرى إلى ضرر نهائي الحق برباط الزوجية على نحو ما ذكر في الوثيقة التي تعلن الانفصال. ويؤكد هذا الانطباع طلب لنشر وعد الزواج الذي قام به مقدم البلاغ في شباط/فبراير 1999 وسحبه بعد بضعة أسابيع.
4-6 وتذكر الدولة الطرف بالملاحظة العامة للجنة بشأن المادة 3 من الاتفاقية التي جاء فيها أنه "يجب أن يقيم خطر التعذيب على أسس تتجاوز الافتراضات أو الشكوك" حتى وإن كان "من غير اللازم إثبات أن الخطر محتمل جداً". ونظراً لما سبق، ترى الدولة الطرف أن مقدم البلاغ لم يثبت أن خطر التعرض ل "اضطهاد متعمد" محتمل جداً. وفضلاً عن ذلك، تفيد المعلومات الواردة من السفارة السويسرية في أنقرة، أنه لم تعد أي ملف سياسي بشأن مقدم البلاغ أو ملف يثبت أنه ارتكب جريمة من جرائم القانون العام: لا يجري البحث عنه لا من قبل رجال الشرطة ولا من قبل رجال الدرك على الصعيد المحلي أو الوطني ولا يخضع لأي اجراء يحرمه من حق الحصول على جواز سفر. وقد أكد شخص من قريته أنه سافر منذ أكثر من عشر سنوات وأنه استقر في اسطنبول قبل أن يسافر إلى سويسرا.
4-7 وفيما يتعلق بالادعاءات المتعلقة بتعرضه للتعذيب والمعاملة السيئة في الماضي، تذكر الدولة الطرف بادئ ذي بدء بالعناصر التي يجب مراعاتها وفقاً للتعليق العام المتعلق بالمادة 3 من الاتفاقية. وعلى هذا الأساس، ترجع بعد ذلك إلى استنتاجات السلطات السويسرية بشأن طلب اللجوء الذي قدمه صاحب البلاغ وتلاحظ أنه قدم رسالتين من المحامي تشرحان مشاكله: إلا أن هاتين الرسالتين محررتان بطريقة غير فنية وتحتويان على العديد من الأخطاء الإملائية والنحوية. ورداً على حجج مقدم البلاغ التي أكد فيها أن المحامي كان كردياً لا يعرف اللغة التركية جيداً، تلاحظ الدولة الطرف أن التركية هي اللغة الرسمية في تركيا، وأن القوانين مدونة بالتركية وأن تدريب المحامين يتم باللغة التركية؛ ومن ثم، فمن المستبعد تماماً ألا يجيد محام اللغة التركية. وتلاحظ الدولة الطرف أيضاً أنه باستثناء وثيقة مجاملة من موتهار بازلاما ورسالة مزورة من المدعي العام لكراكوكان، لم يذكر مقدم البلاغ هاتين الرسالتين في بلاغه، مما يحمل على اعتقاد أن مقدم البلاغ لم يعد يعترض على استنتاجات السلطات السويسرية في هذا الصدد. وتؤكد الدولة الطرف بعد ذلك أنه لا يمكن إيلاء التقرير الطبي المفترض فيه أن يثبت وقوع أعمال التعذيب أية أهمية اثباتية. فمن ناحية، يؤكد هذا التقرير أن "العلاج" استغرق من 23 أيار/مايو إلى 3 حزيران/يونيه 1985 بينما يؤكد مقدم البلاغ أنه خرج يوم 29 حزيران/يونيه 1985؛ ومن ناحية أخرى، لا يتفق الوصف الذي قدمه مقدم البلاغ لأشكال التعذيب التي تعرض لها، لا سيما اللكمات، والحرق، وشلل الإصبعين، والشحنات الكهربائية على الأجهزة التناسلية، مع الوصف الوارد في التقرير الطبي. وأخيراً، تلاحظ الدولة الطرف أيضاً وجود أقوال متناقضة تفيد أن مقدم البلاغ ذكر مرة أنه قدم بعد سبعة أيام من احتجازه إلى وكيل نيابة أفرج عنه بعد أن دفعت أسرته مبلغاً من المال لملازم أول، وذكر مرة أخرى أنه لم يقدم أبداً إلى وكيل نيابة وأن عمه دفع كفالة إما لقاض، أو إلى وكيل نيابة، أو إلى نقيب أو إلى عقيد.
4-8 وترى الدولة الطرف أيضاً أن حتى ولو كان مقدم البلاغ قد تعرض بالفعل للتعذيب، فلا توجد علاقة سببية كافية بين احتجازه وفراره من تركيا. ووفقاً لسوابق أحكام اللجنة، يبدو أن التأكيد على الطابع المتوقع للخطر يدل بالفعل على ضرورة وجود علاقة سببية بين الاضطهـاد الذي يتم التعرض له وأسباب الهروب. غير أن الدولة الطرف تعتبر هذه العلاقة السببية منعدمة إذ مرت سبع سنوات بين هذا الاضطهاد والرحيل من البلد، ولم يستأنف مقدم البلاغ فضلاً عن ذلك أنشطته السياسية في البلد المضيف.
4-9 وتشكك الدولة الطرف بوضوح في مصداقية مقدم البلاغ فيما يتعلق بارتباطه بحزب العمال الكردستاني. ففي حين أنه أشار إلى مجموعة كاملة من الأنشطة والتظاهرات التي شارك فيها، لم يستطع إعطاء معلومات عن حزب العمال الكردستاني أكثر أهمية من تلك التي يعرفها جميع السكان الأتراك؛ ولن يفند هذه الاستنتاجات شهادات التواطؤ النمطية التي قدمها أبناء عمه اللاجئين في سويسرا، يؤكدون فيها أن مقدم البلاغ كان نشيطاً في حزب العمال الكردستاني. وتشير الدولة الطرف أيضاً إلى أنه من المدهش جداً أن يؤكد محامي مقدم البلاغ في هذا البلاغ أن عدم تلقي موكله تعليماً مدرسياً هو السبب في جهله، في حين أن مقدم البلاغ يدعي أنه عضو نشيط في هذه المنظمة منذ أكثر من 10 سنوات وأنه ينحدر من أسرة نشيطة جداً سياسياً بل وأن أحد أبناء أعمامه كان عضواً مؤسساً لحزب العمال الكردستاني. وأخيراً، تعتبر الحجج التي تعزو في التناقضات بين جلسات الاستماع المختلفة إلى مرور ثلاث سنوات بين جلسات الاستماع هذه، غير مقنعة إن أتيحت لمقدم البلاغ فرصة الاطلاع على محاضر الجلسات ووقع عليها.
4-10 وأخيراً، وفيما يتعلق بالحالة العامة السائدة في تركيا التي يصفها مقدم البلاغ مستنداً إلى وثائق مختلفة، تذكر الدولة الطرف بأنه إذا كان يجب بالفعل أخذ هذه الحالة في الاعتبار في تقييم الخطر، فإن اللجنة تعتبر، طبقاً للمادة 3 من الاتفاقية، أن من اللازم أن يواجه الشخص المعني بصورة متوقعة وفعلية وشخصية خطر التعذيب. وتؤكد الدولة الطرف أيضاً أنها تعيد تقييم الحالة في تركيا بشكل منتظم وأنها رأت مؤخراً أنه لا يمكن أن يُطلب إعادة فرد ما إلى الإقليم الذي ينتمي إليه مقدم البلاغ (ايلازيغ). غير أن الأماكن التي تدور فيها النزاعات محددة ويمكن تماماً لمقدم البلاغ أن يستقر من جديد في منطقة أخرى أكثر هدوءاً يمكن أن يندمج فيها بسهولة، بسبب إلمامه باللغة التركية وبتعليمه المدرسي خاصة.
ملاحظات مقدم البلاغ
5-1 في رسالة مؤرخة 25 تشرين الأول/أكتوبر 1999، أبدى مقدم البلاغ ملاحظات بشأن ملاحظات الدولة الطرف فيما يتعلق بموضوع البلاغ.
5-2 ويأسف مقدم البلاغ أولاً لأن ملاحظات الدولة الطرف تركز على حجج لم يرد الدخول في تفاصيلها أبداً. وهكذا فهو لم يدع أبداً الاستناد إلى الاضطرابات النفسية التي يعاني منها شقيقه الأصغر لإثبات أنه سيتعرض للتعذيب إذا ما عاد إلى بلده. وكل ما أراده مقدم البلاغ هو التشديد على أنه ينحدر من أسرة مرتبطة بشكل خاص بحزب العمال الكردستاني، ومن ثم، فهي بالتأكيد مستهدفة من السلطات التركية. ولهذا يخشى، عن حق(و)، أن يتعرض للتعذيب في حالة عودته.
5-3- ويبدو من جهة أخرى أن الدولة الطرف لم تعد تنكر أي حدث من الأحداث المختلفة التي شهدها أفراد أسرة مقدم البلاغ بسبب أنشطتهم داخل حزب العمال الكردستاني. وبالتالي، فإن ذلك يثبت أن مقدم البلاغ عمل بالضرورة مع حزب العمال الكردستاني بصورة أو بأخرى.
5-4 كرر مقدم البلاغ دائماً الأقوال نفسها فيما يتعلق باحتجازه في عام 1985، وما زالت آثار هذا الاحتجاز بادية عليه. وعلى أي حال سيصدر تقرير طبي آخر لهذا الغرض. والأقوال المتعارضة والمتناقضة التي أشارت إليها الدولة الطرف قليلة للغاية ولا يمكن أن تنتقص من مصداقية صاحب البلاغ.
5-5 وصحيح أن تركيا لا تعترف بمبدأ المسؤولية الأسرية. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن السلطات التركية، في صراعها ضد حزب العمال الكردستاني، تلجأ إلى هذا النوع من الانتقام فيما يتعلق بأفراد الأسر. وهذه هي الظروف التي قامت فيها السلطات التركية باعتقال ي. و. شقيق زوجة مقدم البلاغ، وضربه وتعذيبه في آب/أغسطس 1996 لكي يقدم معلومات عن أفراد الأسرة، وعلى وجه الخصوص، عن حالة مقدم البلاغ. وبخصــوص هــذا الموضوع قدم هذا الأخير نسخة من قرار "محكمة أمن الدولة" الصادر في 10 أيلول/سبتمبر 1996.
5-6 وفيما يتعلق بالاتصالات مع شقيقه ي.، يؤكد مقدم البلاغ أنه أرسل له من سويسرا، على نحو غير مشروع، العديد من الأشياء المفيدة في أنشطته في حرب العصابات، وهو أمر غير مشروع بطبيعة الحال في نظر السلطات التركية ويشكل سبباً إضافياً يجعل مقدم البلاغ يخشى العودة إلى هذا البلد. وعلاوة على ذلك، لم تدوّن الدولة الطرف بأمانة أقوال مقدم البلاغ: ذلك أن مقدم البلاغ ذكر في الواقع أنه لم يكن قبل رحيله قد رأى شقيقه منذ 10 سنوات، ولكن ذلك لم يمنعه من الاتصال به.
5-7 ويؤكد مقدم البلاغ الايضاحات التي قدمها فيما يتعلق بتغيير شقيقه أ. للقبه، ويشير إلى أنه من الوهم اعتقاد أن من السهل تغيير اللقب بمثل هذه السهولة ولمجرد أنه منتشر للغاية.
5-8 أما فيما يتعلق بطلاق مقدم البلاغ، فمن البديهي أنه لم يكن ممكناً كشف الأسباب الحقيقية في المحكمة، وكون أن مقدم البلاغ حاول الاندماج في إطار اجتماعي في سويسرا من خلال زواج لم يعقد في نهاية الأمر، لا يشكل بأي حال من الأحوال سبباً لطلاقه في عام 1994. وهو، فضلاً عن هذا، يواصل إعالة أسرته.
5-9 وينبغي النظر بحذر إلى المعلومات التي جمعتها سفارة سويسرا في أنقرة بشأن مقدم البلاغ. ففي الواقع، ليس للدولة التركية أي التزام في هذا الصدد تجاه الدولة الطرف، بل إن قيام الدولة التركية طوعاً بتوفير معلومات عن الصراع الدائر في جنوب شرق البلد سيكون مشبوها. ولا تشكل هذه المعلومات بأي حال من الأحوال أُسُساً موثوقة لإثبات عدم وجود خطر(ز). وعلاوة على ذلك، لم تنكر الدولة الطرف بالفعل أبداً حقيقة احتجاز مقدم البلاغ في عام 1985.
5-10 أما بخصوص التناقض الوحيد الذي لوحظ في أقوال مقدم البلاغ والذي يتعلق بمثوله أمام وكيل نيابة، فيؤكد مقدم البلاغ أن الأمر يتعلق بمصطلح قانوني تصعب ترجمته من التركية، وأنه لم يكن يعرف المعنى الدقيق لهذه الوظيفة لأنه حصل فقط على 7 سنوات من التعليم المدرسي ولأن جلسات الاستماع دارت باللغة التركية، التي ليست لغته الأم. وبالإضافة إلى ذلك، لا يمكن أن يكون لعدم اليقين فيما يتعلق بوظيفة الشخص الذي تلقى المبلغ المالي أي أثر على مصداقية مقدم البلاغ. وفيما يتعلق بالطابع المزور المزعوم لبعض الوثائق، يظل مقدم البلاغ، فضلاً عن ذلك، مقتنعاً بأنها وثائق صحيحة، وحتى إذا افترض أن بعضها مزور بالفعل، فإن تقديمها لم يكن متعمداً بل ربما كان مبرراً إذا ما أخذ في الاعتبار الخوف الشديد الذي يشعر به مقدم البلاغ من أن يتعرض للتعذيب من جديد.
5-11 وعلاوة على أن اعتبار الأخطاء الإملائية البسيطة في رسالتي المحامي غير هامة وحجة ضعيفة نسبياً، يدحض مقدم البلاغ ادعاءات الدولة الطرف بأنه وافق على استنتاجات الدولة الطرف فيما يتعلق بعدم مصداقيته.
5-12 ويرى مقدم البلاغ أن عدم قيام الدولة الطـرف بفحص طبي فيما يتعلق بالتعذيب الذي تعرض له أمر لا يعذر. فقد أثرت هذه الجروح بالفعل على ذاكرته ومن السهل ملاحظة عدم تماسك في حديث شخص تعرض للتعذيب.
5-13 ويؤكد مقدم البلاغ أنه لم يتلق سوى حد أدنى من التعليم المدرسي، وهذا هو السبب في عدم شغله منصباً في التسلسل الهرمي لحزب العمال الكردستاني؛ غير أن هذا النقص في التعليم لم يمنعه من القيام بجميع الأنشطة التي أبلغ السلطات السويسرية بها.
5-14 وفيما يتعلق بحجة الدولة الطرف التي تؤكد أن مقدم البلاغ تناقض في أقواله بشأن فراره من بلده، يوضح مقدم البلاغ بعض جوانب هذا السفر، التي لا تمثل في رأيه نقطة هامة في الاضطهاد الذي تعرض له.
5-15 وأخيراً، فيما يتعلق باحتمال استقراره في منطقة أخرى، يلاحظ مقدم البلاغ أنه لكي يعود إلى تركيا، سيتعين عليه أن يخضع للمراقبة على الحدود. ومجرد لقبه وفرار معظم أفراد أسرته من البلد، عامل سيؤدي إلى احتجازه إلى أن يجري تحقيق في الإقليم الذي ولد فيه. وسيتعرض أثناء هذه الفترة لاستجواب بطرق قاسية.
ملاحظات إضافية للدولة الطرف
6-1 في رسالة مؤرخة 25 كانون الثاني/يناير 2000، أبدت الدولة الطرف ملاحظاتها الأخيرة بشأن الملاحظات السابقة لمقدم البلاغ.
6-2 تفيد أقوال مخبر لسفارة سويسرا في أنقرة، يقيم في قرية مقدم البلاغ، أن الدرك اعتقل شقيقته، س. و. وزوجها ي. و. في عام 1996، ولكنهما، على عكس ما جاء في أقوال مقدم البلاغ، لم يعذبا. وعلاوة على ذلك، يبدو، من المعلومات نفسها، أن ي. و س. يقضيان عطلاتهما في بازالاما كل سنة.
ملاحظات إضافية من مقدم البلاغ
7-1 في رسالة مؤرخة 17 نيسان/أبريل 2000، أبدى مقدم البلاغ ملاحظاته الأخيرة التي تتعلق بشكل خاص بتقرير سفارة سويسرا بأنقرة.
7-2 ويرى مقدم البلاغ أن أقوال أحد مخبري سفارة سويسرا في أنقرة، التي تفيد بعدم وقوع أي حادث أثناء دفن ن. و. أقوال كاذبة. وقرار محكمة أمن الدولة الصادر في 10 أيلول/سبتمبر 1996 يثبت بالفعل أن شقيق زوجة مقدم البلاغ اعتُقل واتُهم بتقديم الدعم إلى منظمة غير مشروعة.
7-3 ويؤكد مقدم البلاغ أيضاً أن المخبر الآخر لسفارة سويسرا في أنقرة هو عمدة قرية بازالاما، وأنه اضطر إلى التحفظ بعض الشيء في المعلومات التي قدمها، لأنه لم يكن يعرف على وجه التحديد إلى مَن يقدم هذه المعلومات.
7-4 ويرى مقدم البلاغ أنه لا يمكن للدولة الطرف بأي حال من الأحوال أن تستند إلى معلومات مفادها أنه غير ملاحق. أولاً، من الصعب التحقق من مصدر هذه المعلومات، ثانياً لأن الشرطة لن تمتنع لهذا السبب من اعتقال مقدم البلاغ إذا ما عاد إلى تركيا. ومقدم البلاغ مقتنع بأنه سيعتقل لدى عودته لأنه استند في طلبه للجوء إلى أنشطة مؤيدة للأكراد. وأثناء التحقيق الذي سيجريه حرس الحدود، سيتم حتما استشارة الدرك الذي يعرف جيداً ظروف وفاة شقيقه ووالده.
7-5 وأخيراً، أحال مقدم البلاغ في رسالة مؤرخة 11 أيار/مايو 2000، وثيقة تؤكد أن المعلومات المتعلقة بتسجيل الأشخاص الملاحقين لا تكشف لأي شخص قبل اعتقالهم، باستثناء الشرطة. لهذا، لم يكن هناك ما يدعو الشرطة التركية إلى تقديم معلومات إلى سفارة سويسرا عن رغبتها في اعتقال مقدم البلاغ.
المسائل والإجراءات المعروضة على اللجنة
8-1 قبل أن تنظر لجنة مناهضة التعذيب في أي شكوى يتضمنها بلاغ ما، لا بد أن تقرر ما إذا كان البلاغ مقبولاً أو غير مقبول بموجب المادة 22 من الاتفاقية. وتحققت اللجنة، على النحو المطلوب بموجب الفقرة الفرعية (أ) من الفقرة 5 من المادة 22 من الاتفاقية من أن المسألة نفسها لم تبحث وليست قيد البحث في إطار إجراء آخر من إجراءات التحقيق أو التسوية الدولية. وفي القضية قيد النظر تلاحظ اللجنة أيضاً أن جميع سبل الانتصاف المحلية قد استنفدت وأن الدولة الطرف لم تعترض على مقبولية البلاغ. ولذلك ترى اللجنة هذا البلاغ مقبول. وحيث أن الدولة الطرف وصاحب البلاغ قدما ملاحظاتهما حول موضوع البلاغ فإن اللجنة تباشر النظر في هذا الموضوع.
8-2 إن المسألة المعروضة على اللجنة هي ما إذا كانت إعادة مقدم البلاغ إلى تركيا سيشكل انتهاكاً لالتزام الدولة الطرف بموجب المادة 3 من الاتفاقية بعدم طرد أو إعادة شخص إلى دولة أخرى توجد أسباب حقيقية تدعو إلى اعتقاد أن من الممكن أن يتعرض للتعذيب.
8-3 ويجب على اللجنة أن تقرر، عملاً بالفقرة 1 من المادة 3 ما إذا كانت هناك أسباب حقيقية لاعتقاد أن مقدم البلاغ سيكون عرضة للتعذيب عند عودته إلى تركيا. ولاتخاذ هذا القرار، يجب على اللجنة، عملاً بالفقرة 2 من المادة 3، أن تراعي كافة الاعتبارات ذات الصلة بما في ذلك وجود مجموعة الانتهاكات الفادحة أو الصارخة أو الجماعية المنتظمة لحقوق الإنسان. بيد أن الهدف من هذا التحليل هو تحديد ما إذا كان الفرد المعني سيواجه شخصياً خطر التعرض للتعذيب في البلد الذي سيعاد إليه. وبذلك فإن وجود مجموعة من الانتهاكات الفادحة أو الصارخة أو الجماعية المنتظمة لحقوق الإنسان في بلد ما لا يشكل في حد ذاته، سبباً كافياً لتحديد ما إذا كان من الممكن أن يتعرض شخص بعينه للتعذيب عند عودته إلى ذلك البلد. ويجب أن تكون هناك أسباب أخرى تحمل على اعتقاد أن الفرد المعني سيكون معرضاً للخطر شخصياً. ومن جهة أخرى، فإن عدم وجود مجموعة من الانتهاكات الفادحة والمنتظمة لحقوق الإنسان لا يعني أن الشخص لن يتعرض للتعذيب في ظروفه الخاصة.
8-4 وتذكر اللجنة بتعليقها العام بشأن تنفيذ المادة 3 من الاتفاقية ونصه كما يلي:
"بما أن على الدولة الطرف واللجنة التزاماً بالبت بما إذا كانت هناك أسباب حقيقية لاعتقاد أن من الممكن أن يتعرض صاحب البلاغ للتعذيب إذا طرد أو أعيد أو سلم، فمن اللازم أن يقيم خطر التعذيب على أسس تتجاوز مجرد الافتراضــات أو الشكوك غير أنه ليس من اللازم إثبات أن الخطر محتمل جداً" (A/53/44، المرفق التاسع، الفقرة 6).
8-5 ولا تشكك اللجنة في الادعاءات المتعلقة بتعرضه للمعاملة السيئة أثناء احتجازه لمدة 28 يوماً بعد اعتقاله في عام 1985 على الرغم من أن التقارير الطبية لا تؤكد وصف أعمال التعذيب الذي قدمه مقدم البلاغ وآثارها.
8-6 ومع ذلك، ونظراً للوقت الذي مر بين الأحداث التي ذكرها مقدم البلاغ - إذا سلم بصحتها - وبين اليوم (15 سنة)، لا يبدو أن مقدم البلاغ أثبت بشكل كاف الاحتمال الحالي بأن يتعرض للتعذيب بسبب عودته إلى تركيا.
8-7 ومن ثم، ترى لجنة مناهضة التعذيب، متصرفة بموجب الفقرة 7 من المادة 22 من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، أن قرار الدولة الطرف إعادة صاحب البلاغ إلى تركيا لا يشكل انتهاكاً للمادة 3 من الاتفاقية.
[حرر بالفرنسية (النسخة الأصلية) والإنكليزية والإسبانية والروسية.]
_________________________
* وثيقة الأمم المتحدة A/55/40، المرفق الثامن.
(أ) الكلمة المستخدمة في البلاغ الأصلي هي "Pathfinder".
(ب) انظر Vincent Iacopino, The Torture in Turkey and its unwilling accomplices, Physicians for Human Rights, 1996, p. 4-9.
(ج) إعلان عام لمنظمة العفو الدولية بتاريخ 11 آذار/مارس 1998.
(د) Neue Zürcher Zeitung No. 19/1998, p.5.
(هـ) القرار رقم 61/1996 سين وصاد وعين ضد السويد، وز. ضد السويد، 6 أيار/مايو 1998.
(ز) انظر Werner Spirig, Mit verdeckten Farten/Asylrecht im Schatten der Geheimdienste, 7ème ed., 1996, passim، الطبعة السابعة، 1996.

العودة للصفحة الرئيسية