آراء وقرارات لجنة مناهضة التعذيب بموجب المادة 22 من الاتفاقية

البلاغ رقم 113/1998


مقدم من: راديفوج ريستيتش [يمثله محامٍ]
الضحية المزعومة: ميلان ريستيتش (متوفى)
الدولة الطرف: يوغوسلافيا
تاريخ البلاغ: 22 تموز/يوليه 1998

إن لجنة مناهضة التعذيب، المنشأة بموجب المادة 17 من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة،
وقد اجتمعت في 11 أيار/مايو 2001،
وقد اختتمت نظرها في البلاغ رقم 113/1998 المقدم إلى لجنة مناهضة التعذيب بموجب المادة 22 من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة،
وقد أخذت في اعتبارها جميع المعلومات التي وافاها بها مقدم البلاغ ومحاميه والدولة الطرف،
تعتمد آراءها بموجب الفقرة 7 من المادة 22 من الاتفاقية.
1- إن مقدم البلاغ المؤرخ 22 تموز/يوليه 1998 هو السيد راديفوج ريستيتش، وهو مواطن يوغوسلافي يقيم حالياً في شاباك، يوغوسلافيا. ويدعي أن الشرطة قامت بتعذيب ابنه ميلان ريستيتش مما أدى إلى وفاته ولم تقم السلطات بإجراء تحقيقات فورية وحيادية. وأحال مركز القانون الإنساني، وهو منظمة غير حكومية تتخذ من بلغراد مقراً لها، هذا البلاغ إلى اللجنة بالنيابة عن السيد ريستيتش.

الوقائع كما عرضها مقدم البلاغ
2-1 يدعي مقدم البلاغ أن ثلاثة من رجال الشرطة (دراغان ريزنيتش وأوغليغا إيفانوفيتش ودراغان نوفاكوفيتش) قاموا في 13 شباط/فبراير 1995 باعتقال ميلان ريستيتش في شاباك أثناء بحثهم عن أحد المتهمين بجريمة قتل. وقام أحد الضباط بضرب ابنه خلف أذنه اليسرى بآلة حادة يفترض أن تكون إما مسدساً أو أخمص بندقية، فأرداه قتيلاً على الفور. وقام الضباط بنقل جثته وبكسر عظمي فخذه بآلة حادة. وعندها فقط طلبوا الإسعاف وإحضار فريق تحقيق من الشرطة، ضم طبيباً شرعياً.
2-2 وأخبر رجال الشرطة المحققين بأن ميلان ريستيتش قد انتحر بالقفز من السطح المجاور للمبنى وبأن لديهم شاهدا عيان بهذا الصدد (دراغان ماركوفيتش). وأعلن الطبيب الذي جاء مع الإسعاف وفاة ميلان ريستيتش. ومن ثم غادرت سيارة الإسعاف، تاركة الجثة في مكانها لكي تنقلها عربة خاصة بالموتى. ويدعي مقدم البلاغ أنه بعدما غادرت سيارة الإسعاف قام رجال الشرطة بضرب المتوفى على ذقنه مسببين له الجروح في وجهه.
2-3 وعرض مقدم البلاغ نسخة من تقرير تشريح الجثة، الذي انتهى إلى أن الوفاة جاءت نتيجة العنف وبسبب إصابة في الدماغ نجمت عن سقوطه على سطح صلب. كما أن السقوط برر الكسور التي ورد ذكرها في التقرير. كما عرض مقدم البلاغ نسخة من تقرير الطبيب الذي حضر مع الإسعاف. ويقول هذا التقرير: "تبين لي من الفحص الخارجي أن نزيفاً ضعيفاً قد حدث نتيجة إصابة خلف الأذن اليسرى. ويمكن أن يلاحظ من خلال البنطال الذي يرتديه وجود كسر مفتوح لعظم الفخذ فوق الركبة اليمنى مع نقاط دم صغيرة؛ غير أنه لا توجد أية آثار للدم حول الجرح".
2-4 ويزعم مقدم البلاغ أن التقارير الطبية ليست متطابقة تماماً مع بعضها البعض. ويقول طبيب الإسعاف موضحاً إنه لم يلاحظ أية جروح على الوجه في حين أن تقرير التشريح يذكر وجود تمزق وخدش على الذقن. وقال إنه يرفض هذه التقارير، مشيراً إلى أنه من المستحيل أن يقع أي شخص من ارتفاع 14.65 متراً دون أن يتعرض لأية إصابة في الوجه أو في عقب قدميه أو حوضه أو عموده الفقري أو أعضائه الداخلية ولنزيف داخلي، وألا يصاب إلا بجروح في كتفه الأيسر وخلف أذنه اليسرى. وإضافة إلى ذلك، يشير إلى عدم وجود قطرة من الدم على الأرض.
2-5 وبناء على طلب من الأبوين، نظر خبيران في الطب الشرعي، في تقرير تشريح الجثة ووجدا أن المعلومات التي يتضمنها سطحية ومتناقضة، لا سيما في الجزء الذي يشير إلى سبب الوفاة. وحسب تقريرهما، فإن عملية التشريح لم تجر وفقاً لمبادئ الطب الشرعي والعلوم والممارسات الطبية، والاستنتاج لا يتفق مع الحقائق. واقترحا إخراج الجثة وأن يجري خبير في الطب الشرعي تشريحاً آخر لها. ويقول مقدم البلاغ كذلك أنهما تحدثا في 16 أيار/مايو 1995 مع أخصائي في علم الأنسجة الذي أجرى التشريح وقاما بزيارة لموقع الحادث المزعوم. ولاحظوا عدم وجود أي شيء مشترك بين ما في تقرير تشريح الجثة وموقع الحادث، الأمر الذي أوحى بأن الجثة قد نقلت من مكانها. وفي بيان مكتوب ومؤرخ 18 تموز/يوليه 1995 وموجه إلى مكتب المدعي العام، وافق أخصائي علم الأنسجة على إخراج الجثة من أجل فحصها فحصاً شرعياً وأشار إلى أنه ربما يكون قد ارتكب خطأً أو غابت عنه بعض التفاصيل بما أنه ليس اختصاصياً في الطب الشرعي.
2-6 وعرض والدا الضحية على المدعي العام في شاباك تهماً جنائية موجهة ضد عدد من ضباط الشرطة. وفي 19 شباط/فبراير 1996، رفض المدعي العام هذه التهم. ويجيز القانون اليوغوسلافي، للضحية أو للشخص الذي يتصرف بالنيابة عنه إذا رفضت الشكوى الجنائية إما أن يطلب المبادرة بإجراءات التحقيق أو تقديم اتهام والانتقال مباشرة إلى المحاكمة. وعرض الوالدان في هذه القضية التهمة التي يوجهانها في 25 شباط/فبراير 1996.
2-7 وقام قاضي التحقيق باستجواب رجال الشرطة المزعوم تورطهم وكذلك الشهود ولم يجد أسباباً تدفعه إلى الاعتقاد بأن الجريمة المدعاة قد ارتكبت. وأيد الفرع الجنائي لمحكمة منطقة شاباك قرار قاضي التحقيق. ولم تر المحكمة ضرورة الاستماع إلى شهادة خبيرين في الطب الشرعي ولم تنظر في إمكانية إصدار أمر باستخراج الجثة وإجراء تشريح لها من جديد. وإضافة إلى ذلك، قدم قاضي التحقيق إلى الوالدين بياناً لا يحمل توقيعاً يزعم أن الأخصائي في علم الأنسجة كان قد كتبه في المحكمة في غيابهما وهو يتناقض مع البيان الذي قدمه مكتوباً في 18 تموز/يوليه 1995. كما يبين مقدم البلاغ أنه بالإضافة إلى المعلومات الطبية المتناقضة، هناك حقائق أخرى كثيرة ومتعارضة لم يوضحها التحقيق القضائي.
2-8 واستأنف الوالدان قرار المحكمة المحلية أمام المحكمة الصربية العليا، التي رفضت في 29 تشرين الأول/أكتوبر 1996 الاستئناف لأنه لا يقوم على أسس سليمة. وحسب القرار، فإن شهادة دراغان ماركوفيتش بيَّنت دون أدنى شك أن ميلان ريستيتش كان حياً عندما وصل ضابطا الشرطة سينيسا إيزايلوفيتش وزوران جيفتيش أمام المبنى الذي كان يعيش فيه السيد ماركوفيتش. وقد أجابا على مكالمة هاتفية من شخص يدعى زوران ماركوفيتش بأنه لاحظ رجلاً على حافة الشرفة وكان تصرفه يدعو إلى الظن بأنه كان على وشك الانتحار. ثم إن دراغان ماركوفيتش والشرطيين رأوا ميلان ريستيتش يقفز من الشرفة. ولم يكن بوسعهم فعل أي شيء لمنعه.
2-9 وحاول الوالدان ثانية عرض القضية على القضاء، غير أن المحكمة المحلية في شاباك أصدرت في 10 شباط/فبراير 1997 قراراً مفاده أن المقاضاة لم تعد ممكنة نظراً لصدور قرار محكمة صربيا العليا. وفي 18 آذار/مارس 1997، رفضت المحكمة العليا استئنافهما الآخر وأكدت قرار المحكمة المحلية.
الشكوى
3-1 يعتقد مقدم البلاغ أن الشرطة أولاً ومن ثم السلطات القضائية لم توفر ما يلزم لكفالة التحقيقات الفورية والحيادية. ولقد استنفدت جميع سبل الانتصاف المحلية دون أن تطلب المحكمة أو تباشر بشكل رسمي إجراءات تحقيق سليمة على الإطلاق. والتحقيقات الأولية التي أجراها قاضي التحقيق والتي شملت استجواب المتهم وبعض الشهود، لم تقدم ما يكفي من المعلومات لتوضيح ظروف الوفاة ولم تصدر المحكمة قط أمراً بإجراء فحص طبي شرعي. كما أن المحكمة لم تطلب الاستماع إلى أي من الشهود الآخرين، مثل موظفي مكتب دفن الموتى، الذين كانت شهاداتهم ستسمح بإثبات التسلسل الزمني للأحداث. كما أن مقدم البلاغ يزعم بأن التحقيقات لم تجر وفقاً لأحكام قانون الإجراءات الجنائية. ومن ذلك أن الشرطة لم تقم بإبلاغ قاضي التحقيق على الفور بالحادث، رغم أن المادة 154 تلزمها بذلك. وبالتالي فقد أجرت الشرطة عملية التحقيق الموقعي برمتها دون وجود أي قاضٍ. كما يزعم مقدم البلاغ أن كل ما اتخذه والدا ميلان ريستيتش من تدابير كانت الغاية منه توضيح الحادثة بينما قصرت الهيئات الحكومية المختصة عن اتخاذ أية خطوات فعالة في هذا الصدد.
3-2 واستناداً إلى ما ورد أعلاه، يزعم مقدم البلاغ أن الدولة الطرف قد انتهكت مواداً عديدة من الاتفاقية، لا سيما المواد 12 و13 و14. ويقول إنه رغم توفر الإمكانية للوالدين كي يلتمسا التعويض، فإن احتمال منحهما تعويضاً عن الأضرار هو احتمال غير وارد في واقع الأمر نظراً لغياب حكم صادر عن المحكمة الجنائية.
ملاحظات الدولة الطرف
4- أعلمت الدولة الطرف في 26 تشرين الأول/أكتوبر 1998 اللجنة أنه على الرغم من أن جميع سبل الانتصاف المحلية قد استنفدت، إلا أن البلاغ لا يفي بالشروط اللازمة الأخرى التي تنص عليها الاتفاقية. وبيَّنت بوجه خاص عدم ارتكاب أي فعل تعذيب، بما أن المتوفى لم يكـن لـه أي صلة على الإطلاق بالسلطات الحكومية أي الشرطة. وبناء على ذلك، لم يكن البلاغ مقبولاً.
قرار اللجنة بشأن المقبولية
6- نظرت اللجنة، في دورتها الثانية والعشرين التي عقدت خلال الفترة نيسان/أبريل - أيار/مايو 1999، في مسألة مقبولية البلاغ وأكدت على أن المسألة ذاتها لم يتم النظر فيها ولا ينظر فيها بموجب إجراء آخر من إجراءات التحقيق الدولي أو التسوية الدولية. وأحاطت اللجنة علماً ببيان الدولة الطرف الذي يفيد بأن جميع وسائل الانتصاف المحلية قد استنفدت، واعتبرت أن البلاغ لم يشكل تجاوزاً في استخدام الحق في تقديم الرسائل ولا يتنافى مع أحكام الاتفاقية. وبالتالي، فقد قررت اللجنة في 30 نيسان/أبريل 1999 أن البلاغ مقبول.
ملاحظات الدولة الطرف بشأن الأسس الموضوعية
7-1 قدمت الدولة الطرف في مذكرة مؤرخة 15 كانون الأول/ديسمبر 1999 ملاحظاتها إلى اللجنة بشأن الجوانب الموضوعية للبلاغ.
7-2 وتؤكد الدولة الطرف مجدداً على رأيها الذي يفيد بأن الضحية المزعومة لم تتعرض للتعذيب لأنه لم يكن في أي وقت من الأوقات على صلة بموظفي إنفاذ القانون، والمقصود بهم ضباط الشرطة. لذلك فهي تعتبر أنه لم يحصل على الإطلاق أي انتهاك للاتفاقية.
7-3 كما تؤكد الدولة الطرف أن محاكم بلدها تعمل باستقلالية وقد خلصت عن حق ووفقاً للقانون إلى أنه لم يكن هناك أي داع لأية تحقيقات بشأن أعمال التعذيب التي يدعيها مقدمو البلاغ. وتشير في هذا الصدد إلى أن مقدم البلاغ لم يقدم جميع قرارات المحكمة والوثائق القضائية الأخرى التي من شأنها أن تساعد اللجنة في نظرها في البلاغ. ولقد قدمت الدولة الطرف الوثائق المذكورة لهذا الغرض.
7-4 وقدمت الدولة الطرف بعد ذلك روايتها للوقائع. فهي تدعي أولاً أن الضحية المزعومة يتناول الكحول والمخدرات (برومازيبان) وقد حاول فعلاً الانتحار في وقت سابق. وبعد ظهر اليوم السابق لوفاته في 12 شباط/فبراير 1995 تناول الشخص الذي يزعم أنه ضحية بعض المخدرات (في شكل حبوب) وكان مزاجه سيئاً للغاية بسبب جدال دار بينه وبين والدته، وتفيد الدولة الطرف أن هذه العناصر أكدها أربعة من أصدقائه الذين أمضوا فترة مساء يوم 12 شباط/فبراير 1995 مع الضحية المزعومة. كما تلاحظ الدولة الطرف بأن والدي الضحية المزعومة وصديقته قالوا نقيض ذلك تماماً.
7-5 أما فيما يتعلق بالأحداث التي أحاطت بموت الضحية المزعومة، تشير الدولة الطرف إلى تصريح أدلى به شاهد عيان هو دراغان ماركوفيتش الذي أوضح أنه رأى الضحية واقفاً على حافة شرفة ترتفع خمسة عشر متراً عن الأرض فنادى الشرطة على الفور. غير أن الضحية قفز من الشرفة عند وصول الشرطة. ولم يتمكن كل من دراغان ماركوفيتش والشرطة من منعه. وتشير الدولة الطرف أيضاً إلى أن رجال الشرطة الثلاثة الذين اتهموا بجريمة قتل الضحية المزعوم وصلوا مكان الحادث بعد أن ألقى الضحية بنفسه، لذلك تستنتج بأن أحداً لم يستطع اتخاذ أي إجراء.
7-6 وتعتقد الدولة الطرف أن العناصر المذكورة آنفاً تبين أن وفاة الضحية المزعومة كانت نتيجة عملية انتحار وبالتالي لم ترتكب أي أعمال تعذيب.
7-7 وإضافة إلى ذلك، تلاحظ الدولة الطرف أن نزاهة الشاهد دراغان ماركوفيتش وكذلك ضابطي الشرطة س. إيزايلوفيتش وز. جيتفيتش الذين كانوا أول من وصل إلى موقع الحادث هو أمر مسلم به وما يؤكد ذلك هو أن الطلب المقدم بإجراء تحقيق لم يكن موجهاً ضد أولئك الأشخاص بل ضد آخرين.
7-8 أما فيما يتعلق بالإجراءات القضائية التي تلت وفاة الضحية، تشير الدولة الطرف إلى مختلف خطوات العملية الإجرائية وتلاحظ أن السبب الرئيسي الذي دعا إلى الامتناع عن الأمر بإجراء تحقيق هو الافتقار إلى الأدلة القوية لإثبات العلاقة السببية بين تصرف ضباط الشرطة الثلاثة المدعى عليهم ووفاة الضحية. وتزعم الدولة الطرف أن العملية الإجرائية قد احترمت بدقة في جميع مراحلها ونظر جميع القضاة الذين تعين عليهم معالجة هذه القضية باهتمام في الشكوى.
7-9 وأخيراً تؤكد الدولة الطرف على أن بعض حالات الإغفال التي سجلت خلال فترة الأحداث وتلت مباشرة وفاة الضحية المزعومة وكان مقدم البلاغ قد أشار إليها لم تكن ذات أهمية لأنها لم تبين أن الضحية المزعومة قد توفي نتيجة التعذيب.
ملاحظات مقدم البلاغ بشأن الأسس الموضوعية
8-1 يشير مقدم البلاغ في رسالة مؤرخة 4 كانون الثاني/يناير 1999 إلى السوابق القانونية ذات الصلة الصادرة عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وفي رسالة أخرى مؤرخة 19 نيسان/أبريل 2000، أكد مقدم البلاغ على الادعاءات التي ضمَّنها في بلاغه وقدم ملاحظات إضافية إلى اللجنة بشأن الأسس الموضوعية للبلاغ.
8-2 ويعرض مقدم البلاغ أولاً بعض الملاحظات بشأن مسائل محددة كانت الدولة الطرف إما أثارتها في ملاحظاتها أو أهملتها. وفي هذا الصدد، يشير مقدم البلاغ بصورة رئيسية إلى أن الدولة الطرف اكتفت بذكر أن ضباط الشرطة الثلاثة الذين افترضت مسؤوليتهم عن جريمة القتل ليسوا معنيين بوفاة الضحية المزعومة ولا تتطرق للمسألة الأساسية موضوع البلاغ، وهي عدم إجرائها لتحقيق فوري ونزيه وشامل.
8-3 ويركز مقدم البلاغ الاهتمام على العناصر الوقائعية التالية التي تدعم شكواه، وهي أن:
(أ) المفتش المكلف بالقضية أمضى ثلاثة أشهر في جمع المعلومات المطلوبة للتحقيق؛
(ب) ولم يطلب إلى المحكمة المحلية البدء بالتحقيق إلا بعد انقضاء سبعة أشهر على وفاة الضحية المزعومة؛
(ج) لم تتخذ المحكمة المحلية تقرير الشرطة الذي قدم وقت حدوث الوفاة كنقطة بداية للتثبت من الوقائع ذات الصلة؛
(د) وذكر شاهد العيان دراغان ماركوفيتش في بيانه الوحيد وجود ضابطي الشرطة ز. جيفيتش وس. إيزايلوفيتش في موقع الحادث ولم يذكر وجود ثلاثة ضباط شرطة مدعى عليهم؛
(هـ) ولم يتمكن قسم شرطة شاباك من تقديم الصور التي التقطت في موقع الحادث، مما أدى إلى أن يحيل قاضي التفتيش وثائق غير مستكملة إلى المدعي العام؛
(و) وعندما تابع والدا الضحية المزعومة إجراءات الدعوى بوصفهما مدعيين عاديين، لم يتمكن قاضي التحقيق من طلب استخراج جثة الضحية المزعومة وإجراء تشريح جديد لها، في الوقت الذي وافق فيه على أن تشريح الجثة الأصلي "قد جرى تمشياً مع جميع قوانين الطب الشرعي"؛
(ز) ولم تقم السلطات اليوغوسلافية التي تتولى البت في القضايا الجنائية بالاستماع إلى العديد من الشهود الآخرين الذين اقترحهم مقدم البلاغ.
8-4 أما فيما يتعلق بادعاء الدولة الطرف بأن الضحية المزعومة قد حاول الانتحار في السابق، يبين مقدم البلاغ أن الدولة الطرف لم تدعم شكواها بالوثائق الطبية أو بتقارير الشرطة، التي عادة ما تكون متوفرة في مثل هذه القضايا. وفيما يتعلق بشائعات أخرى عن الضحية المزعومة، كان من ضمنها أنه مدمن على المخدرات، يشير مقدم البلاغ إلى أن أسرته نفت على الدوام هذه الشائعات. ولا يعلم مقدم البلاغ ما إذا تم استجواب أصدقاء ابنه الأربعة أو متى تم ذلك ولم يخطر مقدم البلاغ ولا محاميه أبداً بمثل هذا الاستجواب. وإضافة إلى ذلك، يلاحظ مقدم البلاغ أن ثلاثة من هؤلاء الشهود ربما يكونون قد خضعوا للضغوط وتم التأثير عليهم لأسباب شتى.
8-5 وفيما يتعلق بالالتزام بالتحقيق بحوادث التعذيب والمعاملة أ, العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، يشير مقدم البلاغ إلى اجتهادات اللجنة في قضية (CAT/C/20/D/59/1996) Encarnacion Blanco Abad v. Spain، حيث لاحظت اللجنة أنه "بموجب المادة 12 من لاتفاقية، تكون السلطات المختصة ملزمة بإجراء تحقيق كلما وجدت أسباباً معقولة تدعو إلى الاعتقاد بأن ضرباً من ضروب التعذيب أو إساءة المعاملة قد ارتكب وأياً كان مصدر الشك". كما أنــه يشـير إلى القــرار الصــادر فــي القضية Henri Unai Parot v. Spain (CAT/C/14/D/6/1990)، الذي ينص على وجود التزام بإجراء تحقيق سريع ونزيه حتى في حال مجرد ادعاء الضحية بتعرضه للتعذيب، ودون تقديم شكوى رسمية. وأكدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان على الاجتهاد ذاته في القضية (Assenov and Others v. Bulgaria (90/1997/874/1086)).
8-6 وفيما يتعلق بمبدأ التحقيق السريع في حوادث التعذيب أو المعاملة السيئة المزعومة، فإن مقدم البلاغ يشير إلى اجتهاد اللجنة القائل بأن التأخير لمدة 15 شهراً قبل البدء بالتحقيق هو تأخير غير مقبول ويتنافى مع المادة 12 من الاتفاقية (Qani Halimi-Nedzibi v.Austria, CAT/C/11/D/8/1991).
8-7 وفيما يتعلق بمبدأ نزاهة السلطات القضائية، يبين مقدم البلاغ أن أية هيئة لا يمكن أن تكون نزيهة ما لم تتمتع باستقلالية كافية. ويشير إلى الأحكام القضائية الصادرة عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان من أجل تعريف كل من نزاهة أية هيئة قضائية واستقلاليتها وفقاً للمادتين 6(1) و13 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان ويؤكد على أن السلطة القادرة على تقديم سبيل للانتصاف ينبغي أن تتمتع "باستقلالية كافية" عن المسؤول المزعوم عن الانتهاك.
8-8 أما فيما يتعلق بوجود أسباب معقولة تدعو إلى الاعتقاد بأن عملاً من أعمال التعذيب أو غيرها من إساءة المعاملة قد ارتكب، فإن مقدم البلاغ، إذ يعتمد ثانية على السوابق القضائية للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، يشير إلى "وجود وقائع أو معلومات من شأنها أن تقنع أحد المراقبين الموضوعيين بأن الشخص المعني ربما يكون قد ارتكب هذه الجريمة".
8-9 وفيما يتعلق بمبدأ التعويض والتأهيل نتيجة عمل من أعمال التعذيب أو غيرها من إساءة المعاملة، يذكر مقدم البلاغ أن سبل الانتصاف الفعالة تنطوي كذلك على دفع التعويض.
8-10 ويؤكد مقدم البلاغ على أنه عندما قدم مذكرته كانت خمس سنوات قد انقضت فعلاً على وفاة ابنه. ويدعي أنه رغم المؤشرات القوية على أن الوحشية الخطيرة التي أبدتها الشرطة قد أدت إلى وفاة ميلان ريستكي، فإن السلطات اليوغوسلافية لم تقم بإجراء تحقيق سريع ونزيه وشامل يمكن أن يفضي إلى تحديد هوّية المسؤولين ومعاقبتهم، وبالتالي لم تتح أي سبيل من سبل التعويض لمقدم البلاغ.
8-11 وإن مقدم البلاغ يوضح، بعد أن اعتمد على كم كبير من المصادر، أن الأعمال الوحشية التي ترتكبها الشرطة في يوغوسلافيا هي أعمال منهجية ويرى أن المدعين العامين لا يتمتعون بالاستقلالية ونادراً ما يلاحقون جنائياً ضباط الشرطة المتهمين بالعنف و/أو بسوء التصرف مع المواطنين. وفي هذه الحالات، يقتصر الإجراء في أحيان كثيرة على طلب يوجه إلى سلطات الشرطة وحدها للحصول على المعلومات ويعد اللجوء في هذا الصدد إلى تكتيكات التأخير أمراً شائعاً.
8-12 وأخيراً، يشير مقدم البلاغ تحديداً إلى نظر اللجنة الأخير في التقرير الدوري الذي قدمته يوغوسلافيا إلى اللجنة وإلى الملاحظات الختامية التي أبدتها، والتي ذكرت فيها أنها "تشعر ببالغ القلق إزاء البلاغات العديدة المتعلقة باستخدام التعذيب من جانب قوات الشرطة التابعة للدولة التي تلقتها من المنظمات غير الحكومية" (A/54/44، الفقرة 47) "تشعر بقلق شديد إزاء عدم قيام السلطات المختصة بالتحقيق الكافي مع الأشخاص المشتبه في ممارستهم للتعذيب أو أولئك الذين أخلّوا بالمادة 16 من الاتفاقية ومحاكمتهم ومعاقبتهم، فضلاً عن الاستجابة غير الكافية للشكاوى المقدمة من ضحايا التعذيب، مما يؤدي فعلاً إلى إفلات مرتكبي أفعال التعذيب من العقاب" (المرجع ذاته، الفقرة 48).
المسائل والإجراءات المعروضة على اللجنة
9-1 نظرت اللجنة في البلاغ على ضوء جميع المعلومات المقدمة إليها من الأطراف المعنيين وفقاً للفقرة 4 من المادة 24 من الاتفاقية. وتأسف بهذا الصدد لأن الدولة الطرف لم تقدم إلى اللجنة إلا وصفاً مختلفاً للحادث، وتلاحظ ضرورة الحصول على المزيد من المعلومات الدقيقة فيما يتعلق بإجراء التحقيق، بما في ذلك تفسير لعدم إجراء تشريح جديد للجثة.
9-2 وتلاحظ كذلك أن مقدم البلاغ يدعي بأن الدولة الطرف قد أخلت بالمواد 2 و12 و13 و14 و16 من الاتفاقية.
9-3 أما فيما يتعلق بالمادتين 2 و16، فإن اللجنة ترى أولاً أن ليس من اختصاصها تبيّن من أذنب من الأشخاص الذين يدعى ارتكابهم لأعمال تعذيب أو للأعمال الوحشية التي تقترفها الشرطة. بل إن اختصاصها يقتصر على النظر فيما إذا كانت الدولة الطرف لم تتقيد بحكم من أحكام الاتفاقية. وبناء على ذلك فإن اللجنة لن تبدي في هذه الحالة رأيها بشأن حدوث تعذيب أو إساءة للمعاملة.
9-4 أما فيما يتعلق بالمادتين 12 و13 من الاتفاقية، تلاحظ اللجنة العناصر التالية التي أمكن لكلا الطرفين تقديم ملاحظات بشأنها:
(أ) ثمة اختلافات وتناقضات واضحة بين البيان الذي أدلى به في 18 آب/أغسطس 1995 الطبيب الذي وصل مع سيارة الاسعاف بشأن السبب المفترض في وفاة الضحية المزعومة، وبين تقرير تشريح الجثة الصادر في 13 شباط/فبراير 1995 والتقرير الذي قدمه بناء على طلب والدا الضحية المزعومة خبيران في الطب الشرعي في 20 آذار/مارس 1995؛
(ب) ورغم ما قاله قاضي التحقيق الذي كان مكلفاً بالقضية عندما دفع والدا الضحية المزعومة قضية التحقيق بصفتهما الشخصية مدعيين بأن تشريح الجثة من أنه "لم يجر وفقاً لقوانين الطب الشرعي"، لم يكن هناك أي طلب باستخراج الجثة لاخضاعها لفحص شرعي جديد؛
(ج) وثمة اختلاف بين القول الذي أدلى به في 13 شباط/فبراير 1995 أحد ضباط الشرطة الثلاثة الذين يفترض مسؤوليتهم عن وفاة الضحية المزعومة ومفاده أن الاتصال بقسم الشرطة تم لأن شخصاً قد انتحر، وبين الأقوال التي أدلى بها ضابط آخر من ضباط الشرطة المذكورين أعلاه، فضلاً عن ضابطي شرطة آخرين والشاهد د. ماركوفيتش، ومفادها أن الاتصال بقسم الشرطة تم لأن شخصاً ربما قفز من سطح أحد المباني؛
(د) ولم تعلم الشرطة على الفور قاضي التحقيق الذي كان في الخدمة بالحادث لكي يشرف على التحقيق في الموقع امتثالاً للمادة 154 من قانون الإجراءات الجنائية للدولة الطرف.
9-5 وإضافة إلى ذلك تعرب اللجنة عن قلقها بشكل خاص لأن الطبيب الذي أجرى تشريح الجثة اعترف في بيان أدلى به في 18 تموز/يوليه 1995 بأنه ليس أخصائياً بالطب الشرعي.
9-6 وإشارة إلى العناصر المذكورة أعلاه، تعتقد اللجنة أن التحقيقات التي أجرتها سلطات الدولة الطرف لم تكن فعالة أو شاملة. ولو أجريت التحقيقات السليمة لتطلبت استخراج الجثة وتشريحها من جديد، الأمر الذي كان سيسمح بالتالي بإثبات سبب الوفاة طبياً بقدر مرض من الوضوح.
9-7 وإضافة إلى ذلك، تلاحظ اللجنة أن فترة ستّا من السنوات قد انقضت منذ وقوع الحادث. وتوفر للدولة الطرف متسع من الوقت لإجراء تحقيقات سليمة.
9-8 وتعتقد اللجنة، في هذه الظروف، أن الدولة الطرف قد أخلت بالتزاماتها بموجب المادتين 12 و13 من الاتفاقية بأن تجري تحقيقاً سريعاً وفعالاً في الادعاءات بالتعذيب أو في ارتكاب الشرطة أعمالاً وحشية قاسية.
9-9 أما فيما يتعلق بادعاءات الإخلال بالمادة 14، فإن اللجنة ترى أنه في غياب التحقيقات الجنائية الصحيحة، لا يمكن تحديد ما إذا كانت حقوق الضحية المزعومة أو أسرته في التعويض قد انتهكت. ولا يمكن إجراء مثل هذا التقييم إلا بعد إنجاز التحقيقات السليمة. وبالتالي تحث اللجنة الدولة الطرف على إجراء مثل هذه التحقيقات دون تأخير.
10- وعملاً بالفقرة 5 من المادة 111 من نظامها الداخلي، تحث اللجنة الدولة الطرف على أن توفر لمقدم البلاغ سبيل انتصاف مناسب، وإبلاغه خلال فترة 90 يوماً من تاريخ إحالة هذا القرار بالتدابير التي اتخذتها استجابة للملاحظات الواردة أعلاه.
_________________________
* وثيقة الأمم المتحدة A/56/40، المرفق السابع.

العودة للصفحة الرئيسية