الأوراق الفيدرالية

ورقة رقم: 54
جيمس مادسون
James Madison
12 فبراير، 1788


إلى أهالي ولاية نيويورك:
والنظرة التالية التي ألقيها على مجلس الممثلين تتصل بتعيين أعضائه من عدة ولايات، وهو أمر سيتم اتخاذ قرار بشأنه وفق القاعدة نفسها التي يتم بها إقرار الضرائب المباشرة.
لم يجادل أحد في أن عدد المواطنين في كل ولاية لا يجوز أن يكون مقياساً لتحديد نسبة أولئك الذين سيمثلونهم. إن إعمال القاعدة نفسها عند توزيع الضرائب لن يتم الاختلاف عليه إلا قليلاً، مع أن القاعدة نفسها، في هذه الحالة ليست مبنية بأية صورة على المبدأ ذاته. ففي الحالة السابقة يفهم من القاعدة أنها تشير إلى الحقوق الفردية للمواطنين، تلك الحقوق التي تتصل بها في علاقة طبيعية شاملة. وفي الحالة الثانية تشير القاعدة إلى نسبة الثراء، وليست هذه مقياساً دقيقاً بأية حال، بل إنها مقياس غير ملائم أبداً في الحالات العادية. وبصرف النظر عن عدم الكمال في هذه القاعدة حال تطبيقها على الثروة النسبية والأنصبة التي تدفعها الولايات، فمن الواضح أنها القاعدة الأقل استثناء بين القواعد المطبقة، وأنها من عهد قريب جداً نالت الإقرار العام، بها في أمريكا، إذ لم تكن قد لقيت تحبيذاً لها في الميثاق.
إذا كان كل هذا مقبولاً، فربما يقال: لكن، هل يترتب على القبول بالعدد كمقياس للتمثيل، أو على قبول ضم العبيد إلى المواطنين الأحرار، كنسبة من الضرائب – أن يدخل العبيد ضمن القاعدة العددية للتمثيل؟ يُعتبر العبيد شيئاً من المتاع لا أشخاصاً. من ثم يجب أن تشتملهم التقديرات الضريبية التي تنبني على أساس الممتلكات، وأن يتم إقصاؤهم عن التمثيل الذي يجري تنظيمه على أساس إحصاء السكان. هذا هو الاعتراض، كما أفهمه أنا، موضوعاً بأشدّ صراحة. وبالقدر نفسه من الصراحة سأورد التعليل الذي يمكن عرضه من الجانب الآخر.
"إننا نتفق في المبدأ"، هكذا يمكن أن يقول بعض إخواننا في الجنوب "مبدأ أن التمثيل يمس الأفراد بصورة مباشرة، والضرائب تمس الممتلكات بصورة مباشرة، ونحن موافقون على تطبيق هذا التمييز في حال عبيدنا. لكنّ علينا أن ننكر حقيقة أن العبيد معتبرون مجرد متاع مملوك وليسوا، بأية صفة، معتبرين بشرا أفراداً. والوضع الصحيح للقضية هم أنهم يشتركون في كلتا الصفتين: فهم معتبرون، حسب قوانينا، في بعض الجوانب بشراً أفراد وفي بعضها الآخر متاعاً مملوكاً. ففي كون أحدهم مجبراً أن يعمل لا لنفسه، بل لسيده، وكونه قابلا للبيع والنقل من ملكية سيد إلى سيد آخر؛ وكونه وفي جميع الأوقات خاضعاً لتقييد حريته وإنزال العقوبة ببدنه بفعل رغبة شريرة لدى الغير – فإنه يهبط من طبقة الإنسان ويصنّف مع الحيوانات غير العاقلة التي تندرج في القانون تحت اسم الممتلكات. ذاك من جانب. أما في الجانب الآخر، فإن كونه محمياً، من حيث حياته وأطرافه ضد المعاملة بالعنف من قبل الغير، حتى من سيد عمله ومالك حريته؛ كونه خاضعاً للعقوبة على ما يقترفه من عنف ضد الغير – فواضح تماماً أن القانون يأخذ في اعتباره أن العبد عضو من المجتمع لا مجرد صنف من المخلوقات غير العاقلة، إنسانا معنوياً، لا مجرد أداة مملوكة. من ثم فإن الدستور الفدرالي يقرر الوضع الملائم والسليم فيما يخص عبيدنا، عندما ينظر إليهم بالصفة المشتركة: صفة الناس وصفة المملوكات. هذه هي الحقيقة هي طبيعتهم الصحيحة. إنها الطبيعة التي وهبتهم إياها القوانين التي يعيشون في ظلها؛ ولا ينكر أحد أن ذلك هو المعيار الواجب. لأنه في ظل القرينة فقط نقلت القوانين العبيد إلى وضع متاع، فأصبح موضعهم مختلفاً عليه عند حساب العدد؛ والجميع يعترف أنه إذا كان على القوانين أن تعيد الحقوق التي تم انتزاعها، فإنه لا يستطاع بعد الآن رفض إعطاء العبيد حقاً مساوياً في التمثيل مثل بقية السكان الآخرين.
"ويمكن وضع هذا السؤال في ضوء آخر. إن جميع الأطراف متفقة على أن الأعداد خير مقياس للثروة وجباية الضريبة، كما أنها المقياس المناسب للتمثيل. هل كان الميثاق غير متحيز ولا أميناً مع نفسه، لو رفض أصحابه العبيد من قائمة السكان عند ما تم حساب الأنصبة في التمثيل، وأدخلوهم على اللوائح عند تعديل المساهمات المطلوبة؟ هل يُعقل التوقع بصورة ما أن توافق الولايات الجنوبية على نظام اعتبر العبيد فيها إلى حد ما أشخاصاً عند فرض الأعباء المالية لكنه رفض اعتبارهم كذلك عند منح الامتيازات؟ ألن يتم التعبير عن الدهشة من بعض أولئك الذين يوبخون الولايات الجنوبية على سياستها الهمجية في اعتبارها بعض إخوانهم البشر متاعاً ويكافحوا الحكومة التي ستكون جميع الولايات أطرافاً فيها كيما تعتبر هذا الجنس السيء بصورة أرقى من اعتباره، في الضوء غير الطبيعي، متاعاً حسب القوانين ذاتها التي يشكون منها؟
"وقد يجاب عن هذا القول: إن العبيد غير مشمولين عند حساب ممثلي أي من الولايات التي تمتلكهم. إنهم لا يصوتون بأنفسهم ولا يزيدون عدد الأصوات لأسيادهم. فحسب أي مبدأ إذن، يجب أن يؤخذوا في التقدير الفدرالي للتمثيل؟ لو رفضهم الدستور بالكلية لكان في ذلك قد اتبع القوانين ذاتها التي تم الرجوع إليها بصفتها الدليل والمرشد المناسب.
"وهذا الاعتراض مرفوض من جانب اعتبار واحد. إن مبدأً أساسياً في الدستور المقترح هو أنه: لما كان يجب أن يتم تقدير عدد الممثلين المخصصين للولايات المختلفة مجموع حساب قاعدة فدرالية أساسها مجموع عدد السكان، فإن حق اختيار هذا العدد المخصص لكل ولاية يجب أن يمارسه القسم من السكان الذي تعيّنه الولاية نفسها. وليست المؤهلات التي ينبني عليها حق الاقتراع العام، هي نفسها في أية ولايتين. وفي بعض الولايات يكون الاختلاف كبيراً ملموساً. وفي كل ولاية هناك نسبة من السكان يتم حرمانها من هذا الحق بموجب دستور الولاية لكنها مشمولة في الإحصاء العام الذي بموجبه يوزع الدستور الفدرالي حصص التمثيل. ومن وجهة النظر هذه ربما تتذمر، الولايات الجنوبية وتصرّ على أن المبدأ الذي وضعه الميثاق طلب أن لا يؤخذ أي اعتبار لسياسة ولايات معينة تجاه سكانها؛ وبالتالي؛ فإن العبيد بصفتهم سكاناً كان يجب أن يدخلوا في الإحصاء العام بكامل عددهم شأن بقية المواطنين الذين لا تسمح لهم سياسة الولايات الأخرى التمتع بجميع حقوق المواطنين. إن التزاماً صارماً بهذا المبدأ يتم التخلي عنه من قبل أولئك الذين يكسبون من ذلك. إن كل ما يسألونه هو إبداء اعتدال متساو من الجانب الآخر. دع قضية العبيد يتم بحثها لاحقاً، لأنها في الحقيقة قضية فريدة. دع المصالحة الشاملة الضرورية للدستور يتم تبنيها من الجانبين بالتبادل، والتي تعتبر العبيد سكاناً؛ لكنهم بحكم هبوط قدرهم بفعل العبودية إلى ما دون مستوى السكان الأحرار الذي يعتبر العبد مساوياً لـ 2/5 الرجل العادي.
"وأخيراً، ألا يمكن أن تؤخذ أرضية أخرى بموجبها يسمح هذا البند من الدستور بدفاع جاهز أكثر من ذلك؟ لقد سرنا حتى الآن على طريق الفكرة القائلة أن التمثيل يتعلق بالأشخاص فقط لا بالممتلكات إطلاقاً. لكن هل هذه فكرة عادلة؟ إن الحكم يقوم على أساس حماية الملكية لا أقل من قيامه على حماية أشخاص الأفراد. إذن فإن هذا وذاك يمكن اعتبارهما ممثلين من قبل الأشخاص المكلفين بتسيير الحكم. على أساس هذا المبدأ نجد في كثير من الولايات، وبخاصة في ولاية نيويورك، أن فرعاً من الحكومة يقصد به بصورة خاصة أن يكون حامياً للملكية، ومن ثم وفقاً لذلك يتم انتخابه من قبل ذلك القسم من المجتمع الأكثر اهتماماً بهذا الموضوع في الحكومة. وفي الدستور الفدرالي لا تسود هذه السياسة. فحقوق الملكية موضوعة في نفس اليد التي تحمي حقوق الأفراد. لذا فإن بعض الاهتمام يجب أن يبذل لصالح حق الملكية في اختيار ممثليها.
"ولسبب آخر، هو أن الأصوات المسموح بها في التشريع الفدرالي لأهل كل ولاية يجب أن تحمل بعض النسبة للثروة النسبية في الولايات. فالولايات ليس لها، مثل الأفراد، أي نفوذ الواحدة منها على الأخرى، نابع من امتيازات التفوق في الثروة. لو كان القانون يسمح لمواطن ثري بأكثر من صوت واحد في اختيار ممثله لكان الاحترام والأهمية التي يستقيها من وضعه المحظوظ، كثيراً ما تقود أصوات الآخرين إلى الأهداف التي يختارها هو؛ ومن خلال هذه القناة الخفية تنتقل حقوق الملكية إلى التمثيل العام. إن الولاية لا تملك مثل هذا النفوذ والتأثير على الولايات الأخرى. فليس من المحتمل أن تؤثر أية ولاية في الاتحاد في اختيار ممثل واحد في أية ولاية أخرى. ولن يمتلك ممثلو الولايات الأخرى إلا ما يحصل نتيجة للتفوق في العدد وحده. ولذا فإنه بالقدر الذي يتيحه التفوق في الثروة والأهمية بحق من امتياز، يتوجب أن يُضمن للولاية نصيب أكبر في التمثيل. والدستور الجديد يختلف في هذه الناحية اختلافاً ملموساً عن الدستور المعمول به حالياً، كما يختلف عن الدستور في اتحاد الأراضي الواطئة والكونفدراليات الشبيهة الأخرى. ففي كل من هذه الأخيرة تعتمد فعالية القرارات الفدرالية على القرارات الطوعية واللاحقة للولايات التي تشكل الاتحاد. لذا فإن الولايات، وإن كانت تمتلك صوتاً متساوياً في المجالس العامة، إلا أن تأثيرها غير متساو أبداً، مقارناً بالأهمية غير المتساوية لهذه القرارات الطوعية واللاحقة. وبموجب الدستور المقترح سوف تكون القوانين سارية المفعول دون تدخل ضروري من جانب الولايات. إذ أنها (القوانين) سوف تعتمد على أكثرية الأصوات وحدها، في المجلس التشريعي الفدرالي. وبالتالي فإن كل صوت، سواءً كان صوت ولاية كبيرة أو صغيرة، غنية أو فقيرة أقوى من غيرها أو أضعف – سوف يكونوا له وزن مساو وفعالية مساوية: وبنفس الأسلوب الذي يتم به التصويت في مجلس تشريع الولاية، من قبل ممثلي النواحي غير المتساوية والمقاطعات، ويكون لكل منها مساواة محددة في القيمة والتأثير، ولو كان هناك أي اختلاف في القضية لكان ينبع من الاختلاف في التصرف الشخصي للمثل الفرد أكثر من نبعه من أي اعتبار لاتساع رقعة المقاطعة التي جاء منها".
مثل هذا التعليل الذي سيذكره المدافع عن مصالح الجنوب ويستخدمه بصدد هذا الموضوع؛ ومع أنه يبدو متحفظاً قليلاً في بعض النواحي، فهو على العموم كما أعترف بذلك، يصالحني تماماً مع معيار التمثيل الذي وضعته وثيقة الميثاق.
فمن ناحية: إن وضع مقياس مشترك للتمثيل وجباية الضرائب سوف يترك أثراً تكريمياً. فلما كانت دقة الإحصاء الذي سيحصل عليه الكونغرس يعتمد بالضرورة وإلى درجة معتبرة على ميل الولايات، إن لم يكن على تعاونها – فإنه من الأهمية بمكان أن تشعر الولايات بأقل قدر ممكن من التمييز لتضخيم أو إنقاص عدد المواطنين فيها. ولو كان نصيبها في التمثيل لا يخضع إلا إلى هذه القاعدة لكان لها مصلحة في المبالغة في تضخيم عدد سكانها. ولو كان للقاعدة أن تقرر حصة الولايات من الجباية المفروضة لكان هناك ميل كبير لأن يسود الاتجاه المعاكس. أما بتوسيع القاعدة لتشمل كل الطرفين فإنه سوف يكون للولايات مصالح متعاكسة هي التي تتحكم وتوازن بعضها فينشأ عنها عدم التحيز المطلوب.
بوبليوس

_______________________
- الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 395-401.

العودة للصفحة الرئيسية