الأوراق الفيدرالية

ورقة رقم: 36
الكسندر هاملتون
Alexander Hamilton
8 يناير، 1788


إلى أهالي ولاية نيويورك:
لقد رأينا أن حصيلة الملاحظات التي تم تكريس الورقة السابقة لبحثها هي أن عملية تمثيل المصالح المختلفة ووجهات النظر العديدة لطبقات المجتمع، سواء كان التمثيل قليل العدد أو كثيره – سوف تتشكل بصورة كلية تقريباً من ملاك الأراضي، والتجار، وأفراد من ذوي المهن الرفيعة. هؤلاء في مجموعهم سيمثلون مختلف أصحاب المصالح ومختلف وجهات النظر عند المواطنين. وإذا كان هناك اعتراض على أننا نرى مواصفات أخرى في رجال التشريع المحلي، فأنا أرد عليه بالإقرار من جانبي أن هناك لكل قاعدة شواذ، لكن الشذوذ لن يكون كافياً لأن يؤثر في نوعية الحكومة ولا طبيعتها. هناك ذوو عقول متميزة في كل مجال من مجالات الحياة، ولسوف يبرز أصحابها، نتيجة لنقائص الموقف والظروف، ولتميزهم فإنهم سوف ينالون ما يستحقونه. ولن يكون هؤلاء متميزين بالنسبة إلى الفئات التي ينتمون إليها فقط بل سوف ينالون تقدير تميزهم من المجتمع كله. إن على الباب أن يظل مفتوحاً للجميع، وأنا واثق من أننا، بحكم الطبيعة البشرية، سنشهد أمثلة ظاهرة من تلك النباتات التي سوف تزدهر في أرض الفدرالية كما تزدهر في مجالس تشريع الولايات، لكن أمثلة ظرفية من هذا النوع لن تجعل المحاكمة العقلية التي نمارسها على أساس من سير الأحداث والأشياء العامة أقلّ مصداقية في الحكم والاستنتاج.
ويجوز طرح الموضوع الذي نبحثه في عدة أضواء أخرى، لكنها جميعا سوف تفضي بنا إلى النتيجة نفسها، إذ يمكن بصورة خاصة توجيه السؤال التالي: أية علاقة أقرب، وارتباط أعمق، يمكن تصورها بين مصلحة النجار والحداد وصانع الأقمشة الكتانية أو نسّاج الجوارب هي أوثق مما بين التاجر وأي من هؤلاء؟ من الشائع المعروف أن هناك على الدوام قدراً من المنافسة بين مختلف فروع فنون الصناعة كما هي الحال ما بين فروع العمل الأخرى والصناعة؛ بحيث أنه ما لم يكن عدد الهيئة التمثيلية ضخماً جداً وأضخم ما يسمح به الالتزام بفكرة الانتظام والحكمة عند المناقشة، فإنه سيظل مستحيلاً أن يحصل فعلاً ما يبدو أنه روح الاعتراض الذي نبحثه. ومع هذا فلا بأس من التريث وبحث قضية ظلت حتى الآن ترتدي جبّة فضفاضة لا يمكن القبول بها عند التفحص الدقيق لشكلها الحقيقي أو اتجاهها.
وهناك اعتراض آخر ذو طبيعة أكثر تحديداً مما سبق يسترعي انتباهنا أيضاً. فلقد تم التأكيد على أن صلاحية فرض الضرائب الداخلية لدى التشريع الوطني أمر لا يمكن تطبيقه بنجاح، بحكم نقص المعرفة الكافية عن الظروف المحلية ومن جراء التشابك بين قوانين الخزينة العامة للاتحاد ومثيلاتها لدى الولايات. إن افتراض عدم توفر المعرفة الكافية هذا لهو افتراض لا أساس له البتّة. إذا كان أي سؤال يعتمد في المجلس التشريعي لولاية ما، وبخصوص ناحية من تلك الولاية، يتطلب معرفة تفصيلية لأحوالها المحلية، فكيف يمكن اكتساب تلك المعرفة؟ لا شك أنه من معلومات أفراد تلك الناحية. أفلا يمكن اكتساب مثل تلك المعرفة من قبل أفراد المجلس التشريعي الفدرالي ومن معلومات ممثلي كل ولاية بمفردها؟ أو لا يجب افتراض أن الأشخاص الذين ستبعثهم الولاية إلى المجلس التشريعي الوطني سوف يمتلكون القدر الضروري من الذكاء وبحيث يوفرون تلك المعلومات؟ هل إن معرفة الظروف المحلية، فيما يخص فرض الضرائب، تتطلب معرفة طوبوغرافية دقيقة لجميع الجبال والأنهار والغدران والطرق الوعرة، والدروب الفرعية في كل ولاية؛ أم أنه يكفي معرفة عامة بوضع الولاية وثرواتها، ومجال الزراعة فيها، والتجارة، والنشاط الصناعي وطبيعة منتوجاتها، وما تستهلكه، والدرجات والأنواع المختلفة من ثرواتها، والملكية فيها، والصناعة أيضاً؟
إن الأمم، بصورة عامة، حتى في ظل أعتى الحكومات اللا شعبية على الإطلاق، تعهد عادة بإدارة المالية فيها إلى أفراد بمفردهم أو إلى هيئات تتألف من بضعة نفر متميزين يستوعبون جيداً ويُعدون، أول ما يُعدون، خطط نظم فرض الضرائب فيها، ثم يتم إقرار تلك الخطط فيما بعد لتغدو قانوناً، بحكم سلطة المجلس التشريعي الأعلى في البلاد.
ورجال الدولة المتنورون هم الذين يُعتبرون، في جميع الدول، خير المؤهلين لأن يشكلوا أفضل مجموعة منتقاة للحكم بإنصاف فيما يخص الأهداف المتوخاة من الخزينة العامة. وهذا في ذاته إشارة واضحة، قدر ما يستطيع الإنسان أن يحكم في هذه القضية، إلى نوع الإلمام بالظروف المحلية المطلوب لأغراض وضع نظام فرض الضرائب.
إن الضرائب المزمع أن تشملها صلاحية فرض الضرائب الداخلية يمكن تفريعها إلى فئتين: ضرائب مباشرة وضرائب غير مباشرة. ومع أن الاعتراض المطروح موجه إلى كل من الفئتين، إلا أن مناقشته في الظاهر منصبّة إلى الفرع الأول. أما توجيهه إلى الفرع الثاني، والذي يُفهم منه أنه ينصب على الرسوم والمكوس على السلع الاستهلاكية، فأمر عجيب. إذ أن المرء يضل في أن يتصور ما هي طبيعة المخاوف التي يُخشى منها. ذلك أن المعرفة المتعلقة بهذه الرسوم لا بد أن تكون معرفة ترتبط بنوع السلعة أو معرفة يمكن الحصول عليها من لدن أي رجل مطلع، وخاصة إذا كان من فئة التجار. والظروف التي يمكن أن تميز هذا الوضع في ولاية واحدة قد تتباين مع نظيرتها في ولاية أخرى تبايناً طفيفاً، وتكون الفروق بسيطة يمكن إدراكها بكل سهولة. إن الشئ الرئيس الذي يجب مراعاته هو تحاشي تلك السلع التي لوحظ أنها مناسبة للاستخدام في ولاية معيّنة؛ ولن تكون هناك أية صعوبة في تثبيت النظام الضريبي في أي ولاية على هذا القبيل. ويمكن أن يُعرف هذا من لوائح القوانين كما يمكن الحصول عليه من لدن الأعضاء في عدة ولايات.
إن الاعتراض، حين يتم تطبيقه على العقارات أو المساكن والأراضي المملوكة، يبدو ذا أساس أقوى عند النظر إليه لأول وهلة، لكن حتى من هذه الزاوية فإنه لم يتم إمعان النظر فيه جيداً. ذلك أن الضرائب على الأراضي تُفرض، بصورة عامة، على أحد أساسين: إما عقب إجراء تقييم فعلي، دائم أو مؤقت، أو تقديرات تعتمد على الحدس وتتم بين الفينة والأخرى، أو تبعاً لأفضل الآراء التي يقدمها موظفون معينون يكلّفون بإجرائها باعتبارها وظيفتهم. وفي كلتا الحالتين، فإن تطبيق عملية الفرض، الذي يتطلب معرفة بالتفصيلات المحلية يجب أن يتم تطويره من قبل رجال ذوي حصافة في طبيعة المهمات أو التقدير من هذا النوع.. إما أن يتم انتخابهم من قبل المواطنين أو تعينهم الحكومة لهذا الغرض. من ثم فإن كل ما بمقدور القانون أن يفعله هو تحديد أسماء الأشخاص أو توصيف طريقة انتخابهم أو تعيينهم، وأن يعيّن عددهم ومؤهلاتهم ويرسم خطوطاً عريضة لصلاحياتهم وواجباتهم. أي شئ في هذا يعسر القيام به على رجال التشريع الوطني قدر ما يقوم به المجلس التشريعي في الولاية؟ إن الاهتمام من جانب كل من المجلسين ينحصر في التوصل على مبادئ عمومية، أما التفصيلات المحلية، كما لاحظنا آنفاً، فإنما تُحال إلى الأشخاص الذين ينفّذون الخطة.
غير أن هناك وجهة نظر بسيطة تضم مثل هذه الأمور لا بد أنها مقنعة ومقبولة. ومفادها أن يستخدم التشريع الوطني النظام الضريبي الذي تضعه الولاية لكن ذلك يكون ضمن حدودها فقط. أما طريقة وأسلوب فرض الضرائب وجباية نوع الضرائب في كل ولاية فهو شأن يتم تبنيه واستخدامه، في جميع جوانبه، من طرف الحكومة الوطنية وحدها.
وبخصوص ذلك دعنا نتذكر أن نسبة هذه الضرائب لا يجوز أن تُترك لرأي ممثلي التشريع الوطني وبصيرتهم، بل يحددها نفر من ممثلي كل ولاية، كما تم وصفه في الفقرة الثانية من المادة الأولى، أن إحصاءً فعلياً أو تعداداً عاماً للسكان يجب أن يغذي القاعدة، وهذا واقع من شأنه أن يغلق الباب في وجه التحيز أو الإكراه. ويبدو أنه تم الاحتراز من سوء استخدام هذه الصلاحية في فرض الضرائب بفضل الرقابة العامة عليه. فبالإضافة إلى الاحتياط المشار إليه آنفاً هناك اشتراط أن "تكون جميع الرسوم والمكوس موحدة في طول الولايات المتحدة وعرضها".
وقد تمت الإشارة الحقة من قبل جميع المتحدثين والكتّاب الذي بحثوا جانب الدستور إلى أن ممارسة فرض الضرائب الداخلية من قبل الاتحاد كانت أمراً يجب أن يُحكم فيه سلفاً على أساس الاعتبارات المدروسة جيداً، أو تلك التي قد يتم التوصل إليها في المستقبل عن طريق التجربة. فإذا تبيّن أنها غير مناسبة – فإنه يجوز للحكومة الفدرالية أن تلغي استخدامها أو تعيد النظر في متطلبات البديل منها، ومن قبيل الإجابة عن هذا الأمر فقد طُرح سؤال: لماذا لا نلغي هذه الصلاحية الغامضة الحدود أولاً ثم نعتمد على موارد للخزينة أخرى؟ هناك جوابان يمكن أن يُعرضا بهذا الخصوص. الأول منهما أن الممارسة الفعلية لتلك الصلاحية قد تُثبت أنها مناسبة وضرورية؛ لأنه من المستحيل إثبات جدوى استخدامها نظرياً أو بأية طريقة أخرى غير الممارسة الفعلية. والنقيض في الحقيقة، يبدو أنه أكثر احتمالاً. والجواب الثاني هو أن النص على تلك الصلاحية في الدستور سوف يترك أثراً في توفير الكفاءة والفعالية في المتطلبات. فعندما تعرف الولايات أن الاتحاد يستطيع أن يوفر موارده دون تدخل من طرفها، فإن ذلك سيكون حافزاً قوياً لبذل الجهد من جانبها.
أما من حيث تداخل قوانين الاتحاد المالية مع قوانين الأعضاء فيه، فقد بينا من قبل أنه لا تنافر ولا تعارض في السلطة بخصوص ذلك. أن القوانين المعنيّة من ثم، لابد أن تتشابك مع بعضها بالمعنى القانوني، لكنه ليس من المستحيل تحاشي ذلك التشابك حتى ما بين سياسات نظم الولايات المختلفة. والواقع أن ممارسة حقيقية بهذا الهدف ستكون كفيلة بالامتناع عن تلك الأشياء التي كان كل من الطرفين (الولاية والاتحاد) قد لجأ إليها. إذ أنه لما كان أي منهما لا يستطيع التحكم في الآخر، فإن كلاً منهما ذو مصلحة معقولة في التغاضي المتبادل عن ذلك. وحيث توجد مصلحة مشتركة، فإن لنا الاعتماد عليها بكل اطمئنان. وحين تزول الديون الخاصة على الولايات وتغدو النفقات التي تتطلبها الولايات مقصورة على مجالها الطبيعي، فإن احتمال التدخل من قبل الاتحاد تتلاشى بطبيعة الحال. إن ضريبة بسيطة على الأرض تغدو كافية للوفاء بأهداف الولايات، وتكون هي المورد المالي المتواضع والمناسب لها أيضاً.
إن عدة أطياف من الرؤى قد استثيرت من صلاحية أن يفرض الاتحاد الضرائب الداخلية لمجرد تخويف المواطنين من ذلك: مثل تضاعف المدفوعات لموظفي المالية (أي من الاتحاد والولايات)، وازدواجية أعبائهم لازدواجية فرض الضرائب، والنماذج الممجوجة والمخيفة للضرائب على الأفراد، وقد تم التلاعب بذلك بحذق سئ النية تتقنه الشعوذة السياسية.
فمن حيث النقطة الأولى هناك حالتان لن يكون فيهما مجال لمضاعفة عدد الموظفين: الأولى حين يكون حق فرض الضرائب مخولاً ومقصوراً بالكلية على الاتحاد؛ وهذا ينطبق على الرسوم على الواردات؛ والثانية حيث لا تكون السلعة قد أخضعت لأية تعليمات أو اشتراطات من ولاية ما؛ وهذا قد ينطبق على سلع متعددة متنوعة. وفي الحالات الأخرى غير تلك الحالتين، فإن المحتمل أن الاتحاد إما أن يتحاشى السلع المطلوبة لأغراض محلية (للولاية)، أو أن يستخدم موظفي الولاية وتعليمات الولاية لتحصيل الرسوم الإضافية. وهذا يتفق تماماً مع وجهة نظر الخزينة، لأنه سوف يوفر على الاتحاد نفقات تحصيل الضرائب، كما يتحاشى أي شعور بالنفور والاشمئزاز من لدن حكومات الولايات والمواطنين على السواء. وأياً كان الحال، فإن لدينا مانعاً عملياً لتجنب هذا الإزعاج، وليس هنالك شئ ألح طلباً من تبيين أن الشرور المتكهن حدوثها لا تنشأ ضرورة من الخطة (المطروحة للبحث).
وأما بخصوص أية مناقشة تنبع من نظام مفترضاً أن يكون ذا نفوذ وفعالية، فيكفينا جواباً عليه أن نقول إنه لا يجوز الادعاء سلفاً بمثل ذلك، إذ أن هذه الفرضية مشكوك فيها لأنها في حاجة إلى إجابة دقيقة. إذا كانت مثل هذه الروح سوف تتسلل على مجالس الاتحاد، فإن أصدق طريق لإنجاز ما ترمي إليه هو استخدام موظفي الولايات بأكبر قدر ممكن، وإلحاقهم بالاتحاد عن طريق زيادة رواتبهم. وهذا بطبعه سوف يساعد في تحويل المد من نفوذ الولايات ليصب في قنوات الحكومة الوطنية، بدلاً من جعل النفوذ الاتحادي يصب في الاتجاه المعاكس والتيار المعادي. إلا أن جميع الافتراضات التي من هذا القبيل مؤذية يجب إقصاؤها من البحث في القضية المعروضة للمناقشة أمام القوانين. فهم لا يستطيعون الإجابة بأكثر من إلقاء الأستار والضباب على الحقيقة لحجبها.
وأما بخصوص الرأي القائل بازدواجية الضرائب، فالجواب عليه يسير للغاية. ذلك أن حاجات الاتحاد حاجات يجب توفيرها بطريقة أو بأخرى، فإذا تم ذلك من خلال حكومة الاتحاد بطل من واجب حكومات الولايات أن تفعل ذلك. إن كمية أو حجم الضرائب التي يجب أن يدفعها المجتمع في كلتا الحالين هي نفسها، لكن مع توفير الميزة التالية في حال قيام الاتحاد بذلك، وهي أن المورد الرئيسي من الرسوم على التجارة، والتي هي الجانب الأسهل من موارد الخزينة العامة، يمكن تحسينه بدرجة أكبر في ظل تعليمات الاتحاد الفدرالي أكثر بكثير من ذلك في ظل تعليمات الولاية، كما يمكن جعله بطبيعة الحال أقل احتياجا للجوء إلى أساليب مزعجة. وبفضل هذه ينشأ أنه بقدر ما توجد صعوبة حقيقية في ممارسة صلاحية فرض الضرائب الداخلية، يغدو تحصيلها عن طريق الاتحاد يفرض عناية أشد واهتماماً أكبر عند انتقاء الواسطة لتحصيلها وفي تنظيم ذلك؛ كما يخلق ميلاً طبيعياً إلى جعلها نقطة ثابتة في السياسة لدى الإدارة الوطنية، ويحفزها إلى أن تذهب أقصى ما تستطيع عملياً لزيادة رفاهية ذلك الرافد الغني للخزينة العامة كما تُضائل من ضرورة فرض رسوم قد تخلق عدم رضا الطبقات الأفقر، وهي الفئات الأكثر عدداً في المجتمع. يا لحسن الحظ حين تجد الحكومة فائدة لها في إبقاء صلاحيتها الخاصة متفقة تمام الاتفاق مع التوزيع المناسب لأعباء المواطنين وتميل إلى حراسة الأقل ثراءً منهم كيلا يقع عليهم أي ظلم أو تعسف.
وبخصوص ضرائب الرأس على الأفراد، فأنا أجزم حين أصرّح بعدم الموافقة على فرضها. ومع أن ممارستها قد حصلت منذ فترة مبكرة في الولايات، والتي كانت شديدة الحرص على حقوقها، فأنا أشعر بالأسى أن أرى تلك الضريبة تدخل إلى حيز التطبيق في ظل حكومة الاتحاد. لكن، تُرى هل تنبع تلك الضرائب من أن هناك سلطة تفرضها فيجب وضعها من قبل تلك السلطة؟ إن لكل ولاية في الاتحاد صلاحية وضع ضرائب من هذا النوع؛ بيد أن عدة ولايات منها لا تعرف ضرائب الرأس هذه. هل يجب تصنيف حكومات الولايات على أنها حكومة طغاة لأنها تمتلك تلك السلطة؟ إذا لن تكن كذلك، فبأية لياقة يمكن تبرير اتهام سلطة مشابهة لتلك لدى الحكومة الوطنية، أو حتى يمكن إثارة الموضوع باعتباره عقبة في وجه تبنّي فكرتها؟ إنني شديد النفور من سمة فرض رأيي على الغير، ومع ذلك فإنني لا أزال أن أشعر بإدراك سليم أن امتلاك السلطة المعنية، للجوء إليها (عند الحاجة) يجب أن يوضع في يد الحكومة الفدرالية. هناك طوارئ معينة تتعرض لها الأمم حيث تكون الموانع التي تقوم في وجه سير الأمور العادية موانع يجب التغاضي عنها، ويكون إغفالها ضرورياً لمصلحة الخير العام في البلاد. وبحكم إمكان حصول مثل تلك الطوارئ، يجب أن يكون للحكومة الخيار في هذه البلاد، وهو خيار يجب اعتباره أحد الموارد المثرية للخزينة العامة. وهذا سبب غريب في ذاته يفرض عدم التضييق على المجالس الوطنية ولا تضييق مجالها في هذا الخصوص. فلقد توجد تخمينات خطيرة ومغرية من جانب الولاية، حيث تصبح ضريبة الرأس مورداً مالياً لا يمكن تقدير أهميته. ومع أنني لا أعرف شيئاً يُعفي هذه الرقعة من العالم من النكبات العامة التي حصلت في الأجزاء الأخرى منه، فأنا أصرّح بمعارضتي لكل مشروع يُقصد منه تجريد الحكومة من أي سلاح يمكن أن يتم استخدامه لصالح الدفاع العام عن البلاد وضمان أمنها.
لقد أنهيت الآن عرض ومناقشة تلك الصلاحيات المقترح تحويلها إلى الحكومة الفدرالية، والتي تتعلق بشكل خاص بفعاليتها وكفاءتها للوفاء بالأهداف الكبرى والرئيسية للاتحاد. وهناك صلاحيات وسلطات أخرى، تم تناسبها في هذا الموضوع المطروح للبحث أكثر تكاملاً، لكنه يجب الإشارة إليها تحت العنوان اللاحق من تساؤلاتنا. وأراني أخادع نفسي حين أزعم أن التقدم الذي أنجزناه حتى الآن كان كافياً لإرضاء الجانب الطيّب والمنصف من أفراد المجتمع، وأزعم أن بعض الاعتراضات على الدستور التي تمت إثارتها والتشديد في أمرها، والتي كانت تبعث الرعب والجزع لأول وهلة – قد تثبت أنها ليست عديمة الوجود الحقيقي فحسب، بل إنها اعتراضات لو تم إعمالها في رسم خطة الدستور لجعلته غير صالح ولا لائق بأهداف توفير السعادة للمواطنين والازدهار للأمة. وكذلك أخدع نفسي حين أزعم أن بحثاً أعمق وأكثر دقة للنظام الاتحادي سوف يخدم في تحبيذ الأخذ به أكثر مما عرضناه، لدى أي شخص مخلص لكنه غير مهتم بحكم جيد في البلاد. إن ما عرضناه لن يترك أي شك لدى أشخاص من هذا القبيل في لياقته وضرورة تبنّيه. ما أسعدنا، وما أعظم شرف البشرية، أن تتوفر لدينا الحكمة والفضيلة لأن نضع هذا المثال الرائع المجيد للجنس البشري.
بوبليوس

_______________________
- الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 246-254.

العودة للصفحة الرئيسية