الأوراق الفيدرالية

ورقة رقم: 35
الكسندر هاملتون
Alexander Hamilton
5 يناير، 1788


إلى أهالي ولاية نيويورك:
قبل أن نستطرد لمناقشة أي اعتراضات أخرى على السلطة غير المقيدة على فرض الضرائب لدى الاتحاد سوف أورد ملاحظة عامة، هي: لو كان التشريع في الحكومة الوطنية في بند الخزينة العامة قد حُدد للإنفاق على أهداف (أغراض) معينة، لجعل بطبيعة الحال نسبة غير مستحقة من الأعباء العامة تقع على كاهل تلك الأهداف. وهناك شرّان اثنان كانا سينشآن من ذلك: أولهما قمع جوانب معينة من جوانب الصناعة، والثاني توزيع غير عادل في الضرائب، ومجحف فيما بين الولايات والمواطنين في كل ولاية بذاتها.
افترض كما طالب البعض أن الصلاحية الفدرالية في مجال فرض الضرائب قد اقتصرت على الرسوم على الواردات. من الواضح في تلك الحال أن حكومة الاتحاد بحكم عجزها عن السيطرة على موارد أخرى، كثيراً ما ستُغري بتوسيع نطاق تلك المكوس إلى درجة الإفراط المؤذي. هناك أناس يتصورون أن هذا أمر لن يحدث أبداً، فكلما ارتفعت الرسوم كان المفروض أن يغدو الناس أميل إلى عدم تشجيع التبذير في الاستهلاك، وذلك من أجل خلق توازن أفضل في ميدان التجارة، ورفع مستوى المصنوعات المحلية. لكن كل تطرف هو مؤذ وخبيث، وبأكثر من سبيل واحد. فالرسوم الباهظة على الواردات سوف توف تولّد نزعة إلى التهريب، والتهريب على الدوام ضد صالح التاجر المنصف، ومن ثم ضد مصلحة الخزينة العامة: فهي (الرسوم الباهظة) تميل إلى جعل الطبقات الأخرى من المجتمع، رافداً بدرجة غير سوية في خدمة طبقات أهل الصناعة التي يمنحونها احتكاراً على الأسواق في البلاد، بل يدفعون أفرادها أحياناً إلى أن يزجّوا بالنشاط الصناعي إلى خارج مجالاته الطبيعية، بل إلى مجالات أخرى يسير فيها بنعومة أقل. وفي آخر الأمر، فإنهم يُكرهون التاجر، الذي كثيراً ما يجد نفسه مضطراً، لأن يدفع تلك الرسوم دون أن يستردها من الزبون المستهلك. حين يكون الطلب معادلاً لكمية السلع المطروحة في السوق، فإن المستهلك في العادة يدفع الرسم، أما حين يحصل أن تكون السلع المعروضة أكثر من الطلب عليها، فإن نسبة كبيرة (من الرسوم) تقع على كاهل التاجر. وهي في بعض الأحيان لا تستهلك مربحه كاملاً بل تتعدى ذلك إلى رأسماله ذاته. وأراني أميل إلى القول: إن نوعاً من التقاسم في الرسم بين البائع والمشتري يحدث في الواقع إلى درجة أكبر من تصور الآخرين. فليس من السهل دائماً أن يعمد التاجر إلى رفع سعر السلعة بنسبة ارتفاع الرسم الضريبي عليها، لا أكثر ولا أقل. إن التاجر، وبخاصة في بلاد ذات رأسمال تجاري ضيق، كثيراً ما يكون مجبراً على إبقاء الأسعار منخفضة من أجل أن يزيد حجم مبيعاته.
إن بديهية أن المستهلك هو الذي يدفع (الرسوم) على الدوام لهي أصدق في أكثر الأحيان من فرض عكسها، وهو أن كون الرسوم المفروضة على الواردات مشتركة بين الولايات أكثر عدالة من جعل منافعها مقتصرة على الولايات التي تقوم بعملية الاستيراد. لكنه ليس من الصواب بصورة عامة أن نجعلها أكثر إنصافاً بالقول أن تلك الرسوم يجب أن تشكّل المورد الوحيد للخزينة العامة. فالرسوم حين يدفعها التاجر تعمل عمل ضريبة إضافية على الولاية التي قامت بالاستيراد، مع أن مواطنيها يدفعون نصيبهم المعقول بصفتهم مستهلكين. في هذا الضوء تكون الرسوم عاملاً في خلق عدم المساواة فيما بين الولايات. وهذا إجحاف يتزايد كلما تزايد المدى الذي تشمله تلك الرسوم. والواقع أن حصر موارد الخزينة العامة في هذا الصنف من الضرائب أمر سيتم تطبيقه بعدم إنصاف بين الولايات الصناعية والأخرى غير الصناعية في البلاد. وذلك لسبب آخر فالولايات الأقدر على توفير حاجاتها الخاصة عن طريق ما تصنعه فيها، لن تستهلك بحسب عدد السكان فيها أو ثرواتهم، نسبة كبيرة من السلع المستوردة قدر ما تستهلك الولايات الأخرى التي لا تتمتع بمثل ذلك الوضع. ومن ثم، فإن تلك الولايات لن تسهم في الثروة الوطنية بما يتناسب مع قدراتها ووضعها. ومن أجل جعلها تفعل ذلك سيكون من الضروري أن يعاد النظر في الرسوم، التي ترمي بصورة خاصة إلى خدمة أولئك الصناعيين. فولاية نيويورك مهتمة جداً بهذه الاعتبارات أكثر من اهتمام مواطنيها بالكفاح في سبيل تحديد سلطة الاتحاد في فرض الضرائب الخارجية. فهي ولاية مستوردة، وبسبب من عدم التناسب بين عدد سكانها ورفعة أرضها فهي أقل احتمالاً من غيرها من الولايات لأن تغدو بسرعة ولاية صناعية بدرجة معتبرة. إنها بطبيعة الحال، ستعاني ضعفين من قصر حق التشريع في الاتحاد على الواردات التجارية...
وبقدر ما تنحو هذه الملاحظات إلى التبصير بخطر توسيع رسوم الاستيراد إلى حد فيه تطرف، فهي تدعو إلى الاهتمام بملاحظة سبق ذكرها في موقع آخر من هذه الأوراق الفدرالية، وهي أن عائد الخزينة العامة ذاته سوف يكون حارساً كافياً ضد هذا التطرف. أنا في الواقع أقر أن هذا سيكون الحال طالما أن الموارد الأخرى ظلت مفتوحة، أما إذا كانت المنافذ إليها مغلقة، فإن الأمل، الذي تحفزه الضرورة، سوف يولّد تجارب تحصنها الاحترازات المكينة والعقوبات الإضافية، التي سيكون من شأنها، لفترة من الوقت، أن تخلق الأثر المقصود ذاته ريثما تتوفر فرصة للخلاص من العقبات، وحذف هذه الاحتياطات الجديدة. إن هذا النجاح الأول قد يوحي بآراء خاطئة ربما احتاجت إلى تجارب لاحقة لإصلاحها. ذلك أن الضرورة، وخاصة في ميدان السياسة كثيراً ما تخلق آمالاً مغلوطة، ومحاكمات وتحليلات شوهاء، ومجموعة خاطئة من الإجراءات تترتب على ذلك. لكن حتى، إذا لم يكن هذا الإفراط المفترض نتيجة تتلو من تقييد السلطة الاتحادية في مجال فرض الضرائب، فإن جوانب عدم الإنصاف المذكورة آنفاً، سوف تنشأ، وإن لم يكن بنفس القدر، عن الأسباب الأخرى التي تمت ملاحظتها. دعنا الآن نتحول إلى تفحص الاعتراضات. إن أحدها، إذا كان لنا نحكم اعتماداً على تكرار إبرازه، لهو اعتراض جدير بالاعتبار أكثر من غيره، وهو أن مجلس الممثلين (النواب) ليس ذا عدد كاف لأن يستقبل جميع طبقات الشعب المختلفة من كل قسم من أقسام المجتمع، ولأن يخلق تعاطفاً صادقاً بين الهيئة التمثيلية وبين من تمثلهم من الأفراد. وهذه المناقشة تطرح نفسها من خلال إطار شديد الاتساع والإغواء، وقد حسب من يعرضونها أنها كفيلة ببذر بذور الحقد لدن أولئك الذين توجه إليهم في الخطاب . غير أننا لو عمدنا إلى التبصر فيها بروية، فسرعان ما يظهر لنا أنها ليست أكثر من ألفاظ طنانة فحسب. إذ أن الغرض الذي يبدو أنها تهدف إليه، في المقام الأول، هو غرض لا يمكن التصدّي له، كما أنه، بالمعنى الذي يسعون إليه، ليس أمراً ضرورياً. وأنا أحتفظ، وإلى موقع آخر في النقاش ببحث هذه المسالة، مسألة عدم كفاية الهيئة التمثيلية من حيث العدد، وسأكتفي ههنا بتفحص الفائدة الخاصة التي تم عرضها وتقديمها كبديل مناقض فيما يتعلق بالغرض المباشر لتساؤلاتنا هذه.
إن فكرة تمثيل حقيقي لجميع فئات الشعب من قبل أشخاص من كل فئة بعينها لهي فكرة وهمية أصلاً. فما لم يتم التصريح في نص الدستور بأن كل مهنة بمفردها يجب أن تبعث منها عضواً أو أكثر، فإن حدوث ذلك لن يحصل في التطبيق. إن الميكانيكيين وأرباب الصناعة، سيميلون بصورة دائمة، إلا في حالات استثنائية قليلة، لأن يُعطوا أصواتهم إلى التجار مفضّلين إياهم على أشخاص يعملون في نفس مهنهم أو خرفهم. ويدرك هؤلاء المواطنون الحصيفون جيداً، على الدوام، أن فنون العمل الميكانيكي والصناعي هي التي تورّد المواد الضرورية للمغامرة التجارية والصناعية. بل إن الكثير منهم، في الواقع، على اتصال مباشر بالعمليات التجارية. وهم يعلمون أن التاجر هو الراعي الطبيعي لعملهم وصديق ذلك العمل، ويعون تماماً أنه مهما كانت درجة ثقتهم التي يشعرون بها تجاه حسهم العام والنوايا الطيبة لديهم، فإن مكاسبهم تتزايد بصورة أكبر عن طريق التاجر منها عن طريقهم هم أنفسهم. وهم يوقنون أن عاداتهم في حياتهم ليست من النوع الذي يمنحهم تلك الهبات العقلية المكتسبة والتي بدونها تغدو أعظم المقدرات الطبيعية لا فائدة منها في مجلس يحتدم فيه النقاش، ويدركون أن النفوذ، والجاه، والميزات الأرفع المتواجدة عند التجار تجعلهم أنداداً أكفاء للتعامل مع أي نزعة قد تعبئ نفسها في المجالس العامة، وتكون غير ودودة لمصلحة رجال الصناعة ورجال التجارة. إن هذه الاعتبارات وكثيراً غيرها يمكن إيرادها، تؤكد أن الحرفيين وأهل الصناعة سيكونون ميّالين أكثر لأن يمنحوا أصواتهم إلى التجار ومن يزكّيهم التجار. وخبرة الممارسة تؤيد ذلك. لهذا يكون علينا أن نعتبر أن التجار هم الممثلون الطبيعيون لجميع الفئات المختلفة في المجتمع.
أما بخصوص المهن التي يمكن تعلمها فالحاجة قليلة على ذكر أن أهلها مع كونهم يمثلون مصلحة متميزة في المجتمع، بحكم وضعهم ومواهبهم، فإنهم سيكونون دون تمييز بين أعمالهم، موضع الثقة والاختيار فيما بين بعضهم ومن قبل الفئات الأخرى في المجتمع.
ولا يبقى بعد هذا إلا أصحاب الأراضي، وهذه فئة من حيث النظرة السياسية، وبخاصة ما يتعلق منها بالضرائب، سيكون أفرادها متحدين تماماً من أغنى ملاّك فيهم إلى أفقر (مرابع) مستأجر للأرض. إذ لا يمكن فرض ضريبة على الأرض لن يتأثر بها صاحب ملايين الفدادين ولا يتأثر ملاك الفدان الواحد. لهذا سيكون كل ملاّك ذا مصلحة مشتركة في أن تبقى الضريبة على الأراضي أدنى ما يمكن. وكثيراً ما تكون المصلحة المشتركة شيئاً يُعتمد عليه وتُعتبر أرسخ رباط للتعاطف. ولكن، حتى لو جاز لنا افتراض تمايز في المصلحة بين الملاك الكبير وبين الفلاح المتوسط، فما هو السبب الذي يجعلنا نستنتج أن الأول سينال فرصة أكبر في أن يصبح ممثلاً في الهيئة التشريعية الوطنية من فرصة الآخر؟ إذا جعلنا الحقيقة هادياً لنا، ونظرنا إلى مجلسي الشيوخ والنواب عندنا، فسنجد أن ملاكي الأرض المعتدلين هم الأكثر في المجلسين، وليس هذا الأمر أقل بروزاً في مجلس الشيوخ، الذي يتألف من عدد أقل من الأعضاء من مجلس النواب، ذي العدد الأكبر. وحيث تكون مؤهلات الناخبين في الحالين هي نفسها، سواء انتخبوا عدداً قليلاً أو كبيراً، فإن أصواتهم ستتجه إلى أولئك الذين يتمتعون بثقتهم أكثر، سواء كان هؤلاء أصحاب أموال وفيرة، أو مالكي عقارات متوسطة الحجم أو لا أملاك لهم على الإطلاق.
ويُقال: من الضروري أن يكون لجميع طبقات المجتمع ممثلون من بينهم في الهيئة التمثيلية، لضمان إدراك مشاعرهم والحرص على مصالحهم ورعايتها. إلا أننا رأينا أن مثل هذا الأمر لن يحدث البتة في أي ترتيب يترك المواطنين أحراراً في توجيه أصواتهم. وحيث يكون ذلك كذلك، فإن روح الهيئة التمثيلية، إلا في عدد يسير من الاستثناءات، يكون ذا تأثير في روح الحكم والحكومة، والتي ستتألف من مالكي الأراضي، والتجار، وأصحاب المهن الراقية. من ثم أين هو التخوف من ألا تكون مصالح ومشاعر مختلف طبقات المجتمع مدركة ومرعية تماماً من قبل هذه التوصيفات الثلاث من الأشخاص؟ ألن يعرف الملاّك ويحس بما سينّمي أو يؤذي مصلحة أصحاب العقار؟ ألن يكون بحكم مصلحته الخاصة في ذلك النوع من الملكية، مندفعاً بالقدر الكافي لمقاومة أي محاولة للاعتداء عليها أو إرهاقها بالديون؟ ألن يفهم التاجر ويكون ميالاً لترقية مصالح عامل الورشة الميكانيكية، بالقدر الممكن، هي ومصالح أصحاب فنون الصناعة التي تتلازم معها التجارة وتتحالف؟ أليس من المحتمل أن يُثبت صاحب المهنة الراقية، الذي سيشعر بالحياد تجاه التنافسات فيما بين فروع الصناعة، كونه حكماً غير متحيز فيما بينها، ويكون مستعداً لتنمية كل منها، بقدر ما يرى أنه أفضل وأنفع لمصلحة المجتمع ككل؟
إذا أخذنا في الاعتبار الأمزجة الآنية والميول التي قد يحصل أن تسود في جوانب (أجزاء) معينة من المجتمع، والتي لن تكون الإدارة الحصيفة غير متنبهة لها، فهل لن يكون الشخص الذي يقوده تحرّيه الواسع ومعلوماته الواسعة – صاحب احتمال أقل لأن يكون حاكماً أقل كفاءة على طبيعتها، ومداها، وأساسها من شخص آخر لا تتجاوز معلوماته إلى أبعد من محيط جيرانه ومعارفه؟ أليس من الطبيعي أن الرجل الذي يقف مرشحاً لخدمة الشعب، والذي يعتمد بخاصة على أصوات رفاقه المواطنين في الاقتراع العام لاستمرار الحفاظ على جاهه وتقديره العام عند الناس – سوف يبذل قصارى جهده في التعرف على ميولهم واتجاهاتهم، وأن يكون راغباً في أن يتيح لهم درجة كافية من التأثير في تصرفه؟ إن هذا الاعتماد، وضرورة أن يكون الرجل مقيداً، نفسه وملكيته، بالقوانين التي يمنحها الموافقة والتي هي الحبال الحقيقية والعواطف القوية التي تربط عضو الهيئة التمثيلية بالفرد الذي يجعله عضواً.
ليس هناك أي قسم من دوائر الحكومة يتطلب معلومات شاملة ومعرفة دقيقة كاملة بمبادئ الاقتصاد السياسي بالقدر الذي تقتضيه عملية فرض الضرائب. فالرجل الذي يستوعب هذه المبادئ على أفضل وجه من غير المتوقع تماماً أن يلجأ إلى العقبات القمعية أو يقوم بتضحية أية فئة من المواطنين لمجرد ضمان وفر الخزينة العامة. قد يشار على سبيل التوضيح على أن أكثر نظام إنتاجية من حيث التمويل هو الأخف عبئاً والأقل مضايقة. وليس هناك أي شك في أنه رغبةً في ممارسة تشريعية لصلاحية فرض الضرائب من الضروري أن يكون الشخص الذي توضع في يديه على إلمام عام بالإبداع العام، والعادات، وطرائق التفكير، لدى الشعب بصورة عامة وبموارد البلاد أيضاً. وبأي معنى آخر فإن الاستبدال إما ألا يكون له معنى أو يكون له معنى سخيف. وبهذا المعنى دع أي مواطن محترم يحكم بنفسه أين يمكن العثور على المؤهلات المطلوبة.
بوبليوس

_______________________
- الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 239-245.

العودة للصفحة الرئيسية