الأوراق الفيدرالية

ورقة رقم: 33
الكسندر هاملتون Alexander Hamilton 2 يناير، 1788


إلى أهالي ولاية نيويورك:
إن ما يتبقى من المناقشة ضد ما يشترطه الدستور فيما يخص فرض الضرائب يتركز في العبارات التالية. البند الأخير من الفصل الثامن في المادة الأولى يخول التشريع الوطني أن "يضع جميع القوانين الضرورية والمناسبة لتنفيذ الصلاحيات الدستورية المخولة للحكومة في الولايات المتحدة (الإدارة)، أو لأية دائرة أو موظف من طرفها"، والبند الثاني من المادة السادسة يصرّح أن "الدستور وقوانين الولايات المتحدة التي توضع بموجب ذلك والمعاهدات التي تُعقد بموجبه سوف تكون القانون الأعلى النافذ في البلاد، ولا يُعتبر أي شئ يورده دستور أية ولاية أو قوانين تضعها مناقضة لذلك".
كان هذان البندان مصدر كثير من الطعن الحاد والرفض العنيف ضد الدستور المقترح. لقد تم تصويرهما في نظر المواطنين بأصباغ مبالغ فيها ومضخّمة على أساس أنهما آلتان شريرتان عن طريقهما سوف يحصل تدمير الحكومات المحلية وتتم مصادرة حريات المواطنين، وكأنهما (البندان) مارد مرعب سوف تنقض فكّاه فتلتهم كل شئ، لا توفر رجلاً ولا امرأة ولا شيخاً ولا فتى، لا رفيعاً ولا وضيعاً، ولا يحترم المقدسات ولا المدنّسات. ومع هذا، ومهما بدا غريباً بُعد هذا الصخب عن الواقع، وفي نظر أولئك الذين لم يتم لهم أن يتأملوا ذلكما البندين بروّية، فإنه يمكن التأكيد بثقة كاملة أن العمليات الدستورية التي ستقوم بها الحكومة المزمعة ستكون هي نفسها تقريباً لو تم حذف هذين البندين، لأنهما يتكرران في كل مادة من الدستور. إنهما مجرد بندين إعلانيّين لحقيقة كانت ستنتج ضمناً وتترتب ضرورة على مجرد تشكيل حكومة فدرالية وتخويلها صلاحيات محددة خاصة. وإنها لفرضية جلية تماماً أن الاعتدال في ذاته نادراً ما يصغي إلى الهجمات التي تم صبّها بوفرة زائدة ضد هذا الجزء من خطة الدستور دون إحساس بالاضطراب الذي تخلقه تلك الهجمات لتفسد على الخطة طمأنينتها.
تُرى ما هي السلطة (الصلاحية) إلا القدرة أو الاستطاعة لعمل الشئ؟ وما هي القدرة لعمل شئ غير صلاحية استخدام الواسطة الضرورية لتنفيذه؟ وهل السلطة التشريعية شئ آخر سوى صلاحية سن القوانين؟ وما هي الوسائط لتنفيذ أية صلاحية تشريعية سوى القوانين؟ هل إن صلاحية وضع الضرائب وجمعها شئ إلا سوى صلاحية تشريعية، أو صلاحية وضع القوانين لفرض الضرائب وجبايتها؟ وما هي الوسائل المناسبة لممارسة تلك الصلاحية غير القوانين الضرورية والمناسبة؟
إن هذا التسلسل البسيط من التساؤل يزودنا على الفور بمحكّ للطبيعة الحقيقية للبند الذي يتذمرون منه. فهو يفضي بنا إلى الحقيقة الصارخة وهي أن صلاحية وضع الضرائب وجبايتها يجب أن تكون صلاحية تشمل جميع القوانين الضرورية والمناسبة للقيام بتنفيذ تلك الصلاحية. وما الذي يفعله ذلك الشرط السئ الحظ والمطروح للبحث أكثر من أنه يُعلن هذه الحقيقة نفسها، ويُفيد أن التشريع الوطني الذي تم منحه حق وضع الضرائب وجمعها ومن أجل تطبيق تلك الصلاحية – هو الذي يقرّ القوانين الضرورية والمناسبة ويضعها موضع التطبيق؟ لقد طبقتُ هذه الملاحظات بصورة خاصة على صلاحية وضع الضرائب، لأنها هي الموضوع المطروح للبحث، ولأنها هي الصلاحية الأهم من غيرها التي يُقترح تخويلها للاتحاد. بيد أن العملية ذاتها سوف تؤدي إلى نفس الحصيلة فيما يتعلق بالصلاحيات الأخرى المعلن عنها في الدستور. ومن الجليّ أنه لأجل تطبيق تلك الصلاحيات، فإن العبارة الشاملة، كما قيل عنها (الواردة في الدستور)، تخول التشريع الوطني أن يُقر جميع القوانين الضرورية والمناسبة الأخرى. فإذا كان هناك شئ استثنائي، فإنه يجب التفتيش عنه في الصلاحيات الخاصة التي يعتمد عليها ذلك الإعلان العمومي فالإعلان نفسه، وإن كان يُتهم بالتعميم والإطناب فهو على الأقل لا يخلّف أي أذى ولا يضر.
غير أن عنصر الشك قد يسأل: إذن لماذا أدخل وجئ به؟ والجواب أن ذلك قد حصل من قبيل الاحتراز الشديد لا أكثر، وللحيطة من أي تجاوزات في التفسير من جانب أولئك الذين يشعرون بالميل لحرف الصلاحيات المشروعة لطرف الاتحاد عن قصدها، وللحد منها. ولربما أن الميثاق تنبأ بما كان هو الهدف الأصلي من هذه الورقات أن توضّحه. وهو أن الخطر الذي يهدد المصلحة العامة في الجانب السياسي، أكثر من غيره، هو أن حكومات الولايات سوف تقوض جذور الاتحاد، ومن ثم تعتبر من الضروري، بصدد هذه النقطة الرئيسية، أن لا تترك شيئاً لإقامة ذلك الاتحاد وتشكيله. وأياً كان الدافع لذلك، فإن الحكمة في الاحتراز ظاهرة من الصرخة التي أقيمت ضد (الإعلان)، لأن تلك الصرخة تفشى ميلاً إلى إثارة التساؤل والشك في حقيقة كبرى يبدو من الواضح أنها هي الهدف الذي يرمي إليه ذلك الشرط ويُفصح عنه.
لكنه يمكن توجيه السؤال مرة ثانية بالقول: من الذي يحكم في ضرورة ومناسبة القوانين التي تقر لتطبيق صلاحيات الاتحاد؟ أنا أجيب أولاً فأقول إن هذا السؤال ينشأ تماماً بنفس القدر والفاعلية من مجرد تخويل تلك الصلاحيات في البند الإعلاني نفسه، هذا أولاً، أما في المقام الثاني فإن الحكومة الوطنية، شأن أية حكومة أخرى، هي التي يتوجب أن تحكم بالدرجة الأولى، في التطبيق المناسب لصلاحياتها، وفي عناصر ذلك التطبيق آخر الأمر. فإذا ما وجدت الحكومة الفدرالية أنها تتجاوز الحدود المنصفة لصلاحيتها وتزاول اتجاهاً طغيانياً لسلطاتها، فإن على المواطنين، الذين هي من خلقهم أن يرجعوا إلى المقياس الذي كونوه وأن يتخذوا تلك الإجراءات التي من شأنها أن تزيل الأذى الذي ألحقته (الحكومة) بالدستور بقدر ما يتطلب ذلك التجاوز ويبرر سبيل الحكمة في الأمر. إن ملاءمة أي قانون، في ضوء الدستور يجب أن يتم الحكم فيها وتقريرها من جانب طبيعة الصلاحية التي يقوم على أساسها. افترض، أن التشريع الفيدرالي، بواسطة هيئات قسرية لسلطاته (والتي لا يمكن أن يتصورها المرء في الواقع) قد حاول أن يغيّر قانون النسب في ولاية ما، أفلن يكون من الجلي أن قيامه بتلك المحاولة يعني أنه قد تجاوز حقه التشريعي وتخطّي حدود حق الولاية في ذلك؟ وافرض ثانية، أن التشريع الفدرالي، بدعوى التدخل في أمر الخزينة العامة، قد حاول أن يقوم بإبطال ضريبة على العقار فرضتها سلطة الولاية؛ أفلن يكون جلياً بنفس القدر السابق أن هذا الأمر هو اعتداء من جانب التشريع الفيدرالي فيما يخص ذلك النوع من الضريبة، التي يفرض دستور الاتحاد بكل صراحة أنها من حق حكومات الولايات؟ إذا كان هناك على الإطلاق أي شك حول هذا الموضوع، فإن الفضل بكامله في ذلك يعود إلى أولئك الذين حاكموا الأمر دون رويّة، وبفعل حماستهم الطائشة في عدائهم لحطة الميثاق، قد سعوا جهدهم لتغليفها في سحابة من الغموض تحجب أبسط الحقائق وأشدها جلاءً.
وسيقول هؤلاء، لكن قوانين الاتحاد ستكون هي القانون الأعلى في البلاد. ما الذي يمكن استخلاصه من ذلك، وإلى أين ستمضي تلك القوانين إذا لم تكن هي القانون الأعلى؟ من الواضح أنها لن تغدو أي شئ في تلك الحال. إن "القانون" بالمعنى الحقيقي للكلمة، يشمل معنى السيادة، فهو القاعدة التي يتوجب على من خُصصت له أن يلتزم بمراعاتها. إن هذا يحصل في حال أي ارتباط سياسي. إذا دخل الأفراد في وضع مجتمع توجّب أن تكون قوانين ذلك المجتمع هي المنظم الأعلى لتصرفاتهم. وإذا دخل عدد من المجتمعات السياسية في مجتمع سياسي أشمل فلا مناص من أن تكون القوانين التي يضعها المجتمع الأشمل، تطبيقاً للصلاحيات المخولة له بموجب الدستور، هي القوانين العليا النافذة في تلك المجتمعات وعلى الأفراد الذين تتشكل منهم. إذا لم يكن كذلك انقلب الأمر إلى كون الارتباط بين المجتمعات مجرد معاهدة ترتكز على النيّة الحسنة لدى الأطراف، وليس حكومة. فالحكومة لفظة أخرى للسيطرة السياسية والسيادة. لكنه لا ينبع من هذه القاعدة أن تغدو أفعال المجتمع الأكبر والأشمل، والتي لا تتطابق مع سلطاته الدستورية، وإنما هي تجاوزاً على الصلاحيات الثابتة للمجتمعات الأصغر – هي القانون الأعلى الذي يسود البلاد. إنها ستكون مجرد أفعال تجاوزات وافتئات، وتستحق أن تتم معاملتها على ذلك الأساس. ومن ثم فإننا ندرك أن البند الذي يُعلن سيادة قوانين الاتحاد، مثل ذلك الذي رأيناه آنفاً، لا يفعل شيئاً أكثر من إعلان الحقيقة التي تترتب على الفور وبالضرورة من تأسيس حكومة فدرالية. ولا يلزم من ذلك، كما أفترض أنا، أن ملاحظة كون البند، وبكل صراحة، يحدّد سيادة القوانين المنطبقة وفق الدستور – قد فاتت على الجميع، وإنما أضرب ذلك كمثال على الاحتراز من جانب الميثاق؛ لأن ذلك التحديد لا بد أنه كان مفهوماً؛ وإن لم يتم الإفصاح عنه.
ومع أن أي قانون، لفرض ضريبة يعود نفعها على ولايات الاتحاد ستكون له السيادة العليا بطبيعته، ولا يمكن الاعتراض عليه قانونياً ولا التحكم فيه، فإن قانوناً لإبطال مفعول أو منع جباية ضريبة – تسنّه الولاية (إلا على الواردات أو الصادرات) لن يكون القانون الأعلى في البلاد، بل هو اغتصاب للسلطة لا يُقره الدستور. وبقدر ما إن تركيم الضرائب غير المناسب على السلعة نفسها سوف يجعل جمع الضرائب صعباً ومؤذياً، فإن ذلك سيكون إزعاجاً متبادلاً، ليس أساسه سيادة الصلاحية أو نقصها لدى أي من الطرفين، بل أساسه لا شرعية ممارسة تلك الصلاحية أو السيادة من جانب واحد أو الآخر منهما، وبطريقة تؤذي كليهما معاً. ومن المأمول والمفترض أن الفائدة المتبادلة سوف تفرض على الجانبين التنسيق حول هذا الأمر، تنسيقاً يتحاشى أي إزعاج حقيقي مادي. وحصيلة كل ما سبق هو أن كل ولاية بمفردها، بموجب الدستور المقترح، سوف تحتفظ لنفسها بسلطة مستقلة ومطلقة لجمع موارد خزينتها بالقدر الذي تتطلبه حاجاتها، عن طريق أي نوع من الضرائب تفرضه هي، ماعدا ضريبة الوارد والصادر. وسيكون معروفاً في الورقة التالية أن هذا التشريع القائم في مادة فرض الضرائب هو البديل الوحيد المسموح به لإخضاع فرض الضرائب كلية للولاية، فيما يختص بهذا الجانب من السيطرة بين الولاية وبين الاتحاد.
بوبليوس

_______________________
- الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 226-231.
- ظهرت هذه الورقة المكملة للورقة 31 في The Independent Journal في 2 يناير 1788، واعتبرها مكلين رقم 33.

العودة للصفحة الرئيسية