الأوراق الفيدرالية

ورقة رقم: 31
الكسندر هاملتون
Alexander Hamilton
1 يناير، 1788


إلى أهالي ولاية نيويورك:
في جميع أنواع المقولات هناك حقائق أساسية معينة، أو مبادئ أولية عليها تعتمد المناقشات القديمة اللاحقة. تلك الحقائق في ذاتها، هي التي تتحكم في قبول العقل لأية فكرة أو ترابط فكري assent وحيث لا تتحصل هذه النتيجة، فإن ذلك لا بد أن ينشأ إما عن بعض الاضطراب في الحواس المدركة، أو من تأثير المصلحة الخاصة أو الهوى أو من التحامل. من هذا النوع هي المسلّمات في الهندسة بأن الكل أكبر من كل من أجزائه، وأن الأشياء التي تساوي الشئ نفسه أشياء متساوية، وأن الخطين المستقيمين لا يحصران حيزاً محدوداً، وأن جميع الزوايا القائمة تساوي الواحدة منها الأخرى. ومن النوع نفسه تلك المسلّمات في علم الأخلاق والسياسة، مثل لا معلول بدون علّه، وأن على الوسيلة أن تكون متناسبة مع الغاية، وأن كل صلاحية يجب أن تعادل الهدف المنشود من ورائها، وأنه لا يجوز أن يكون هناك تقييد لسلطة تكلّف بأن تحقق غرضاً (هدفاً) تعجز هي عن تحديده. وهناك حقائق أخرى في مجالي العلمين هذين، قد تقصّر عن الارتقاء حتى تصطف ضمن فئة المسلّمات لكنها تظل مشتقات مباشرة منها، وواضحة في ذاتها، ومقبولة تماماً لدى ما يمليه طبيعة الحس العام البسيطة وحتى أن تلك الحقائق تتحدى موافقة العقل السليم وغير المتحيز وبدرجة من القوة والتقبّل تجعلها قاهرة لا يمكن مقاومتها.
إن أهداف البحث الهندسي قد اشتقت من تلك الأفكار التي تثير مشاعر القلب الإنساني وتحركها لدرجة تجعل الإنسان يتبنّى بسهولة لا مجرد النظريات العلمية البسيطة فحسب، بل حتى الإشكالات الغامضة، مهما بدا توضيحها عسيراً، ومهما ظهرت مغايرة للمفاهيم الطبيعية التي يطرحها العقل، دون مساعدة من الفلسفة، فيما يتعلق بالموضوع المبحوث. أن الانقسام اللانهائي للمادة، أو بكلمات أخرى قابلية الانقسام اللانهائي للشيء المحدود، بما في ذلك أصغر ذرة، هي نقطة متفق عليها بين المشتغلين بالشؤون الهندسية، وإن كان إدراك ذلك بين الناس العاديين ليس أقل من إدراكهم للقضايا الغامضة في الدين، التي يختلف مستويات تقبلها اختلافا غير محدود. وعليها تسلط هجومات الكفر بصورة دائبة.
أما في العلوم السياسية والأخلاق، فيبدوا أن الناس أقل إمكاناً للتتبع. فإلى درجة معينة يكون الأصح والأفيد أن يكون ذلك هو الحال، فالحيطة والتحري درع ضروري يجب الاتقاء به من الوقوع في الخطأ والقسر به. بيد أن عدم القدرة على التتبع هذه يمكن أن تحمل إلى أكثر مما ينبغي، وعند ذاك تنحط لتغدو مجرد عناد، ومعاكسة، وعدم أصالة، أي لا منطقية. ومع أنه لا يمكن الادعاء بأن أصول المعرفة في مجال السياسة والأخلاق، تمتلك (لها) بصورة عامة نفس القدرة من الثبات الذي للرياضيات، إلا أنها على حق حين تزعم في هذا الخصوص أنها أفضل من الحكم على أساس تصرف الناس في مواقف خاصة نميل نحن إلى تعريفهم لها. أن الغموض أكثر تكراراً في مجال المشاعر والأحقاد لدى المعلل مما هو في الموضوع المطروح للنقاش. ذلك أن الأفراد، في كثير جداً من المناسبات، لا يمنحون عقولهم حقها في أن تكون منصفة، بل يميلون إلى التميز، فيشابكون أنفسهم مع كلمات ويسجنون أنفسهم ضمن تفصيلات دقيقة.
وإلا، كيف يمكن أن يحصل (إذا تقبلنا أن يكون المعترضون مخلصين صادقين في معارضتهم) أن تلقى مواقف شديدة الوضوح مثل ضرورة وجود سلطة عامة لفرض الضرائب في حكومة الاتحاد – أي خصوم لها بين رجال سليمي التقدير؟ ومع أن هذه النقاط قد تم ذكرها وشرحها في مواطن أخرى، فإنه ربما كان من غير المناسب إعادة إبرازها هاهنا كمقدمة وتمهيد لتفحص ما تم عرضه بصفته اعتراضاً عليها. وهي في الحقيقة على الصورة التالية:
يجب أن تحوز الحكومة في ذاتها كل صلاحية ضرورية لإنجاز الأهداف المكلفة بها، وإلى أن يتم إنجاز كل ما كلفت به وهي مسؤولة عنه وأن تكون سلطتها مطلقة لا يحدها أي قيد غير احترام الصالح العام وتقبل المواطنين.
وحيث إن مهمات الإشراف على الدفاع الوطني وضمان السلام العام للشعب ضد الغزو من الخارج أو اللجوء إلى العنف في الداخل تتضمن التعاطي مع الإصابات والأخطار التي لا يمكن تحديد أحداثها مسبقاً، فإن السلطة التي تتعدى لمعالجتها يجب أن تعرف أنه لا قيود أخرى عليها غير الضرورات التي تتطلبها الأمة وتستطيع الموارد المالية في المجتمع أن توفرها.
ولما كانت الخزينة العامة هي الماكينة الرئيسية التي عن طريقها يمكن ضمان توفير الضرورات الوطنية فإن سلطة ضمان تلك الضرورات من جميع النواحي يجب أن تُدرك وينظر إليها من زاوية توفير تلك الضرورات.
وحيث أن النظرية والتطبيق يتضافران لإثبات أن صلاحية ضمان توفير موارد الخزينة لا تجدي حين يجري إعمالها على الولايات بصفة قدراتها بصورة جماعية، فإن الحكومة الفدرالية يجب أن تخول، بالضرورة، صلاحية سلطة غير محددة في فرض الضرائب في الأحوال العادية.
إن لم تشهد الممارسة على نقيض ذلك، فسيكون طبيعياً أن نستنتج أن تكون صلاحية فرض الضرائب من قبل الحكومة الوطنية أمراً مقبولاً ومقراً به بكل زمان، وإنه يرتكز إلى ما تثبته تلك الاقتراحات، دون الحاجة إلى تأييد إسناد من أية مناقشات إضافية وتوضيحات. لكننا في الواقع نجد أن خصوم الدستور المقترح، انطلاقا من إرضاء مشاعرهم في الحرص على العدل والصدق، يبذلون جهدهم وحماسهم الأكبر ضد هذا القسم من خطة الدستور. ومن ثم يغدو من الواجب أن نحلل ما تطرحه مناقشاتهم التي يعارضون بها.
يبدو أن المناقشات التي أقيمت على أساس هذه النظرة والرأي، في حقيقتها، ترتقي إلى ما يلي: "ليس صحيحاً، أنه بسبب أن ضرورات الاتحاد قد لا تكون قابلة للتحديد، فإن صلاحية سلطة فرض الضرائب يجب أن لا يتم تقييدها أيضاً. إن موارد الخزينة بقدر ما هي ضرورية لأغراض الحكومات المحلية هي ضرورية لحكومة الاتحاد أيضاً، وهي للأخيرة على نفس القدر من الأهمية التي هي للأولى. من أجل سعادة المواطنين. وهكذا، فمن الضروري أن يكون لحكومات الولايات أن تسيطر على الوسائل التي توفر ما تحتاجه هي، وأن يكون في مستطاع الحكومة الوطنية أن تمتلك مثل تلك الوسائل فيما يخص حاجات الاتحاد. بيد أن صلاحية غير محددة على فرض الضرائب في يد الحكومة الوطنية مع مرور الزمن، قد تجرّد حكومات الولايات من وسائل توفير ضمان حاجاتها الضرورية، وتجعلها خاضعة بالكامل لرحمة التشريع الوطني في الاتحاد. وحيث أن القوانين في الاتحاد سوف تغدو هي القانون الرئيس في البلاد، لأن الاتحاد هو الذي يقرّ جميع القوانين الضرورية لوضع جميع الصلاحيات المخولة له موضع التنفيذ، فإن للحكومة الوطنية في أي وقت تشاء أن تُلغي الضرائب التي تم فرضها لأهداف خاصة بالولايات، وأن يكون الإلغاء بدعوى أن تلك الضرائب تتعارض مع الضرائب التي تفرضها الحكومة الوطنية. ولها أن تعزو ضرورة الإلغاء بدعوى إكساب موارد الخزينة العامة فعّالية كافية، وهكذا فإن جميع موارد الضرائب تصبح على درجات، خاضعة لاحتكار السلطة الفدرالية مما يعني تدمير حكومات الولايات.
إن هذا النوع من المحاكمة والتفكير يبدو أحياناً وكأنه افتراض حدوث اغتصاب من قبل الحكومة الوطنية، فيما يبدو أحياناً أخرى أنه قد وضع خصيصاً لتجريد العملية الدستورية من الصلاحيات المرادة لها. وفي ضوء هذا الاعتبار الأخير فقط يمكن تقبل على أن فيه سمة ومظهراً من العدالة. وفي اللحظة التي تُطلق فيها مجالاً لتخمينات تدور حول اغتصاب توقعه الحكومة الفدرالية فإننا نغوص في هوة من الفوضى لا قرار لها، ونضع أنفسنا خارج حدود كل تفكير منطقي. ذلك أن الخيال والتصورات قد تطوف على هواها حتى تنقلب تيهاً في منعطفات وممرات قصر مسحور لا تعرف في أي اتجاه تسير كيما تخلص من المشاكل التي أثارتها هي نفسها. ومهما كانت الحدود والتوصيفات لسلطات أو صلاحيات الاتحاد، فإنه يظل من السهل أن يتصور المرء قطراً متلاحقاً من الأخطار الممكنة التي تواجهها، فإذا ما أدخلنا في الموضوع إفراطاً من الغيرة والجبن، فإننا قد نضع أنفسنا في مجال لا نهاية له من الشك وعدم الحزم في اتخاذ القرار. وأنا أكرر هنا ما لاحظته وأشرت إليه بصورة ملموسة في موطن آخر، وهو أن جميع الملاحظات التي أساسها التخوف من خطر الاغتصاب والتحكم يجب أن تُرجع إلى تشكيل الحكومة وبنيتها، لا إلى طبيعة سلطاتها ومدى امتدادها. إن حكومات الولايات، بموجب دساتيرها ذاتها، تتمتع بالسيادة الكاملة فما الذي يشكل سلامتنا ضد اغتصابات من ذلك الجانب؟ لا شك أنه يتمثل في طريقة تشكيل تلك الحكومات، وفي الثقة المستحقة في أولئك الذين يديرون تلك الحكومات ويسيّرون أمورها على المواطنين. إذا وجد أن الدستور المقترح للحكومة الوطنية، بعد تفحص غير متميز له، يُتيح إلى حد مقبول توفير القدر نفسه من الأمان والسلامة، فإنه يجب أن تشطب جميع المخاوف المتعلقة بالاغتصاب والتحكم.
وعلينا ألاّ ننسى أن ميلاً من جانب حكومات الولايات للاعتداء على حقوق حكومة الاتحاد هو أمر محتمل بقدر احتمال الميل من جانب حكومة الاتحاد للاعتداء على حقوق الولايات. والجزم حول أي جانب قد يرجح في هذه الإشكالية والاصطدام لا بد أن يعتمد على الوسائل التي يعتمدها الطرفان في صراعهما ويستخدمانها لضمان النجاح في المسعى. ونحن نعلم أنه في حال الجمهوريات تكون القوة على الدوام في جانب الشعب، ولما كانت هناك أسباب ذات وزن تحبّذ الاعتقاد بأن حكومات الولايات سوف تمتلك النفوذ الأكبر في الولايات، فإن الاستنتاج الطبيعي عند ذاك هو أن تلك المصادمات سوف تنتهي لغير صالح حكومة الاتحاد، وأن هناك احتمال أكبر في حصول الاعتداء من قبل الأعضاء في الاتحاد (الولايات) على رأس الاتحاد من حصوله من قبل الاتحاد على الأعضاء فيه. لكنه من الواضح أن جميع التخمينات التي من هذا القبيل تظل جوفاء وموطناً للخطأ، ومن ثم فإن أسلم طريق هو إطراحها كلها جانباً وحصر اهتمامنا بالكلية في طبيعة ومدى الصلاحيات كما هي مبينة في الدستور. كل شئ خلاف ذلك يجب أن يطرّح ويُترك لحكم الشعب وحزمه، فالمواطنون بحكم أنهم سيمسكون بكفتي الميزان في أيديهم، فالمأمول من جانبهم على الدوام أن يحرصوا على الحفاظ على التوازن الدستوري بين حكومة الاتحاد العامة وحكومات الولايات. على هذا الأساس، والذي هو النهج الصحيح، فلن يكون صعباً أن ننحّي Obviate الاعتراضات التي سبق أن أثيرت حول السلطة اللامحدودة لفرض الضرائب في الولايات المتحدة.
بوبليوس

_______________________
- الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 215-215-220.

العودة للصفحة الرئيسية