الأوراق الفيدرالية

ورقة رقم: 29
الكسندر هاملتون
Alexander Hamilton
9 يناير، 1787


إلى أهالي ولاية نيويورك:
إن صلاحية تنظيم الميليشيا والسيطرة على مهماتها في أوقات الثورة والغزو الأجنبي هي تابع ملازم لواجبات الإشراف على الدفاع العام، والحرص على السلام الداخلي في الكونفدرالية.
ولا يحتاج الأمر إلى براعة العلم العسكري للتأكيد على أنه لا بد من مراعاة التوحيد في التنظيم والانضباط في الميليشيا كيما يعود بأكبر نفع بمهماتها في انسجام – والانسجام ميزة ذات أهمية كبرى في العمليات الحربية لأي جيش، وسرعان ما يستطيع الأفراد اكتساب قدر من البراعة في إنجاز المهمات العسكرية، مما سيكون صفة أساسية في حسن استخدامها. ويمكن بلوغ الانسجام المرغوب فيه عن طريق إيكال تنظيم الميليشيا إلى السلطة الوطنية (الاتحاد). ولهذا كان من المناسب جداً أن تقترح خطة الميثاق أن يُعهد إلى الاتحاد توفير ما تحتاجه الميليشيا من تنظيم، وتسليح وضبط وربط وإدارة شئون هذه الأمور على أن يبقى للولايات "حق تعيين الضباط فيها، وصلاحية تنفيذ التدريب وفق النظام الذي يحدده الكونغرس".
ومن بين الأسس التي تم إيرادها بديلاً من هذه الخطة ليس هناك سبب واحد يمكن أن يتوقعه المرء أو يتعذر الدفاع عنه مثل هذا الشرط الغريب الذي تم الهجوم عليه. إذا كانت ميليشيا حسنة التنظيم هي الدفاع الطبيعي الأفضل لبلد حر. فلا بد على التأكيد أن يوضع تنظيمها والإشراف عليها في يد تلك الهيئة التي تعتبر حارسة للأمن الوطني فيها. وإذا كانت الجيوش الدائمة خطرة على الحرية في البلاد، فإن وضع سلطة فعالة على الميليشيا في يد تلك الهيئة، من شأنه قدر الإمكان، أن يزيل الدوافع والذريعة لمثل تلك المؤسسات غير الودّية. وإذا استطاعت الحكومة الفدرالية أن تتحكم في مساعدة الميليشيا في أثناء الطوارئ التي تستلزم أن يتساند القوة العسكرية الإدارية المدنية، فسيكون يسيراً عليها استخدام نوع مختلف من القوة إلى جانبها، أي المؤسسات العسكرية. أما إذا عجزت عن الاستفادة من الميليشيا فإنها ستكون مضطرة إلى اللجوء إلى الأخرى. إن جعل استخدام الجيش أمر لا ضرورة له لهو طريقة أكيدة أفضل ألف مرة لتحاشيه من وضع النواهي على استخدامه على الورق.
ومن أجل إلصاق وصمة على صلاحية استدعاء الميليشيا لتنفيذ قوانين الاتحاد، سبق أن تمت الإشارة إلى أنه ليس هناك أي موضع من الدستور المقترح على طلب أي شرط في مساعدة جماعة العون الطارئ لإعانة الموظف المدني في تنفيذ واجبه؛ مع أنه قد افترض أن تكون القوة العسكرية هي المساعد الوحيد له. إن هناك عدم انسجام عجيب في الاعتراضات التي ظهرت، حتى من جانب الفئة ذاتها أحياناً، وهي اعتراضات لم يفكر فيها أصحابها أن توحي بأي رأي لصالح الإخلاص والإنصاف لدى أصحاب تلك الاعتراضات. فالأشخاص الذين يخبروننا حيناً أن سلطات الحكومة الفدرالية ستكون طغيانية ولا حدود لها هم أنفسهم يخبروننا في حين آخر أنها لا تمتلك من السلطة ما يكفي لأن تستدعي جماعة المساعدة الطارئة. والرأي الأخير، لحسن الحظ رأي يعوزه الصدق بقدر ما يبالغ فيه الرأي الذي يسبقه. وسيكون من السخف أن نشك في أن الحق في إقرار جميع القوانين الضرورية والمناسبة للتنفيذ سوف يشمل صلاحية طلب مساعدة المواطنين للضباط الذين يمكن أن يوكل إليهم تنفيذ تلك القوانين. أليس هذا مثل التفكير في أن على حق تنفيذ القوانين الضرورية والمناسبة لفرض جباية الضرائب أن يتعامل مع القواعد المختلفة للنسب وإبعاد أصحاب العقارات، أو إلغاء المحاكمة من طرف المحلفين في الحالات التي تستدعي تنظيمها. إذن يغدو واضحاً تماماً الآن أن فرض عجز السلطة عن طلب المساعدة من جماعة الطوارئ لهو بالكامل عديم اللون أصلاً، وأن الاستنتاج الذي يمكن استنطاقه منه، حال تطبيقه على سلطة الحكومة الفدرالية على الميليشيا، لهو أمر غير لطيف بقدر ما هو لا منطقي. أي سبب هناك للزعم بأن الجيش يقصد به أن يكون الأداة الوحيدة في يد السلطة، لمجرد أن هناك احتمالاً لاستخدامه عند الضرورة؟ ماذا سنفكر في الدوافع التي تجعل رجالاً متعقلين يفكرون بهذه الطريقة الشاذة؟ كيف نستطيع أن نمنع الاصطدام بين حب الإحسان والمعتقد بالموروث؟
بفضل مراجعة عجيبة تدور حول الغيرة على روح الجمهورية؛ نتعلم خشية بزوغ الخطر من الميليشيا نفسها حين تخضع لسلطات الحكومة الكونفدرالية. من الملاحظ أنه يمكن تشكيل كتائب منتقاة، وتتألف من الشباب المتحمسين، الذين يمكن جعلهم يخدمون وجهات نظر السلطة الغاشمة. ما هي خطة تنظيم الميليشيا التي قد تتبعها الحكومة الوطنية، ذاك أمر يستحيل أن يتنبأ به أحد. لكن، لو صرفنا النظر إلى هذه المسألة في الضوء ذاته الذي ينظر به أولئك المعترضون على انتقاء الكتائب باعتبارها خطرة، لو أقرها الدستور ولو كان علىّ أن أنقل مشاعري إلى عضو في المجلس التشريعي بخصوص إنشاء الميليشيا، لنقلت إليه. بهذا الخصوص مادة الحديث التالي:
"إن مشروع ضبط جميع أفراد الميليشيا في الولايات المتحدة لهو أمر لا جدوى منه كما أنه سيعود بالضرر فيما لو تم وضعه موضع التنفيذ. إن اكتساب خبرة مقبولة في أمور التحركات العسكرية هي شأن يتطلب وقتاً ومراناً كافيين. ولن يكون الوقت الكافي في تلك الحال يوماً واحداً، ولا أسبوعاً، حتى ولا شهراً. إن جعل حشد من الفلاحين ومن فئات المواطنين الأخرى ينخرط تحت السلاح بفرض التدرب والتطور في المجال الحربي، بقدر يتيح له الحصول على قدر من الكمال في ذاك المجال، قدر يؤهل أفراد ذلك الحشد أن يكونوا ميليشيا حسنة التنظيم – أمر سيكون مثار تذمر الناس ومضايقة مزعجة وخطيرة لهم، أنه سيخلق خسارة تعود عليهم. فسيكون حسماً سنوياً من قوة العمل المنتجة في البلاد، وإلى قدر لو حسبناه على أساس عدد السكان، لما نقص عن مليون جنيه. وليس من الحكمة محاولة إتيان عمل ينقص كتلة القوة العاملة ويؤثر في صناعة البلاد بهذا القدر الكبير. ولو تم القيام بهذه التجربة لما حالفها النجاح، لأنه لن يطول احتمال الناس لها. وبالمقدور السعي إلى أقل من ذلك قليلاً فيما يتعلق بتسليح مجموع الشعب جيداً وبتجهيزهم؛ فحرصاً على ألا يُهمل ذلك يتوجب أن يتم جمعهم مرة واحدة أو اثنتين في السنة بطولها.
ذاك يكفي. "لكن، مع أنه يجب التخلّي عن خطة تنظيم وضبط أفراد الأمة بكاملهم، باعتبارها خطة تعود بالضرر كما أنها غير عملية أبداً؛ فإنه لأمر في غاية الأهمية أنه يجب تبني خطة تمت دراستها واستيعابها جيداً، وبأسرع ما يمكن، لإنشاء ميليشيا بصورة مناسبة. ومن الواجب توجيه عناية الحكومة واهتمامها نحو تشكيل كتائب منتقاة تكون معتدلة الحجم، كما تقوم على أساس مبادئ تؤهلها فعلاً للخدمة في حال دعت الحاجة إلى خدمتها. بهذا الاحتراز في شأن الخطة سيتيسر الحصول على ميليشيا ممتازة جيدة التدريب، وقادرة على الانتقال إلى الميدان لحظة يستدعي الدفاع عن الأمة مثل ذلك. ولأن يقلل هذا من الحاجة إلى إنشاء مؤسسات عسكرية فحسب، بل إنه ما دعت الظروف الحكومة لأن تشكل جيشا ضخماً في أي وقت من الأوقات فلن يكون ذلك الجيش يشكل خطراً على حريات الشعب. حينذاك يتواجد كتلة ضخمة من المواطنين، هي أدنى من الجيش قليلا من حيث القدرة على الانضباط واستخدام السلاح، لكنها تقف مستعدة لحماية حقوق أفرادها الخاصة وحقوق المواطنين الآخرين. هذا، كما يبدو لي هو البديل الذي يمكن النصح به فيما يخص الجيش الدائم، وهو أفضل ضمان ضد ذلك الجيش، إذا قدر له أن يوجد".
على هذه الصورة المغايرة لخصوم الدستور المقترح عليّ أن أفكر في الموضوع ذاته، مسقطاً من اعتباري حجج السلامة من أصول السلامة التي يمثلونها وكأنها مشحونة بالخطر والدمار. لكن، كيف سيناقش المشرعون تلك النقطة فذاك أمر لا أستطيع أنا ولا يستطيع الخصوم أن نتكهن بشأنه.
أن هناك شيئا بعيد التصور ومبالغاً فيه تنطوي عليه فكرة وجود خطر على الحرية من الميليشيا وهى فكرة قصية "إلى درجة أن المرء يضل ويتخبط في التعاطي معها برصانة أو باستخفاف؛ هل يعتبرها مجرد تجربة من أفراد دعاتها للبراعة، شان إشكاليات أصحاب البلاغة اللفظية الأخرى، باعتبارها آلية غير أصيلة لنفث الأحقاد بأي ثمن؛ أو بصفتها وليداً جاداًًًً للتعصب السياسي. أين، بحق الذوق العام، يجب أن تنتهي مخاوفنا إذا كنا لا نثق بأبنائنا، وبإخواننا، وبجيراننا، ومواطنينا الآخرين؟ أي ظل من الخطر يمكن أن ينتج عن رجال يختلطون يومياً مع مواطنيهم الآخرين ويشتركون معهم في الأحاسيس نفسها، والمشاعر، والعادات، والمصالح؟ أي سبب معقول من التخوف يمكن أن يتأتى من صلاحية تحول للاتحاد لتحديد تعليمات الميليشيا والسيطرة على خدماتها عند الضرورة، فيما يكون للولايات الإفرادية وحدها كامل حق تعيين الضباط فيها؟ إذا كان من الممكن بصورة جدية سحب فكرة التخوف من الميليشيا على أية مؤسسة يمكن تصورها في الحكومة الفدرالية، فإن احتراز تعيين الضباط بجعله خاضعاً لسلطات الولاية يجب أن يزيل ذلك التخوف. فلا شك أبدا في أن هذا الاحتراز سوف يضمن للولايات تأثيرا هائلا على الميليشيا.
عند قراءة كثير مما ينشر في غير صالح الدستور، يغدو المرء مستعداً لأن يتصور أن ما يقرأه هو جزء من حكاية كتبت بنية سيئة، أو رواية غرامية عجيبة. فبدلاً من أن تعرض وقائع طبيعية وصوراً محببة يجدها لا تعرض عليه شيئا غير الخوف والشخوص المشوهة –
"غيلان، وأفاعي خرافية، وكائنات خرافية رهيبة"
سالبة لون ما تعرض ومشوهة كل شئ تعرضه وجاعلةً كل شئ تنطوي عليه يغدو مارداً وحشاً.
وكعينة من هذا ما يمكن ملاحظته في الاقتراحات المبالغ فيها والبعيد احتمال الحدوث التي تم طرحها فيما يخص صلاحية استدعاء خدمات الميليشيا. فالميليشيا التابعة لولاية نيو هامبشير يجب أن تسير إلى جورجيا، والتابعة لجورجيا إلى نيو هامبشير، وميليشيا ولاية نيويورك إلى كنتكي، وميليشيا كنتكي إلى ليك شامبلين. كلا، إن الديون المترتبة علينا لصالح فرنسا والهولنديين يجب أن يتم دفعها بالرجال بدلاً من دفعها بالدوكات وعملة لويس. ففي لحظة سيكون هناك جيش ضخم لسحق حريات الشعب؛ وفي لحظة أخرى يجر أفراد ميليشيا فرجينيا من بيوتهم مسافة خمسماية أو ستماية ميل لترويض النزعة الجمهورية لدى أهل ماساشوستس؛ وينقل رجال ماساشوستس مثل تلك المسافة لإخضاع عجرفة الأرستقراطية في فرجينيا. تُرى هل إن الأشخاص الذين يهذون على هذا المستوى يتصورون أن فن الخطابة لديهم أو فصاحة التعبير عندهم، سوف تفرض أية أضاليل أو سخافات على أهل أمريكا لتقهر الحقائق التي لا تُقهر؟
إذا كان سيكون هناك جيش يمكن استخدامه كآلة للتسلّط والطغيان. فما الحاجة إلى ميليشيا؟ وإذا لم يكن هناك جيش، فما الداعي لأن تتم مضايقة الميليشيا، كي تقوم بحملة بعيدة مبئسة ذلك لغرض تشديد أفرادها أغلال العبودية على قسم من مواطنيهم، وتوجه مسيرهم، لكن إلى منصب الطغاة الذين كانوا حمقى ولؤماء حتى فكروا في مشروع لسحق أولئك المواطنين في الخنادق المتخيلة لسلطتهم، وفي جعلهم أفراداً مثالاً على الانتقام العادل من شعب مظلوم؟ هل هذه هي الطريقة التي يسلكها المغتصبون للسيطرة على أمة كثيرة العدد ومتنورة العقول؟ هل يبدأون بإثارة الاشمئزاز عند الأدوات ذاتها التي ينوون اغتصاب السلطة منها؟ هل نجدهم عادةً ما يبدأون فعلتهم بأعمال عناء ممقوتة في السلطة، يدركون ألا غاية منها، ألا أن تجلب عليهم الكراهية العامة واللعنة؟ هل إن افتراضات من هذا النوع تنسجم مع الأوامر التي يصدرها مواطنون عقلاء لشعب متعقل؟ أو أنها هي الانتفاضات الملتهبة من أفراد حاقدين أو متهورين فقدوا السيطرة على زمام أنفسهم؟ حتى لو كان لنا أن نفرض أن الحكام الوطنيين تصرفوا على أساس طموح جامح في أنفسهم، فإن من غير الممكن أن نصدّق أنهم سوف يستخدمون مثل هذه الوسائل لتحقيق مكائدهم.
في أوقات التمرد، أو الغزو الخارجي، سيكون من الطبيعي والمناسب أن تؤمر ميليشيا ولاية ما بالزحف إلى ولاية أخرى، لصدّ عدو مشترك، ولحماية الجمهورية من عنف الانقسام والغواية. هكذا حصل فيما يخص الهدف الأول خلال مسيرة الحرب الأخيرة؛ وهذا العون المتبادل، هو، في الواقع هدف رئيس من ارتباطنا السياسي. إذا كانت صلاحية جعله متاحاً تقتضي أن توضع في يد الاتحاد، فلن يكون هناك خطر من أية مخاوف كبيرة ولا عدم اهتمام غير محسوب لأخطار يخلقها جار بحيث يكون زحفه واقترابه قد أضاف حوافزاً لحماية الذات إلى المشاعر الراهنة لأداء الواجب والتعاطف فيما بيننا.
بوبليوس

_______________________
- الأوراق الفيدالية/الكسندر هاملتون، جميس ماديسون، وجون جاي؛ ترجمة عمران أبو حجلة، مراجعة أحمد ظاهر- عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع، 1996. ص 202-208.

العودة للصفحة الرئيسية